الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

دراسة توضح عيوب تجربة المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية … الجزء الأول

الاقتصاد اليوم:

يمكن القول: إنَّ الاهتمام بالمشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية قد بدأ مع صدور القانون رقم 71 لعام 2001 الذي نص على تأسيس هيئة مكافحة البطالة، التي عكست نظرة الحكومة إلى المشاريع الصغيرة والمتوسطة كأداة لخلق فرص العمل وحل مشكلة البطالة التي كانت تشير الأرقام الرسمية، إلى بلوغ معدل البطالة الـ9% في الوقت الذي كانت تشير فيه الأرقام غير الرسمية إلى معدل بحدود 15%.

وبحسب تقرير صادر عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد”، فإنه لاحقا ومع تبني الحكومة لمبدأ السوق الاجتماعي وزيادة هامش إسهام القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية، تم إحداث الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات  بموجب المرسوم التشريعي رقم 39 لعام 2006 لتحل محل هيئة مكافحة البطالة، على اعتبار أن دور هذه الأخيرة كان قاصراً عن تقديم رؤية متكاملة لدعم وتنمية ش.ص.م، وبقي ضمن إطار إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل، وتقديم التدريب والتأهيل، اللذين قد يعززا من فرصهم في الحصول على وظيفة أو إقامة مشروع ما.

ورغم أن موضوع تنمية المشروعات، من خلال التخطيط والترويج والتمويل، كان أحد الأهداف الرئيسة للهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات، إلا أن الهيئة المحدثة وقعت في العجز نفسه الذي أصاب الهيئة السابقة، ولم توفق في الانتقال من الإطار الضيق لمفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة القائم على دراسة سوق العمل والاهتمام بقضايا التشغيل والتدريب، إلى الإطار الأوسع الذي يُعنى برسم السياسات وإعداد البرامج الكفيلة بتأمين كافة متطلبات وجود بيئة عمل سليمة وملائمة ومحفزة وداعمة للـ ش.ص.م، وتحديد شروط ومقومات ضمان نجاح هذه الشركات ضمن ظروف عمل اقتصادية معينة كما تم بيانه آنفاً.

عيوب التجربة السورية في المشاريع الصغيرة والمتوسطة

    إن ما يعيب التجربة السورية في هذا المجال، هو غياب بعض أجزاء منظومة الدعم الشامل من جهة، وعدم تكامل أجزاء المنظومة المتوافرة ضمن إطار عام، من جهة أخرى. فعلى سبيل المثال نجد غياباً للاتفاق بشأن تعريف عام وموحد للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ففي حين تتبنى “وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية” تعريفاً قائماً على معيار إجمالي الموجودات، تتبنى الهيئة العامة للتشغيل وتنمية المشروعات تعريفاً، يقوم على معيار رأس المال كما هو مبين في الجدول أدناه. إن اعتماد تعريف موحد يُعَدّ الحجر الأساس لبناء الإطار العام التنظيمي والقانوني لهذه الشركات ورسم سياسة الدعم، وإعداد البرامج الخاصة متضمنة السقوف المالية والإعفاءات والامتيازات وتحديد خطوط التقاطعات مع السياسات الأخرى.
يضاف إلى ذلك ضعف الإطار المؤسساتي والقانوني، وعدم قدرته على تلبية احتياجات تنمية وتطوير هذا القطاع بالشكل الأمثل. إن ضعف المرجعية المؤسساتية القائمة التي تنظم وتشرف على نشاط واحتياجات ش.ص.م يوازي بالأثر عدم وجود مرجعية مؤسساتية، الأمر الذي يشكل حجر عثرة أمام حشد كافة الطاقات والإمكانات وتنسيق كافة الجهود الضرورية واللازمة لدعم هذه الشركات.

ورغم وجود تصور واضح لدى الحكومة حول أهمية دور ش.ص.م، في الاقتصاد الوطني وضرورة العمل على تفعيل المؤسسات الناظمة القائمة، إلا أن الصيغ المطروحة حالياً لا تلبي الطموحات لا سيما فيما يتعلق بتبعية المرجعية المؤسساتية المزمع إنشاؤها، إذ نرى بأن هذه المرجعية في حال أخذت شكل هيئة عامة، يجب أن تتمتع بالقوة والدعم والصلاحيات الكافية، من خلال تبعيتها إلى رئاسة مجلس الوزراء بشكل مباشر، وليس إلى وزارة بعينها، بما يضمن استقلاليتها وتفرغها، وقدرة أكبر على التنسيق مع كافة الجهات من وزارات ومؤسسات (عامة وخاصة، مالية وغير مالية) واتحادات وجمعيات ومنظمات دولية، تكون ش.ص.م أحد مجالات اهتماماتها، وضمن قائمة برامج الدعم المالي والفني (كالمؤسسة الدولية للتمويل التابعة لمجموعة البنك الدولي أو بنك الاستثمار الأوربي، أو صناديق التنمية العربية والاسلامية وغيرها).

في مجال الدعم المالي المقدم للمشاريع الصغيرة والمتوسطة تم الترخيص لمؤسسات مالية، تُعنى بشكل خاص بالتمويل الصغير، ذلك بموجب المرسوم التشريعي رقم 15 لعام 2007، الذي أخضع عمل هذه المؤسسات لإشراف مجلس النقد والتسليف ممثلاً بمديرية مفوضية الحكومة، لدى المصارف في مصرف سورية المركزي.  كما يجري العمل حالياً على استصدار المرسوم الخاص بإحداث مؤسسة ضمان مخاطر القروض.

وفي سبيل تشجيع المصارف والمؤسسات المالية، على تقديم التمويل اللازم للـ ش.ص.م صدر قرار مجلس النقد والتسليف رقم (666) تاريخ 27/5/2010,  الذي قضى بتخفيض متطلبات الاحتياطي الإلزامي النقدي، على جزء الودائع الموجه كتسهيلات ائتمانية لتمويل المشاريع الصناعية والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمشاريع الخضراء والمشاريع السياحية والتمويل المقدم لذوي الاحتياجات الخاصة والتمويل المقدم لمؤسسات التمويل الصغير، إضافة إلى كافة المشاريع الصغيرة والمتوسطة المستفيدة من ضمانة الهيئة العامة للتشغيل.كما تم العمل على استصدار المرسوم التشريعي رقم /88/ لعام 2010 الخاص بالتأجير التمويلي، الذي يساعد على توفير التمويل اللازم للـ ش.ص.م في ظل للصعوبات التي تواجهها هذه الشركات، للحصول على القروض وأهمها الضمانات المطلوبة.

إلى جانب مؤسسات التمويل الصغير، برزت مبادرات عديدة في هذا المجال، أهمها تلك التي تتم من قبل الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة الإدارة المحلية، عن طريق مكاتب التنمية المحلية، التي تهتم بشكل خاص بتقديم دعم مالي للمشاريع متناهية الصغر، على شكل قروض معفاة من الفوائد.

تأتي هذه المبادرات وما تقدمه من برامج دعم مالي لتسد النقص الحاصل في تلبية احتياجات شريحة معينة من الأفراد والشركات، التي تعاني من التهميش المالي، بسبب عدم قدرتها على الوصول إلى مصادر التمويل، أو ما يعرف بالنفاد المالي. يمكن رد هذه الظاهرة إلى الأسباب التالية:

ـ ضعف خبرة المصارف والمؤسسات المالية في مجال تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة وترددها في منح التمويل المطلوب، بسبب ارتفاع مستوى المخاطر المرتبط بهذا النوع من الشركات.

ـ ارتفاع تكلفة الاقتراض مقارنةً مع مستوى دخل الشريحة المستهدفة (ش.ص.م).

ـ عدم قدرة هذه الشريحة على تقديم الضمانات الكافية مقابل الحصول على التمويل المطلوب.

ـ انخفاض سقف الإقراض الممكن منحه لهذه الشريحة، حيث يصل سقف الإقراض الحالي إلى 500 ألف ل.س، الأمر الذي لا يساعد على البدء بمشروع صغير جداً، على مستوى تربية الأبقار على سبيل المثال، نتيجة لارتفاع الأسعار، وتدهور سعر صرف العملة المحلية بشكل كبير.

ـ عدم وجود شبكة كافية من الفروع لدى المؤسسات المالية، تغطي كافة المناطق الجغرافية لاسيما النائية منها.

ـ غياب أو سوء تخصيص الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر، في بعض المناطق أو القطاعات (إعانات، إعفاءات…).

مظلة واحدة لتقديم الدعم المالي لهذه المشاريع

    يرى البعض ضرورة تأسيس بنية تنظيمية مختصة، تضع جميع هذه الجهات من صناديق دعم حكومية ومؤسسات مالية خاصة وجمعيات أهلية ومنظمات غير حكومية، تحت مظلة واحدة على شكل هيئة عامة تتولى تنظيم عملية تقديم الدعم المالي، وفق برامج وشروط وضوابط محددة (نوع النشاط الاقتصادي، المنطقة الجغرافية، مستوى دخل الشريحة المستهدفة، سقف التمويل، وغيرها)، بهدف تنسيق الجهود وعدم تعارض البرامج وتذليل الصعوبات التي تواجه عملية التمويل. إلا أننا نرى بأن تعدد الجهات والبنى التنظيمية قد لا يساعد على تحقيق هدف توحيد الجهود المنشود، وإن إناطة موضوع تنظيم عملية تقديم الدعم المالي بالهيئة المنظمة والراعية نفسها لنشاط ش.ص.م كفرع أو وحدة تابعة، يساعد أكثر على التكامل بين أجزاء منظومة الدعم الشامل، ويحد من الهدر في الوقت والمال، ويقلل من المشاكل البيروقراطية وتشابك العلاقات وتعارض المصالح.

ينطبق الأمر ذاته على موضوع الدعم المعلوماتي. إذ نرى أن تبعية الشركات أو المكاتب المعنية ببناء قاعدة بيانات كبيرة حول ش.ص.م. يجب أن تنحصر ضمن البنية المؤسساتية المسؤولة نفسها، عن تنظيم هذا القطاع للأسباب ذاتها المبينة أعلاه.

سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك