الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب علي محمود محمد: المشروعات الصغيرة والمتوسطة عماد نهضة الاقتصاد الوطني

الاقتصاد اليوم ـ خاص:


لم تأت الثورة الصناعية التي شهدتها إنكلترا وفرنسا وألمانيا في القرن الثامن عشر من فراغ، وإنما انطلقت من المشروعات الصناعية الصغيرة التي كانت موجودة آنذاك والتي نشأت أفكارها جراء وجود زيادة في الطلب وتنامي الاحتياجات غير المشبعة، متزامناً مع توفر موارد مادية وبشرية غير مستثمرة تسعى للتوظيف في أغراض انتاجية، وبحسب التقرير الأوروبي السنوي، فأن المشروعات الصغيرة والمتناهية في الصغر تُشكل 98% من مجموع مشاريع الاتحاد الأوروبي, وبالتالي يوجد أكثر من 20 مليون مشروع في الاتحاد الأوروبي يُشغّل أقل من 10 عمال (حسب معايير الاتحاد الأوروبي لهذه المشروعات),

وتساهم هذه المشاريع بتشغيل حوالي 65 مليون عامل من أصل 130 مليون عامل يعملون في مجمل الاقتصاد الأوروبي, أي أن نسبة مساهمتها في التشغيل أكثر من 50%, كما أنها تساهم في خلق قيم مُضافة على مستوى الاقتصاد الأوروبي تُقارب 2.3 تريليون يورو, أي بنسبة تتجاوز 40% من مجمل القيم المضافة للمشاريع الأوروبية.

عموماً لا يوجد تعريف محدد للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فأغلب التعاريف تعتمد في تصنيف هذه المشاريع تبعاً لعدة معايير منها: عدد العمال أو الميزانية الاجمالية للمشروع أو الرقم السنوي للأرباح، وتؤكد الدراسات أن هناك 55 تعريفاً مختلفاً للمشروعات الصغيرة والمتوسطة في 75 دولة في العالم، وجميع هذه التعاريف تبقي مفهوم المشاريع الصغيرة والمتوسطة مرتبطاً بمفهوم الحدّ من الفقر وبالتالي بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعم الأسر والأفراد بجميع الطرق لتحسين أوضاعهم المعيشية.

وفي هذا الصدد، تعتبر المشاريع الصغيرة في أمريكا عندما يكون عدد عمالها أقل من 50 عامل وتعتبر متوسطة عندما يكون عدد عمالها أقل من 500 عامل، أما في الاتحاد الأوروبي فتعتبر صغيرة عندما يكون عدد عمالها أقل من 20 عامل وتعتبر متوسطة عندما يكون عدد عمالها أقل من 250عامل، فيما تعتبر صغيرة أو متوسطة عندما يكون عدد عمالها أقل من 100 عامل في الدول النامية.

وقد ازدادت أهمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مع اتساع مجال العولمة وسياسات الاصلاح الاقتصادي وما يتبعها من تقليص لدور الدولة في الاقتصاد لصالح القطاع الخاص الذي تشكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الجزء الأكبر منه، وعلى الرغم من العولمة وتحرير التجارة الدولية وما تبعه ذلك من اندماجات وتكتلات اقتصادية كبيرة وتناقض ذلك مع فكرة المشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلا أن دول العالم كافة تشدد على اهميتها باعتبارها عامل مساعد ومتمم للمؤسسات الانتاجية الكبرى حيث تقوم بدور المكملة والمغذية للصناعات الكبيرة.

أما الاهمية الاقتصادية فقد أضحت تلعب دور المحرك للنمو الاقتصادي والتنمية المستدامة والاقتصاد القومي في مختلف دول العالم ناميةً كانت أم متقدمة كونها تتلاءم بشكل فعال مع الزيادة السكانية وقلة الاستثمارات المطلوبة فيها وذلك من خلال استغلال الخامات المتاحة مع وفرة اليد العاملة لإنتاج سلع ترتبط بالحياة اليومية للمواطنين وتلبي متطلبات الأسواق المحلية والخارجية، كما أنها  تستوعب حوالي 60_70% من العاملين في القطاع الخاص أي أنها تساهم بشكل فعال في توفير فرص عمل للشباب والحد من مشكلة البطالة (حقيقية، مقنعة) مما يسهم في ترسيخ الاستقرار الاجتماعي خاصة في الدول النامية، وتساهم بنسبة عالية من التصدير (30% في اليابان، 27% في فرنسا، 47% في إيطاليا) ولا تحتاج لرؤوس أموال ضخمة لإنشائها ولا إلى تكنولوجيا متقدمة، إضافةً إلى تمتعها بمرونة أكبر من المشروعات الكبيرة في حال التقلبات الاقتصادية، وبالمحصلة فهي تساهم في زيادة الناتج المحلي لاقتصاد كافة الدول (مصر 54%، 50% ايطاليا، 51% امريكا، 48% سورية) وتساهم في زيادة الايرادات السيادية للدول من خلال مساهمتها في إيرادات الضرائب والاشتراك بالتأمينات الاجتماعية، وتساهم بقدرتها على معالجة الاختلال بين الادخار والاستثمار  ومعالجة الاختلال في ميزان المدفوعات من خلال تصنيع السلع المحلية بدلاً من الاستيراد وتصدير السلع للخارج.

وعلى الرغم من أهمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة كما أسلفنا إلا أنها تعاني من عدة صعوبات وهي:

1_مشكلات الإقراض والتمويل: بعض المشروعات تحتاج للتمويل اللازم على شكل قروض قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل (بمبالغ بسيطة تتلاءم وحجم المشروع) وبشروط ميسرة وبفوائد مخفضة وإعطائها مزايا تفضيلية، وبالتالي فان مشاكل الحصول على التمويل (في حال وجوده) تتمثل بأنه يتطلب تقديم ضمانات كبيرة قد تصل إلى حدود 200% من قيمة المشروع في الوقت الذي لا يستطيع صاحب المشروع الصغير تقديم هكذا ضمانات.

2_ مشكلات التسويق وانخفاض مستوى الانتاجية بسبب استخدام تقنيات بسيطة وعدم قدرتها على استخدام التكنولوجيا المتطورة.

3_ ضرائب الترخيص وضرائب الدخل: إن المشروع الصغير أو المتوسط يحتاج في بداية عمله لتخفيف هذه الشروط عليه كي لا يُرهق من البداية وكي يتشجع على الترخيص ولا يبقى في السوق الموازي حارماً الحكومة من استهدافه تنموياً، والضرائب تسبب مشكلة لكل من المشروع الصغير والمتوسط، وللجهاز الضريبي لعدم توافر البيانات الكافية عن هذه المنشآت.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك