برعاية حكومة الحلقي: التضخم يأكل إيرادات الدولة!
الاقتصاد اليوم:
"الأزمة" المالية التي تواجهها سورية مع الحكومة الحالية، ليست متعلقة فقط بتداعيات التراجع المخيف في إيرادات الخزينة العامة للدولة، وإنما بانهيار القوة الشرائية للإيرادات المحصلة فعلاً، سواء عبر الرسوم والضرائب المفروضة، أو عبر مؤسسات القطاع الاقتصادي.
وهذا معناه أنه مقابل تراجع القوة الشرائية لإيرادات الخزينة العامة، وارتفاع كتلة نفقاتها رغم محدودية مشاريعها الاستثمارية، فإن عجز الموازنة سيزداد أكثر فأكثر...فما هي الأسباب المسؤولة عن تراجع القوة الشرائية لإيرادات الدولة؟ ومن المسؤول الفعلي عن حدوث ذلك؟.
في الإجابة على السؤال الأول، يمكن القول إن هناك عدة عوامل اجتمعت مع بعضها البعض لتحقق ذلك، ففي الوقت الذي كان فيه سعر صرف الليرة يتراجع مقابل الدولار بصورة "مذهلة" ويترك تأثيراته السلبية على القوة الشرائية لجميع مصادر إيرادات الدولة، كانت السياسة المالية والضريبية على حالها من الضعف وعدم العدالة والفعالية، تقوم على تحصيل أكبر قدر ممكن من الإيرادات المتأتية من الرسوم والضرائب غير المباشرة، وإهمال أو التغاضي عن محدودية الإيرادات المتأتية من الضرائب المباشرة، خاصة تلك المفترض تطبيقها على الأغنياء ورجال الأعمال وأصحاب القدرات التكليفية العالية.
ومساوئ هذه السياسة في الوقت الراهن تكمن في أن الرسوم الثابتة والضرائب المقطوعة، تفقد قوتها الشرائية مع انخفاض سعر الصرف، بينما كان يمكن للخزينة العامة أن تضمن في حالة تطبيق سياسة ضريبية عادلة، وتحديداً لجهة توسيع العمل بضريبة الأرباح الحقيقية، الحصول على زيادة في الإيرادات تعكس زيادة الأرباح الحقيقية، التي يحققها أصحاب الأعمال في هذه المرحلة، أو لنقل معظمهم.
والأسوأ أن الحكومة الحالية، وعوضاً عن الاتجاه إلى تطبيق مشدد للضرائب المباشرة وزيادة حجم الإنتاج المحلي فعلياً، كانت تعالج مسألة تراجع القوة الشرائية لإيراداتها من خلال زيادة قيمة الرسوم والضرائب غير المباشرة، ورفع أسعار السلع والمواد المدعومة، لكن مع زيادة معدلات التضخم بشكل كبير، كانت هذه الزيادة تتآكل سريعاً، وهذا ما كان قد حذر منه الأستاذ الدكتور الياس نجمة عند إقرار الحكومة لمشروع موازنة العام الحالي، متسائلاً "كيف تتقدم الحكومة بموازنة تضخمية بهذا المستوى، في الوقت الذي يعصف فيها التضخم بكل جوانب الاقتصاد الوطني؟! وهل هي مدركة آثار هذه السياسات غير المتبصرة على الفئات الاجتماعية الضعيفة اقتصادياً؟، وهل تعلم الحكومة أن التضخم يأكل موارد الدولة أكثر مما يأكل موارد الأفراد كون جميع مواردها نقدية؟. وأن القوة الشرائية لموازنتها القادمة، ستتناقص وتتآكل تدريجياً إلى أكثر من النصف خلال فترة إنفاقها فقط، أي في العام 2016 بسبب التضخم القائم وماستحدثه هذه الموازنة بالذات من تضخم إضافي، هل نحن بحاجة إلى علماءاقتصاد لتفسير مايجري؟".
وتأكيداً على ذلك، فإن التقديرات الأولية الخاصة تشير إلى أن إيرادات الدولة هذا العام ستتراوح ما بين 500-550 مليار ليرة، أي أن العجز في الموازنة سيكون بحدود 1500 مليار ليرة، هذا إذا ما التزمت الحكومة بإنفاق الاعتمادات المخصصة فقط، ولم تضطر إلى زيادتها في حال رغبتها الالتزام بتنفيذ جميع المشاريع المعلن عنها في الموازنة بشقيها الجاري والاستثماري، نتيجة ارتفاعالتكاليف بشكل كبير خلال الأشهر الأولى من العام الحالي.
فمن المسؤول؟.
تقع المسؤولية على عاتق الحكومة مجتمعة التي أعدت وأقرت موازنة تضخمية، وعملت على تطبيقها رغم كل النصائح والتحذيرات التي أطلقت منذ شهر تشرين الثاني الماضي، ثم تأتي مسؤولية من مستوى آخر، ويتحملها أعضاء الفريق الاقتصادي، وهي تتعلق بجوانب الفشل، التي ميزت عمل هذا الفريق طيلة الفترة الماضية، من قبيل:
-الفشل في ضبط سعر صرف الليرة وتحقيق استقراره، وليس أدل على ذلك من الانخفاض السريع لسعر صرف الليرة، والذي تجاوز في الأيام السابقة عتبة الـ600 ليرة للدولار في السوق السوداء.
-الفشل في معالجة مشكلة التضخم ومحاصرة آثارها المدمرة لموارد الدولة والأفراد.
-الفشل في استعادة جزء من الطاقات الإنتاجية المحلية المتوقفة بفعل الحرب، سواء لدى المنشآت الإنتاجية التابعة للدولة، أو تلك المملوكة من قبل القطاع الخاص.
-الفشل في خفض تكاليف الإنتاج والنقل، والتي تنقسم لقسمين، تكاليف ناجمة عن تقلبات وتذبذبات سعر الصرف ورفع أسعار الطاقة وغيرها، وتكاليف ظهرت مع الحرب وهي عبارة عن آتاوات وخوات تفرض لأمراء الحرب وتجارها وفاسدي الدولة والمجتمع.
-الفشل في مواجهة الفساد، الذي أصبح برأي الكثيرين خارجاً عن السيطرة ويهدد الدولة والمجتمع معاً.
-الفشل في اعتماد سياسات مالية وضريبية تتلاءم والظروف الاقتصادية المستجدة بفعل الحرب، والإبقاء على سياسيات لا تحقق العدالة بين المكلفين، وتأخذ من الفقراء أكثر مما تأخذه من الأغنياء.
وللأسف، فإن ما عملت عليه الحكومة الحالية، وفريقها الاقتصادي دون استثناء، من سياسات وإجراءات تحمل كثير من إشارات الاستفهام، قد يصعب إصلاحه على المدى القادم، إلا إذا وفقت سورية بحكومة من الكفاءات والخبرات الوطنية المشهود لها بالنزاهة والتمييز والعطاء، ومنحت الصلاحيات اللازمة والاستثنائية، وبذلك يمكن مواجهة الخراب الحاصل حالياً ...لكن الأمر يحتاج إلى وقت، قد يكون طويلاً نوعاً ما.
زياد غصن
المصدر: سيرياستيبس
تعليقات الزوار
|
|