الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الدكتور عابد فضلية: ضوابط ضيقة لقرار كبير

الاقتصاد اليوم:

في الوقت الذي تنادي فيه الحكومة بدعم وزيادة الإنتاج الوطني وتشجيعه وتذليل العوائق أمام سيرورته، نلمس على أرض الواقع أن هناك جهات رسمية تخضع للحكومة تُعيق ما من شأنه تحقيق ذلك، ولو عن غير قصد.

ففي مواجهة الأزمة الحالية، بما في ذلك على الجبهة الاقتصادية ومشكلة انخفاض قيمة الليرة السورية، أوصى الكثير من الحكماء والحاكمين الاقتصاديين والرسميين بدفع عجلة الإنتاج الوطني بزيادة العرض السلعي في السوق، بهدف توفير ما يلزم للمواطن من جهة، ولدعم صمود العملة الوطنية من الجهة الأخرى، انطلاقاً من مبدأ أن إنتاج وحدة واحدة إضافية محلياً من سلعة ما يتم استيرادها كلاً أو جزءاً، ولتكن قيمتها عشرة دولارات، يؤدي إلى تقليل الطلب على عملة الدولار لغاية الاستيراد بمقدار هذه الدولارات العشر، فتتحسن قيمة الليرة السورية بصورة غير مباشرة.

وللدفع بهذا الاتجاه، اتخذ" مجلس الوزراء" منذ بضعة أشهر قراراً يُسمح بموجبه للصناعيين والمنتجين الحرفيين بالحصول على قروض تشغيلية من المصارف العامة، لاستخدامها كرأسمال عامل، يساعدهم في تدوير أو تسريع عجلة الإنتاج في منشآتهم، وطلب القرار من هذه المصارف التنسيق مع إدارة" المصرف المركزي" لوضع الشروط والضوابط والآليات التنفيذية المناسبة لإطلاق هذا النوع من القروض.

وبناءً على ذلك اشتغلت الاجتماعات على قدم وساق بين القائمين على المصارف العامة، وبينهم وبين المخولين من موظفي المصرف المركزي، وكثرت الأفكار وامتزجت وجهات النظر وتعددت المقترحات وتلونت الرؤى وتباينت المواقف واختلفت الطروحات، إلا أن الجميع اتفق بالمحصلة على سقوف وشروط وآليات وضوابط للحصول على هذه القروض، التي -رغم الاتفاق الرسمي عليها- لم يتفق معها أي من الصناعيين، ولم تعجب أحداً من المنتجين، حيث، وبعد مضي عدة أسابيع على إطلاق هذا النوع من القروض بتلك الشروط لم يتقدم أي منهم بأي طلب اقتراض، ليس لأنهم لا يحتاجون إلى قروض، بل لأنهم ليسوا من متسولي المبالغ الضئيلة، ولأنهم حريصون ألا يتورطوا في شروط الحصول عليها.

لا أعلم فيما إذا كانت المصارف العامة قد تلقت بعد تلك الأسابيع أي طلبات للحصول على تلك القروض، ولكن من المعلوم أن السقف الذي تم تحديده لها يتراوح بين مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة، والذي لن يساعد المنشآت الصناعية على تدوير عجلتها أو زيادة إنتاجها -على المدى القصير على الأقل- وخاصةً إذا علمنا أن أحد شروط الحصول على القرض توجب تسديده كاملاً إلى المصرف خلال فترة سنة –فقط- قابلة للتمديد لستة أشهر لمرة واحدة.. من دون الأخذ بالحسبان حقيقة أن مبلغ هذا القرض لا يُغطي سوى أجور خمسة عمال لبضعة أشهر أو إيجار مستودع لأقل من سنة، ولا يشتري سوى بضعة أطنان من الحديد أو الخشب الصناعي أو بضعة أكياس من المواد الأولية أو مواد التغليف.. فأي قرض تشغيلي هذا الذي لا يُشغّل أي صناعي أو منتج.

إن هذا بالمحصلة مثال آخر من حالات العمل الرسمي لبعض الجهات الحكومية التي يُعاني من سلبياتها الاقتصاد السوري. قرار كبير تُصدره الجهات العليا، فتقوم الجهات الأدنى بإفشاله أو تقليل فرص نجاحه، بشروطها وضوابطها الضيقة والمتشددة، ونخص بالذكر بعض هذه الجهات –وتعرفهم الحكومة- الذين كانوا الأكثر تعنتاً في شروط منح القروض، ربما من باب حرصهم الشديد –بنظرهم- على أموال المصارف العامة، وربما –بنظرنا- من باب عدم معرفتهم بأهمية هذه القروض للاقتصاد والمجتمع…، ونختتم بالقول إننا بصدد الحديث عن عمل حكومي غير محوكم..، كما أسلفنا في مقال سابق؟

المصدر: الوطن

أستاذ بكلية الاقتصاد/ جامعة دمشق

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك