الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

العقوبات الاقتصادية وتأثيرها على العلاقات الدولية

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

 بقلم محمد الرويم


في السادس عشر من شهر أيار من العام الجاري وقع الرئيس الامريكي ترامب على أمر رئاسي منع بموجبه الشركات الأمريكية من استخدام معدات وأنظمة الاتصالات الهاتفية الأجنبية التي وصفت بأنها تمثل تهديدا للأمن الأمريكي مستهدفا شركة هواوي المتخصصة في صناعة الاتصالات .

فما هي تأثيرات مثل هذه السياسة على العلاقات الاقتصادية الدولية من ناحية وعلى الاقتصاد الامريكي ذاته من ناحية اخرى وعلى الاقتصاد الصيني خصوصاً إذا علمنا أن معظم القطع الالكترونية المستخدمة في تجميع اجهزة هواوي هي مصنوعة من قبل شركات امريكية ويابانية وكورية .فهل تعاقب الولايات المتحدة نفسها وحلفائها من خلال استمرارها بهذه السياسة المنفردة .

في تقرير لمجلة “فورين بوليسي” الامريكية التي تعتبر أحد أهم موجهات صناعة القرار في الولايات المتحدة سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي نشر في شهر أيار من العام /2016/ جاء ما يلي : من روسيا إلى إفريقيا والشرق الاوسط وكوريا الشمالية، اعتمدت الادارة الامريكية اسلوب العقوبات الاقتصادية سلاحا أساسياً ضد أعدائها، ولكن  يبدو أن هذه السياسة أتت بنتائج عكسية طالت حلفاء واشنطن أنفسهم، ما دفعها إلى التساؤل عما إذا كانت قد بالغت باتباع تلك السياسة إلى أن أضحت سخيفة وغير ذات جدوى .

حيث شهد العالم خلال العقدين الاخيرين من القرن العشرين تصعيدا كبيرا في استخدام اسلوب العقوبات والحصار الاقتصادي في الصراعات بين الدول كواحد من اساليب فرض الارادة على الدول المستهدفة  لإضعافها وإرغامها على الرضوخ لإرادة المجتمع الدولي أو لإرادة دول كبرى مهيمنه  ، و تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية في صدارة الدول ألتي تقوم بممارسة هذا الاسلوب بشكل إنفرادي أو عبر مؤسسات ذات طبيعة دولية مما جعل سياسة الحصار والعقوبات الاقتصادية ضد دول ومنظمات وشخصيات وفعاليات اقتصادية متنوعة يعطي طابعاً جديداً للعلاقات الدولية يتسم بطابع القتل البطيء أو ما يسمى بالقوة الناعمة حيث يقدر خبراء دوليون أن  ما يزيد على نسبة 95 في المئة من اجراءات العقوبات الاقتصادية على الصعيد الدولي ذات مصدر أمريكي.

ظهور قوى منافسة اقتصاديا وعسكريا للهيمنة الأمريكية بعد فترة تفرد واشنطن بمركز القوة الأولى عالميا أخذ يحد تدريجيا وبشكل مطرد من قدرات واشنطن على استخدام سوط العقاب على الدول الاخرى، بالإضافة إلى الصعوبات والازمات المتكررة ألتي أخذ يعاني منها النظام الرأسمالي المتعلقة بتكاليف الانتاج والبطالة والازمات المالية وتنافسية الصناعة وتألق تيار دولة الرفاه الاجتماعي حدى بالكثير من الساسة وخبراء الاقتصاد إلى التنبيه إلى حدود منطقية لا يمكن أن يتخطاها الممسكون بسوط العقوبات لأنه بعد ذلك ستكون له تأثيرات كارثية على الولايات المتحدة نفسها والدول ألتي تدور في فلكها حيث أكدت دراسة أجرتها شركة Trade Partnership Worldwide، شركة متخصصة بالاستشارات الاقتصادية، إلى أن الأسرة الأمريكية العادية قد تتحمل مصاريف اضافية تبلغ 2300 دولارا سنويا نتيجة التعريفات التي فرضتها ادارة ترامب على وارداتها من الصين .

عموماً، العقوبات الاقتصادية ليست دائماً مضمونة النتائج فتكون أمرا مجديا إذا فرضت من قبل أطراف متعددة، وأن تكون مفروضة على بلاد ضعيفة من الناحية الاقتصادية، كي تتأثر وتخضع لأهداف الجهة التي فرضت عليها العقوبة. وتكون أمرا غير مجد إذا كانت العقوبة من قبل أطراف أُحادية أو ثنائية، لأنها بهذه الطريقة لن تؤثر كثيرا على اقتصاد البلد المفروض عليه العقوبة ولن تؤتي ثمارها، وتكون قدرتها على تحقيق الأهداف ضئيلة.

وفي الفترة بين إنشاء الأمم المتحدة وانتهاء الحرب الباردة تم اللجوء إلى هذا السلاح مرتين بمقتضى قرار أممي في حالتي روديسيا 1966 وجنوب إفريقيا 1977، لكن هذا السلاح أشهر كثيرا بعد عام 1990 في وجه العراق ويوغوسلافيا السابقة، وكذلك هايتي والصومال وليبيا وليبيريا وأنغولا ورواندا والسودان وإيران. وعمدت واشنطن وبعض حليفاتها إلى فرض عقوبات أحادية أشد وطأة على عدد واسع من الدول من دون قرار أممي.

وتتنوع العقوبات المفروضة ما بين الحصار الاقتصادي الشامل، وتجميد الأرصدة في الخارج للحكومات أو الأشخاص، ومنع الشركات الأجنبية من الاستثمار في بعض الدول، وتصل إلى فرض حظر على التحويلات المصرفية والحد من استيراد المعدات الطبية والتقنية، وحتى بعض البضائع المصنفة بأنها ذات طبيعة خاصة .

وتسببت هذه العقوبات في كوارث إنسانية كما حصل في العراق بعد 1990، فقد قضى ملايين الأطفال والنساء والشيوخ بسبب الحصار نتيجة انعدام الأدوية، وعدم توفر المياه الصالحة للشرب، وارتفاع أسعار المواد الغذائية أو شحها في الأسواق .

ويتضح من التجارب أن العقوبات الاقتصادية سلاح ذو حدين، فالحكومات المحاصرة يمكن أن تبتكر أساليب لتعويض النقص من أسواق أخرى، أو زيادة الاعتماد على المنتج المحلي، كما يمكن إيجاد خطوط ائتمانية من بعض الحلفاء لضخ الاستثمارات، ويقدر الخبراء نسبة نجاح العقوبات في بلوغ أهدافها المعلنة لا يتجاوز خمسة في المئة، وعلى العكس استطاعت بعض الدول تنمية مواردها الداخلية الاقتصادية،

  ومثلما تخسر الدولة بسبب حصارها الاقتصادي وعدم قدرتها على الحراك على المستويين الإقليمي والدولي، فإن الدول التي تفرض عقوبات أو الجهة التي تفرضها تتعرض لخسائر كبيرة أيضاً، مثلما خسرت أوروبا حوالي 60 مليار دولار من بداية عام 2014 وحتى عام 2015 جراء فرضها عقوبات على روسيا، ومثلما خسرت العديد من الشركات الأمريكية بسبب سياسات فرض العقوبات الاقتصادية على العديد من البلدان.

و أخيراً لم تكن العقوبات في يوم من الايام إلا أسلوب للهيمنة ضد مصلحة الشعوب وتهدف سواء تلك التي فرضتها واشنطن منفردة أم بالاشتراك مع الدول الغربية الاخرى أو التي فرضت برغبة أمريكية من خلال مجلس الأمن، إلى منع أي دولة في العالم وبجميع الوسائل بما فيها القوة الغاشمة من امتلاك القوة اللازمة لحماية نفسها من العدوان وكذلك تهدف إلى حماية الكيان الإسرائيلي وإبقائه متفوقا لكي يواصل احتلاله وعدوانه، كما ترمي إلى استنزاف ونهب الخيرات الاقتصادية للدول المعاقبة، وإبقاء الدول الحليفة لواشنطن تحت سيطرتها وجرها باستمرار لتأييد المواقف الأمريكية، و تهدف إلى السيطرة على منابع النفط ومصادر الطاقة الأخرى واستخدامه كوسيلة ابتزاز ضد الدول المنافسة لها.‏‏

الاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك