جولة في أسواق الشام: إنها أسوأ الأيام
الاقتصاد اليوم:
هل مررت بأسواق دمشق في الأشهر الثلاثة الأخيرة؟، هنالك ما يستحق النظر، الدمشقيون في الأسواق يقفون على واجهات المحال ويتجاذبون أطراف الحديث مع الباعة، لكن إن كنت تظن أن هذا الحديث يتمحور حول البيع والشراء فأنت بحاجة إلى نظرة أعمق، أو إلى أن تصغي أكثر لما ورد في علم النفس الاجتماعي عن ما يسمى بالسبات النفسي: شخص منفصل عن الواقع ومتبلد المشاعر، لكنه موجود بيننا إنما هو غير قادر على اتخاذ إي ردة فعل مفيدة.. هذا هو حالنا فالناس تتجول في الأسواق لمجرد التجوال، تمشي دونما هداية، تتحادث مع الباعة من باب الأخذ والرد، أو الحديث الذي لا يسمن ولا يغني من جوع.
يبدو أننا بحاجة لنبحث عن سبب اقتصادي مقنع يقف وراء الركود الذي تعيشه أسواق دمشق هذه الأيام. وبعد زيارة لعدة أسواق، وحديث مع الباعة، عثرنا على جملة من التفسيرات المتباينة. هناك من قارن حال الأسواق قبل الأزمة بحالها الآن، ليستنتج أنها الحرب وكفى. آخرون قالوا إن ركود السوق يعود لارتفاع الأسعار، فيما قال البعض إن السبب هو قلة الدخل، ضعف القوة الشرائية..
صلاح السمان، تاجر يملك محل بزورية في سوق مدحت باشا، ولأنه عايَش السوق لأكثر من ثلاثين عاماً، فقد كان على استعداد لإجراء مقارنة شاملة. يقول: منذ ربع قرن كان مبلغ 5 آلاف ليرة يعد رأس مال للتاجر، أما اليوم فهذا المبلغ لا ينفع حتى ليكون أجرة نقل البضائع من المستودع الى السوق.
برغم ارتفاع أسعارها، فقد بقيت بعض السلع الأساسية محط إقبال من الزبائن. ارتفع سعر الكيلو من زعتر العرجاوي، مثلاً، من 1000 إلى 1600 ليرة، ومع ذلك لا يزال من أكثر السلع إقبالاً من قبل المواطن، وكذلك الحال بالنسبة لبعض المحال في أسواق الجزماتيه والميدان التي حافظت على زبائنها بحكم سلعها الأساسية، أما الوضع في أسواق الحميدية والحريقة والعصرونية ومدحت باشا، فَسترى ازدحاما شديداً، لكنه مجرد ازدحام، حيث الكثير من الأشخاص يأتون للفرجة والحصول على متنفس. وقد برر أحد التجار هذا الازدحام “غير المجدي”، بزيادة الكثافة السكانية في دمشق بعد سوء الأحوال الأمنية في عدد من المحافظات.
ماذا يقول أهل الاختصاص؟
يتحدث د. أكرم حوراني، الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، عن سبب تكدس السلع بالأسواق، مبيناً أنَّ الاستهلاك الحالي هو ليس استهلاكاً لـ 19 مليون نسمة، إنما يتناسب مع 5 أو 6 مليون، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار مقارنةً بالأجر الذي يتقاضاه الموظف، ما تسبب بتموضع 80% من السوريين تحت خط الفقر، حسب إحصائيات الأمم المتحدة لعام ٢٠١٨.
وقارن د. حوراني بين سياسة بعض دول العالم التي تقوم بتعويم الأسعار والأجور عند حدوث التضخم، بحيث يرتبط الارتفاع بالسلع والأجور معا، فالأجر سلعة من هذه السلع، وبين الدول العربية كسوريا والعراق واليمن، وغيرها من الدول الأخرى خصوصاً الدول التي تعاني من أزمات فتقوم بتثبيت الأجر على الرغم من ارتفاع الأسعار.
الركود القطاعي الموسمي
أما د. هشام خياط، رئيس جمعية مستشاري الإدارة، فقد رأى خلال حديثه أنه من الخطأ أن نعمم ونقول الأسواق تعيش حالة ركود بتسليط الضوء على زاوية واحدة، فالصواب أن نقيم وضع القطاعات كلها، كما يجب التركيز على أولويات المواطن السوري التي تختلف من شهر لآخر، فمثلاً أولوياته في شهر تشرين أول تختلف عن بقية الأشهر، حيث يركز في هذا الشهر على مادة المازوت وتحضير بعض أنواع المونة كالزيتون، إضافة لاحتياجات الشتاء الطويل، واصفاً اقتصادنا باقتصاد المواسم، وعلينا، بالتالي، أن نفهم ديناميكيات السوق لنحدد الاتجاه الذي يمضي فيه اقتصادنا.
وأضاف د. خياط أن الكثير من التجار يعتمد على أعمال تجارية خارج سوريا، خاصةً في بلدي الجوار، لبنان والعراق، وبما أن الأوضاع فيهما مضطربة هذه الأيام فهذا ينعكس سلباً على الحوالات والتجارة، وبالتالي فقلة السيولة أو انقطاعها يبرر حدوث ركود في عمليات البيع والشراء، ومع ذلك فالسوق مكون من قطاعات مختلفة بعضها موسمي في حالة حركة، مثل تجارة الزيتون النشطة هذه الأيام، بينما تجارة الجوز ركدت لانتهاء موسم المكدوس، وهناك قطاعات ليست موسمية مثل تجارة الأغذية والكماليات، كالهواتف الخلوية وهذه القطاعات بطبيعة الحال لا تعيش ركوداً.
وأوضح د. خياط أن المنهج في الاقتصاد يعتمد على ضخ المال في السوق لتنشيط القطاعات وتحريك عجلة الاقتصاد. وضرب مثالا على هذا بإعطاء الحكومة منحة للموظفين الذين سيقومون حكماً بصرفها لشراء الحاجيات الضرورية مما يفعل السوق، أما عدم ضخ المال فهو أشبه بإغلاق صنبور الماء الرئيسي ما يبرر انقطاع الماء وما يترتب عليه من العطش.
ويذكر د. خياط بالتجربة الليبية في عهد معمر القذافي التي كانت تعتمد على رواتب عالية ومستوى معيشي مرتفع، بشرط عدم إخراج المال من ليبيا حتى من قبل العمال الأجانب، وبالتالي كان هذا ينعكس إيجاباً على حركة الأسواق الليبية.
ويختم مستشهدا بعبارة شائعة: “الفقر في الدول ذات الحوكمة الجيدة يعد مذمة، أما في الدول ذات الحوكمة السيئة فالغنى والثروة مذمة”.
صحيفة الأيام
تعليقات الزوار
|
|