الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

باحث: المواطن عزز السوق السوداء بفعل الوهم الاستهلاكي

الاقتصاد اليوم:

ما إن يتفوه أي مسؤول عن تحسن قريب في أي خدمة ما، حتى تجد معظم المواطنين يحذرون من هذا التصريح، فعندما يُذكر أن الكهرباء ستشهد تحسناً قريباً، فإن العديد من المواطنين يقولون: “أكيد لن نعود نرا الكهرباء” وعندما يقال بأن أزمة المازوت ستشهد انفراجاً فإن لسان حال المواطنين ينفي هذا التحسن…وهنا نجد أن جسور الثقة بين المواطن والحكومة اهتزت نوعاً ما، ولكن لا يمكن أن نضع اللوم على الحكومة التي تعمل في ظل ظروف قاهرة وصعبة وربما مفاجئة في كثير من الأحيان، وأيضا لا يمكن أن نلوم المواطن عندما يسمع تصريحا ما من أحد المسؤولين ولا يجد اي تنفيذ له على أرض الواقع فهذا من شأنه أن يفقد الثقة بما يقولوه المسؤول….

في الأزمات المعيشية سواء الكهرباء أو المازوت أو البنزين أو الغاز وغيرها من الأزمات التي يمر بها المواطن حالياً، هناك طرفي معادلة “المواطن والحكومة” فالحكومة تؤكد على أهمية أن يقوم المواطن بأخذ احتياجاته من أي مادة فقط، دون تخزينها، وتدعو إلى الترشيد لتدارك الأزمة، في حين نجد أن المواطن لا يسمع لهذه الإرشادات ويحاول تخزين المواد المأزومة قدر الإمكان بدافع الحرص والحذر من تكرار واستمرار الأزمة لأمد أطول كحال أزمة البنزين فمثلا  دعا وزير النفط مؤخرا، المواطنين إلى تعبئة حاجاتهم فقط من المادة وعدم تخزينها، إلا أن طوابير السيارات على اختلاف اشكالها لاتزال متواجدة أمام محطات الوقود، أي استمرار الأزمة…..كلا الجانبين لا يلام، ولكن هنا نطرح سؤالًا مفاده: ما هو دور المواطن في تكريس الأزمات المعيشية؟.. هل فقد المواطن ثقافة الترشيد؟. أم أنه لم يفقدها ولكن غياب الثقة هي التي دفعت به إلى تغييبها؟.

نحن المسؤولون

الباحث الاقتصادي والمدرس في الجامعات السورية فايز بيضون لفت في تصريحه لـ”سينسيريا”، أن سورية تمر بأزمات متعددة كالمشتقات النفطية و الكهرباء وغيرها اضافة الى ارتفاع الاسعار بشكل لا سابق له به و هذا امر طبيعي في الحروب و الازمات السياسية و الامنية و خاصة في ظل التكالب الدولي و فرض العقوبات الاقتصادية على الاقتصاد السوري، ولكني اؤكد و اصر بان شدة الازمات التي نعيشها اضعاف اضعاف المؤثرات الحربية و السياسية و المؤامرات التي حيكت و تحاك ضد هذا البلد العزيز، متسائلا: ما هي الاسباب التي تجعل الازمة التموينية او المعيشية او الاقتصادية في درك اسوأ بعشرات الاضعاف من حقيقتها الذاتية ؟؟!!

بصراحة نحن المسؤولون عن ذلك ، الشعب المستهلك ولا سباب نفسية ينهج نهج الخائف فيزيد من شدة الازمة دون ان يدري ، و لكن كيف ؟

اذا تراءى للمستهلكين او تنادى الى مسامعهم بان هناك فقدان او احتمال فقدان او نقص في سلعة ما بسبب ما فسرعان ما يلهث كل منا ورا ء تأمين اكبر كمية ممكنة من هذه السلعة مخافة فقدانها او ارتفاع اسعارها.

فمثلا من كان يملأ اسطوانة غاز واحدة كاحتياط منزلي اصبح يملأ كل الاسطوانات الفارغة المتاحة لديه و ربما يشتري اسطوانات فارغة اضافية و يملأها تحسبا من فقدانها، فاذا كان حجم الطلب على هذه السلعة قدرا واحدا يصبح حجم الطلب بفعل الاشاعة او الحقيقة البسيطة ثمانية او عشرة اقدار عما كان عليه سابقا ، وحيث ان العرض لا يستطيع تلبية الطلب المتزايد فينتج عن ذلك خناق في توفر هذه السلعة فاذا كان لها سعرا محددا كالغاز و المازوت والخبز فتكون الفرصة المناسبة لتجار الازمات و لوجود السوق السوداء لهذه السلعة و يسر تجار الازمات تعزيز الازمة وتثبيتها لدى المستهلكين من اجل استمرار ارباحهم غير المشروعة و تناميها ، اما اذا كانت السلعة اسعارها متغيرة كالخضار و الفروج و الالبان وما شابه فهنا يلعب العرض المحدود مع الطلب المتزايد في رفع السعر مع ازدياد الطلب الناجم معظمه عن الاشاعة ، وتستمر السوق السوداء للسلع الضرورية وذات السعر الرسمي المحدد كالبنزين  و يستمر السعر المرتفع بسبب الطلب المتهافت و المتزايد الناجم معظمه عن الاشاعات فيتحدد المنحنى القافي لتلك السلعة بمحور ما وهنا يأتي فئة المهولين الذين يؤلفون القصص و الروايات و يبالغون و يبالغون في الاختناقات السلعية و الحدود السعرية و التجاوزات اللامنطقية ، فتسري هذه الروايات بسرعة سريان النار في الهشيم و يؤيدها اصحاب المصلحة المستفيدون منها و اذا بالمنحنى القافي لتلك السلعة يقفز تلقائيا ليشكل احداثياته البيانية التي لم يسبق له تسطيره

المستهلك ينشط ضد ذاته

وأضاف الباحث بيضون: هكذا فان ازمة ما او اختناق ما او ارتفاع للسعر بشكل لا منطقي يعود في سببه الى الاشاعة و التهويل و تلقف هذه الاقاويل بلهفة و السلوك التسويقي المقابل لها بنسبة لا تقل عن اربع او خمس اضعاف الازمة الحقيقية وهكذا يتبين جليا ان تلقف الاشاعة و نشرها و العمل بسلوكها يزيد من دالة الطلب و يعطي الفرصة لتجار الازمات و ينشط السوق السوداء و يرفع السعر كل ذلك بجهود و نشاط المستهلك ضد ذاته وفقا للعامل النفسي  او للاقتصاد البيسكولوجي حيث يتسابق المستهلكون وكأنهم في مباراة للشراء اي لرفع الاسعار على انفسهم حيث يزداد الميل الحدي للشراء و التخزين مما يؤدي الى زيادة الميل الحدي للاستهلاك و نقصان الميل الحدي للاستثمار و الميل الحدي للادخار.

تسعة حلول

و عن الحل بين الباحث بيضون: الحل لا يمكن ان يكون فرديا و لا بد ان يكون جماعيا تحثه و تحرض عليه وسائل الاعلام و المنظمات الشعبية و النقابات المهنية والجمعيات المعنية و خاصة جمعية حماية المستهلك و يكمن الحل بالتالي:

١- عدم الالتفات وراء الاشاعة و عدم نشرها او تداولها والعمل على فضح مراميها و منشأها ،

٢-عدم التبجح و تأليف الروايات و القصص التي تنال من السلطات المعنية او السلطات الرقابية و عدم المبالغة و التهويل بما هو خارج عن الحدود المتداولة.

٣- ترشيد كمية الشراء بأقل كمية و البحث عن البدائل فكل طلب زائد يعني زيادة في السعر.

٤- عدم التخزين المنزلي المبالغ به و الاكتفاء بأقل كمية ممكنة.

٥- مقاطعة السلع التي تتزايد اسعارها باضطراد مهما كانت ففي مقاطعتها ينخفض سعرها حتما.

٦- الشراء من مؤسسات التدخل الايجابي و الجمعيات الاستهلاكية ما امكن.

٧- تبادل المعلومات الايجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي وعبر الجوار و الاهل و الاصدقاء و الافادة منها.

٨_ تعزيز فكرة الشراء بقدر الحاجة وعدم الانجراف باغراء الباعة لشراء كميات كبيرة.

٩- ليكن معلوما ان التخزين الجائر من اي سلعة ربما يعرضها للتلف او انتهاء فترة الصلاحية وهو حتما على حساب سلع اخرى قد تكون اهم من السلع المخزنة و يحد من القدرة على الاختيار بين البدائل ويحد من القدرة على الادخار.

وختم بيضون حديثه: خلاصة الموضوع لنتخلى عن ضرر انفسنا بانفسنا وهذا ما يحدث حاليا بفعل الوهم الاستهلاكي والامن التخزيني المزعوم .

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك