الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

التضخم في سورية..خمسة مسببات له و9 إجراءات إسعافية لتخفيفه

الاقتصاد اليوم:

يحدث التضخم عادة ، إما بفعل عوامل العرض، ارتفاع تكاليف الإنتاج، انخفاض سعر صرف العملة الوطنية، انخفاض إنتاجية عوامل الإنتاج، أو بفعل عوامل الطلب: فائض الطلب، حيث تكون هناك زيادة في الطلب على العرض. أو قد يحصل نتيجة عدم التناسب بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، حيث يزداد الإصدار النقدي بنسب تزيد على حاجة الاقتصاد الوطني للتداول. وهذا يعني بالنتيجة إيجاد كتلة نقدية لا يوازيها توفير سلع وخدمات، وبالتالي يحصل فائض في الطلب؛ أو أن يكون التضخم مستوردا ناجما عن ارتفاع أسعار السلع الغذائية ومدخلات الإنتاج المستوردة.

وبحسب تقرير مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”  فإن الحالة في سورية معقدة التي تمر بها البلاد، والعوامل المتشابكة المتداخلة التي يصعب الفصل بينها، لم تنتج تضخما صافيا عاديا ، بل أدت إلى ركود تضخمي وهو عبارة عن أحد الأمراض الاقتصادية، التي يعيشها الاقتصاد بالتزامن مع الحروب والأزمات.

وتترافق هذه الحالة مع ارتفاع في أسعار السلع والمنتجات ويقابله طلب ضعيف. وبالتالي، إذا كان التضخم يفسر بأنه زيادة في الطلب على العرض، ويكون علاجه عن طريق سياسة مالية ونقدية تقشفية تقوم على الحد من عرض النقود في السوق، فإن الانكماش الركود يفسر بأنه زيادة في العرض على الطلب، ويكون علاجه عن طريق سياسة توسعية بزيادة الإنفاق الحكومي وزيادة في العرض النقدي، وبالتالي فإن علاج الأول هو عكس علاج الثاني.

أسباب الحالة التضخمية في سورية

إن حالة الركود التضخمي، التي تعيشها سورية اليوم، هي نتيجة للخلل القائم بين الكتلة النقدية التي ازدادت بأكثر من 20% خلال الأزمة وتراجع الاقتصاد الحقيقي ممثلا بالناتج المحلي بحوالي – 11.5 % وسطيا . كما أن المعالجة التي تتم من جانب الحكومة، بالتركيز على الجانب النقدي في زيادة عرض النقد وإهمال الجانب الاقتصادي الحقيقي، من شأنه أن يفاقم هذه المشكلة ويزيد من صعوبة معالجتها. وفيما يلي سنستعرض لأهم مسببات الحالة التضخمية التي تمر بها البلاد وهي:

-1 أثر العقوبات الاقتصادية في التضخم: منذ بداية الأزمة فَرضت الدول الغربية، وكذلك بعضُ الدول العربية عقوبات اقتصادية أحادية الجانب على البلاد، اشتملت على تجارة النفط والقطاع المالي وعلى قطاع التجارة الخارجية، الأمر الذي أثر سلبا في حركتي الاستيراد والتصدير، فمع بقاء الطلب كما هو، انخفض العرض في الأسواق من السلع والخدمات ما أدى إلى خلل حقيقي بين أسعار عناصر الإنتاج وأسعار السلع والخدمات، فضلا عن تأثر الميزان التجاري وميزان المدفوعات سلبا بهذه العقوبات. وانعكس ذلك كله بارتفاع معدل التضخم . كما أثرت العقوبات في ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين وتكاليف التحويلات والاعتمادات المالية.

-2 تدهور الإنتاج المحلي:

تراجعت عجلة الإنتاج المحلي كثيرا، بسبب تدهور الوضع الأمني في البلاد، وباتت الحكومة بالكاد تستطيع تأمين المستلزمات والمواد الأساسية للمواطنين، ما اضطرها لعقد اتفاقيات ومعاهدات تجارية مع الدول الصديقة ،إيران روسيا….، لتوريد البترول والغذاء والدواء. وبات الاقتصاد السوري منكشفا على العالم الخارجي، لاعتماده شبه المطلق على الواردات الإيرانية والروسية المموّلة بالقروض والتسهيلات المالية الخارجية، فسبّب هذا أيضا ارتفاع الأسعار نتيجة للتضخم المستورد وتفاقم عجز ميزان المدفوعات .

-3 التمويل بالعجز:

تراجعت الإيرادات العامة للدولة لنفطية وغير النفطية خلال الأزمة بشكل كبير، إذ تراجعت نسبة تغطية الإيرادات العامة للنفقات في الموازنة العامة للدولة إلى 78 % و  59 % في عامي 2011 و 2012 على التوالي والى 57 % بالمتوسط في خلال الأعوام 2013 و 2014 و 2015 ، الأمر الذي أجبر الحكومة على طرح موازنات تضخمية كرّس معظمها للإنفاق الجاري، ودون أي زيادة في النشاط الاقتصادي، الأمر الذي رفع من معدلات التضخم، فمثلا : بلغت الموازنة العامة للدولة في العام 2015 حوالي 1554 مليار ليرة سورية خصص 76 % منها للإنفاق الجاري. وقد مَولت الحكومة معظم نفقاتها من خلال الاقتراض الخارجي أو التمويل بالعجز، من مصرف سورية المركزي، وهذا يؤدي إلى نتيجتين مباشرتين هما: التضخم وتآكل قيمة القوة الشرائية لليرة السورية .

-4 السياسات الحكومية:

أدت السياسات الحكومية، الرامية إلى تحرير أسعار السلع الأساسية، من قبيل ترشيد الدعم وعقلنته، من أجل سد عجز الموازنة وتوفير السيولة للرواتب والإنفاق العسكري، إلى رفع الدعم جزئيا عن الخبز والمشتقات النفطية والكهرباء حيث  زادت أسعار الوقود بنسبة 56 % والخبز 40 % والغاز المنزلي 45 ،% فضلا عن الاحتكار الذي ظهر من قبل تجار الحرب والفاسدين، حيث يتم بيعها بأسعار مرتفعة أكثر من ثمنها الحقيقي، بحجة حماية أموالهم من التضخم الحاصل في الليرة بعد انخفاض القوة الشرائية لها بنحو 90 .%.

 صحيح أن سياسة ترشيد الدعم أسهمت بالتخفيف من عجز الموازنة من حوالي 42 % في عام 2014 إلى 28 % في عام 2015 ، لكنها من ناحية أخرى أسهمت في تعميق الركود الاقتصادي، لأنها رفعت من تكلفة إنتاج السلع والخدمات، التي لا تزال تُنتج محليا وزادت من الضغوط التضخمية على الأسعار، فأدت إلى تراجع قيمة العملة المحلية بشكل أكبر .

-5 سعر صرف الليرة السورية:

ترجع سعر صرف الليرة السورية مقابل العملات الأجنبية بشكل كبير، بسبب مجموعة من الأسباب الاقتصادية وغير الاقتصادية والتي أضرت كثيرا بالقوة الشرائية لليرة السورية، وأثرت سلبا في معدلات التضخم.

توقعات بارتفاع التضخم إلى 36% خلال 2015

لقد سجل معدل التضخم في خلال سنوات الأزمة ارتفاعات كبيرة ومستمرة، وذلك نتيجة لتبعات الأزمة على الاقتصاد الوطني، إذ ارتفع معدل التضخم المحسوب المقارنة بين متوسط الرقم القياسي لأسعار المستهلك للعام نفسه مع العام السابق له من 6.74 % عام 2011 إلى 36.18 % عام 2012 ليصل إلى 81.71 % في العام 2013 ، ثم ليعود بعدها وينخفض في عام 2014 ليصل إلى 22.73 %، غير أنه من المتوقع أن يرتفع معدل التضخم في عام 2015 إلى حوالي 36 %  قام المكتب المركزي للإحصاء باستبعاد ثلاث محافظات من حساب الرقم القياسي لأسعار المستهلك هي: الرقة و ادلب ودير الزور، بداية من شهر حزيران 2015.

وتغير معدل التضخم خلال سنوات الأزمة  2011 – 2015 مقارنة مع وسطي معدل التضخم خلال الفترة  2005 – 2010 والذي بلغ 7.4%.

وكان مكون الأغذية والمشروبات غير الكحولية المساهم الأكبر في ارتفاع معدل التضخم خلال سنوات الأزمة، يليه مكون السكن والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى، ومكون التجهيزات والمعدات المنزلية وأعمال الصيانة، ثم مكون النقل والملابس والأحذية، .

بالإضافة إلى الأسباب السابقة الذكر، يعود ارتفاع مساهمة هذه المكونات في معدل التضخم إلى ارتفاع الوزن النسبي لمكونات سلة المستهلك، حيث قام المكتب المركزي للإحصاء عند تعديله لسنة الأساس من عام 2005 إلى عام 2010 ، بتعديل الأوزان النسبية لمكونات سلة المستهلك، حيث أُعطي بعض المكونات أهمية أكبر من السابق، خاصة تلك المكونات المتعلقة بالخدمات، مثل: مكون النقل، الاتصالات، المطاعم والفنادق.. ، وذلك تبعا لنتائج مسح دخل ونفقات الأسرة الذي أجراه المكتب المركزي للإحصاء عام 2009 وتغيير الأنماط الاستهلاكية للسكان. لقد انخفض الإنفاق على الأغذية بنسبة – 5 % بينما ارتفع الإنفاق على المطاعم والوجبات الجاهزة بنسبة 17 %. كما نلاحظ حدوث انخفاض في الإنفاق على المجموعات التالية: الملابس والأحذية – 34 %، التجهيزات والمعدات المنزلية – 34 %، قطاع الصحة – 39 %.

بينما ارتفع إنفاق المواطن السوري على قطاع السكن والذي يضم الإيجارات  والمياه والكهرباء والغاز وأنواع الوقود الأخرى التي ارتفعت بنسبة 16 % علم ا أنها شكلت في العام 2004 ، 22 % من الوزن النسبي لسلة المستهلك لتصبح 25.5 % في عام2009 ومجموعة النقل ارتفعت إلى 121 % وكذلك الاتصالات إلى 58 % وقطاع التعليم إلى 60%.

وقد ولدت الأزمة أعباء كبيرة أثقلت معيشة المواطنين مقارنة بما كان الحال في العام 2010 . فقد ارتفعت رسوم الخدمات الضرورية ماء كهرباء اتصالات كما تم رفع الأسعار الإدارية للمحروقات المازوت الغاز-  البنزين الفيول. وترافق ذلك مع فقدان وجودها في السوق، وانتشرت السوق السوداء للغاز والمازوت وبأسعار أعلى من أسعارها الرسمية. كما أثر ارتفاع أسعار المحروقات في أسعار كل المنتجات والسلع وتكاليف النقل. أظهرت نتائج مسح دخل ونفقات الأسرة والرقم القياسي لأسعار المستهلك لعام 2009 الذي قام به المكتب – المركزي للإحصاء أن وسطي الإنفاق الشهري للأسرة السورية في العام 2009 والذي كان يتراوح بين 30 إلى 35 ألف ل.س يجب أن يرتفع ليتراوح بين  100 – 110 ألف ليرة سورية لكي يعيش المواطن في مستوى المعيشة نفسه قبل الأزمة.

وبالنظر إلى الجدول المدرج لاحقا والذي يعكس التغير الكبير في الإنفاقات الشهرية للأسرة السورية في عام 2014 ، مقرونة بانفاقات عام 2009 مصنفة حسب المجموعات الرئيسة للإنفاق تصنيف السلة الاستهلاكية للرقم القياسي.

وفقا لـ"سينسيريا"، فإن الإنفاق الشهري للمواطن السوري على مجموعة السلع الرئيسة في العام 2009 ، الذي وصل إلى14067 ل.س كان يتوزع بشكل رئيسي على البقول والخضار بمبلغ  2353 ل.س، وعلى اللحوم  2258 ل.س، وعلى الخبز والحبوب 1902 ل.س. أما في العام 2014 ، ونتيجة للتضخم وارتفاع الأسعار، أصبحت المكونات السابقة نفسها تكلف المواطن  53854 ل.س موزعة على البقول الخضار  8370 ل.س اللحوم 7690 ل.س والخبز والحبوب  7049 ل.س.

أما في القطاع غير الغذائي، فقد كان الإنفاق الشهري للأسرة السورية يصل إلى  16748 ل.س موزعة على أهم المكونات التالية: الإيجار  5396 ل.س، والنقل 1917 ل.س، ثم الملابس والأحذية  1720 ل.س، أما إذا حسبنا الإنفاق على قطاع الخدمات والتدفئة كهرباء مياه مازوت فوصل إلى  2431 ل.س. وعلى فرض عدم تغير النمط الإستهلاكي للأسرة، وأردنا المحافظة على المستوى المعيشي للأسرة في عام 2014 ، فإنها تحتاج إلى  46549 ل.س للإنفاق على القطاع غير الغذائي، موزعا على قطاع الإيجار الذي ارتفع بشكل كبير جد ا 11438 ل.س، والألبسة 5901 ل.س والنقل  5321 ل.س  أما الإنفاق على قطاع الخدمات كهرباء مياه مازوت فسيصل إلى  8798 ل.س.

إجراءات إسعافية لتخفيض التضخم

وللتخفيف من ارتفاع معدلات التضخم يجب على الجهات المعنية إتباع الإجراءات الإسعافية والسياسات التالية:

-1 تشديد الرقابة على الأسواق، والحدّ من المضاربة التي تتم في سوق العملات.

-2 تشجيع أصحاب رؤوس الأموال، بمن فيهم المضاربون، لتوجيه اهتمامهم إلى الاستثمار الإنتاجي طويل المدى، الذي يزيد في التنمية ويحفز الطلب، ويعيد ترميم ما تم تخريبه كأولوية ملحة لا تحتمل التأجيل.

-3 تحفيز ودعم كل نشاطات الإنتاج المادي، والعمل على دعم وتأمين عمليات الإنتاج ومساعدة المنتجين.

-4 تخفيف القيود على الصناعات، وإزالة العوائق أمام المنافسة، والحد من سطوة الاحتكارات.

-5 تقديم دعم ائتماني تشغيلي قصير الأجل للمنتجين في المناطق الآمنة.

-6 مساعدة المصدرين في الوصول إلى الأسواق الممكنة عبر اتفاقيات مع الدول الصديقة إيران العراق الصين روسيا.

-7 الاستمرار في التدخل المباشر لمؤسسات التجارة الحكومية في عمليات الاستيراد والتوزيع، وصولا إلى المستهلك النهائي.

-8 إعادة النظر في دور شركات الصرافة في سوق الصرف. والعمل على محاربة مافيات الفساد التي تشكلت بين شركات الصرافة والمتواطئين معها.

-9 إعادة النظر في هيكل أسعار الفائدة على الليرة السورية والدولار الأميركي.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك