الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

عندما تكون السياسات الليبرالية المشوهة هدفاً..الراحل الدكتور الأبرش: أرثي لحال من سيقود الاقتصادي السوري مستقبلاً

الاقتصاد اليوم:

إلى الآن، لا تزال عبارة قالها لي الأستاذ الدكتور محمد رياض الأبرش قبل عدة سنوات، حاضرة في ذهني كلما سمعت تصريحاً لمسؤول يتحدث فيه عن "معجزات" الحكومة الحالية وإنجازاتها، التي لا يلمس نتائجها على ما يبدو سوى سكان المريخ.

العبارة، التي اخترتها آنذاك "مانشيتاً" لتحقيق صحفي، قال فيها الدكتور، الراحل منذ أيام، حرفياً ما يلي: أرثي لحال من سيقود الاقتصاد السوري مستقبلاً.

فيا ترى هل بعد كل الإجراءات والسياسات"الكارثية"، التي نفذتها الحكومة الحالية بحق الاقتصاد السوري، سيكون هناك مستقبل نتحدث فيه عن إعادة "بناء" هذا الاقتصاد بعيداً عن التنظير وإخفاء الحقائق والفساد؟.

ومن الذي سيكون قادراً على تحمل مسؤولية لملمة نتائج سنوات من "التجريب" و"الاجتهادات الشخصية"؟.

هذه الأسئلة وغيرها تطرح اليوم في ضوء متغيرات كثيرة، أبرزها يمكن تلخيصه فيما يلي:

-استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، والناجم بطبيعة الحال عن السياسات الاقتصادية الليبرالية المشوهة التي تنتجها الحكومة الحالية، فمن غير المنطقي توقع حدوث تعاف حقيقي في اقتصاد اعتاد منذ ما يزيد على أربعة عقود على طاقة رخيصة، وبين ليلة وضحاها يفرض عليه التأقلم مع طاقة ليست بالسعر العالمي فقط، وإنما بسعر الفساد والسوق السوداء المدارة من قبل شخصيات وجهات لم يجرؤ أحد على محاسبتها، ووقف استنزافها للدولة وللموارد والإمكانيات المتبقية بعد خمس سنوات من مواجهة التخريب والتدمير.

كما يصعب تصديق حديث الحكومة عن دعم الصناعة وزيادة الإنتاج المحلي، ومئات المنشآت الصناعية تسرق في وضح النهار بالمدينة الصناعية بحلب وغيرها، فيما آلاف المنشآت الصناعية تؤسس وتشاد لسوريين في دول الجوار بالوقت نفسه.

-الهدر والفساد اللذان ينهشان في جسد الدولة وإمكانياتها ومواردها دون أي جدية وعدالة في المحاسبة، وما يثير السخرية هنا أن الحكومة لاتزال ترفض الاعتراف بأن الفساد تحول إلى ظاهرة رغم كل ما حدث ويحدث في ظل هذه الأزمة، ففي ردها مثلاً على الرؤية التي تقدم بها اتحاد العمال قبل أشهر،ترى حكومتنا الموقرة أنه " لا يمكن تعميم وإطلاق مصطلح حالات الفساد والاستغلال، وإنما يجب تحديد هذه الحالات وأنواعها وأسبابها والحلول لمعالجتها"..!!.

ورغم أن رئيس الحكومة يحاول بين الفينة والأخرى امتصاص النقمة الشعبية لتقصير حكومته في مواجهة الفساد، فيتحدث عن تحقيقات تجري مع مسؤولين من الصف الأول، لكن تمر الأيام والأسابيع والأشهر دون أن نسمع عن إقالة أي مسؤول من الصف الأول أو إحالته علانية إلى القضاء..فهل كل هذه التحقيقات المشار إليها حسمت لصالح المسؤولين؟ أم أنها أدخلت في نفق الاستفادة من عامل الزمن حتى يتم إغلاقها لاحقاً دون "شوشرة"؟.

وللعلم، فالفساد لا يتعلق بالصفقات التي تتم على حساب الوطن والمواطن، ولا بالهدر الذي يحصل للمال العام، وإنما أسوأ أنواع الفساد المسكوت عنه يتمثل في التخريب الإداري الممنهج لبعض مؤسسات الدولة بمختلف اختصاصاتها ومهامها، سواء بالتعينات الخاطئة، أو بتعويم شخصيات لا تملك سوى تاريخ أسود من الفشل والنفاق، أو السكوت عن تفريغ مؤسسات الدولة من كفاءاتها وخبراتها...الخ.

-توسع ظاهرة الاقتصاديات غير المشروعة التي تنمو على حساب الاقتصاد الوطني وتهدد بنيته وموارده، ومثال ذلك الأنشطة الاقتصادية القائمة والمرتبطة بممارسة العنف والحرب، إلى الانفلاش الاقتصادي الحاصل في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة، فازدهار القطاع الاقتصادي غير المنظم أو الخفي.

ومكمن الخطورة في هذه الاقتصاديات لا يتعلق فقط بالأموال الهائلة التي تستثمر في الأنشطة غير المشروعة ويجري تهريبها للخارج بانتظام، وبالتالي حرمان القطاعات الاقتصادية الوطنية منها، وإنما الخطورة تتمثل أيضاً في الشرائح والفئات التي تعتاش على هذه الأنشطة، والمشكلة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي ستشكلها في المستقبل.

والملاحظ أن الحكومة الحالية تقف عاجزة عن مواجهة ظاهرة الاقتصاديات غير المشروعة، لا بل إن بعض سياساتها توفر دعماً غير مباشر لاستمرارية هذه الاقتصاديات ونموها، كسياسة الحكومة القاصرة في معالجتها لملف دعم المشتقات النفطية وتأمينها للمواطنين بشكل عادل ومناسب.

-خسارة البلاد للكفاءات والخبرات الوطنية على مدار سنوات الحرب بفعل أسباب كثيرة، دون أن تبادر الحكومة إلى القيام بخطوات تخفف من حجم ظاهرة هجرة الكفاءات والخبرات من ناحية، وترمم النقص الحاصل في مؤسسات الدولة والمجتمع بكوادر جديدة قادرة على النهوض بمؤسسات الدولة والمجتمع مستقبلاً.

وفي هذا السياق،فقد نشرت مؤخراً شبكة إعلامية ألمانية تقريراً عن الجانب الايجابي للهجرة بالنسبة للمجتمع الألماني، وكان من ضمن ما نشرته أنه منذ بداية الأزمة في سورية وحتى تاريخ نشر المادة في الشهر الماضي توجه إلى ألمانيا لوحدها أكثر من 5 آلاف طبيب ومثلهم من المهندسين، ووفق تقديرات المختصين في التقرير المنشور فإن سورية تكلفت على إعداد وتأهيل هؤلاء نحو 8 مليارات دولار، أي نحو 800 ألف دولار لكل شخص، بينما لم تتجاوز الأموال المخصصة لاستقبال جميع اللاجئين في ألمانيا 6 مليارات دولار...وعليه علينا أن نتخيل حجم الخسارة في رأس المال البشري التي تتكبدها سورية يومياً نتيجة الإرهاب، فضلاً عن عدم مبالاة الحكومة الحالية!.

بعد كل ذلك، أليس منطقياً أن نردد عبارة الدكتور الأبرش رحمه الله، ونقول: نرثي لحال من سيقود الاقتصاد السوري غداً...وليس مستقبلاً.

هامش: سورية أكبر من الجميع...ومن حقنا أن نكتب من أجلها.

زياد غصن

موقع "سيرياستيبس"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك