خمسة مؤشرات تؤكد أنها: ليست حكومة حرب!
الاقتصاد اليوم:
تصر حكومة الدكتور وائل الحلقي، على إطلاق تسمية، حكومة الحرب عليها، واقتصاد الحرب الذي تديره. ظهر ذلك جلياً، في نقاشات المجلس العام لاتحاد نقابات العمال مؤخراً، التي طالبت بتشكيل حكومة حرب، وفي لقاء الحلقي مع الإعلاميين الأسبوع الجاري، أصر على أن حكومته هي حكومة حرب. إذ ثمة رغبة واضحة لترسيخ هذه التسمية، وتشدّد كبير لقياس مجمل النشاطات الحكومية بناء على هذا المعطى. ويبرز التساؤل: لماذا هذا الإصرار؟ وهل فعلاً هذه الحكومة هي حكومة حرب؟
عقب ما يزيد على عام من تاريخ تشكيلها، من غير المناسب للحكومة الخوض في تسمية نفسها، وتصنيف ذاتها، فلا يهم المواطن الآن هذه الأوصاف، لسبب بسيط جداً يتعلق بالفشل الحكومي الذريع في معظم الملفات الكبيرة والضخمة، وعدم القدرة على تغيير واقع الناس إلى الأفضل، ولا على تحسين مستواهم المعيشي، أو التخفيف من معاناتهم الشديدة والمتفاقمة. بل إن معظم الإجراءات التي تتخذها الحكومة لا تمتّ بصلة إلى مفهوم حكومة الحرب، ولدينا الكثير من المؤشرات التي تعكس ابتعاد الحكومة عن الدور المنوط بها كحكومة حرب.
حتماً، لحكومة الحرب أهداف مختلفة عن كل أهداف الحكومات الأخرى، و ترسم لنفسها في بيانها الوزاري طريقاً ستسير عليه، وتحدد عدداً من النقاط التي ستنفذها. ولاندري ما إن كانت الحكومة المصرة على شراء السيارات، والتدقيق في استهلاكها للوقود، هي حكومة حرب بامتياز؟ أو أنها في نشاطات بعض الوزراء وسلوكياتهم، تعكس مدى انغماسها في حالة اللاحرب. وعلى سبيل المثال لا الحصر، يتناقض مع مفهوم حكومة الحرب، كل ما تتحدث به الحكومة عن تنشيط السياحة، والخطط والبرامج المتعلقة بهذا المجال، وتفضح أرقام الإشغال الفندقي التي تصل إلى مستويات مرتفعة، لاسيما في دمشق، حكومة تزعم أنها للحرب، لأن هذا الإشغال يعود أساساً للمهجرين.
لا سياحة في ظل الحرب، هذه قاعدة اقتصادية لايمكن الخروج من عباءتها، خاصةً أن الحرب التي نتحدث عنها، تشمل كل الأراضي السورية، وفيها من القساوة والجور والظلم بحق الأبرياء، ما يجعلها حرباً هائلة، ودامية، وفصولها كجراحها غائرة ومؤلمة. هذا المشهد لا يتوافق مع السياحة، ولايمكن أن نتحدث عن حرب شعواء، وسياحة نشطة، هذا الفارق الجوهري يُفقد المصداقية، ويُغيّب الشفافية. أيُّ سائح يستجمّ تحت النيران والقذائف؟ قد يكون تعطّل السياحة أبرز سمات الحرب، بينما وزارة السياحة تحاول تنظيم النشاطات التي تعبر عن السياحة في زمن السلم، ولا لإثبات أن الحياة طبيعية في بعض المناطق. ولنكن صريحين، ماذا تقصد الحكومة بالحياة الطبيعية؟ هل تعافي منطقة ما، بعد الدمار والنهب والسلب والتخريب، هو عودة للحياة الطبيعية؟ قطعاً لا، فالعودة للحياة الطبيعية أمر أقرب ما يكون إلى انتهاء مرحلة وبدء مرحلة جديدة مختلفة، وهذا لا ينطبق على الحالة السورية الراهنة.
المؤشر الآخر هو الزراعة، لا نعتقد أن الخطط والبرامج الزراعية حالياً اختلفت عن سابقاتها، إذ كما يبدو لم تؤثر هذه الحرب الطاحنة، في اتجاه وضع الخطط وجوهرها، والمساحات المزروعة، ونوع المحاصيل. لايمكن أن تكون الخطة الزراعية لزمن السلم، كما هي في زمن الحرب، هذه مأثرة لا يمكن أن نجدها سوى لدى حكومتنا المصرة على أنها حكومة حرب، في التسمية، بينما ثبت عجزها عن تأمين مستلزمات الإنتاج. في القطاع الزراعي، تبدو هشاشة الموقف الحكومي واضحة، رغم أن الزراعة هي أحد أبرز القطاعات التي ساهمت في صمود سورية، ووقوفها في وجه الحرب الدامية التي تشهدها. وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على الصناعة، التي دُمرّت فيها المنشآت، وسُرقت الآلات، فلم يكن لدى الحكومة الخطط المُحكمة لحماية هذه المنشآت والمعامل، وتركتها عرضة للتخريب، كما في معمل بيرة بردى، وتاميكو، وعدد كبير من منشآت القطاع الخاص المبعثرة في الجغرافيا السورية. يضاف إلى هذه المؤشرات، ما يتعلق بسلوكيات عدد من المسؤولين، وممارساتهم غير اللائقة التي لا تحترم المحنة التي تعصف بحيات الشعب السوري، فضلاً عن قراراتهم وتوجهاتهم التي قد تصلح لأي زمن آخر، إلا زمن الحرب.
حكومة الحرب لا تعني أن ترتدي الحكومة البدلة العسكرية، وتطلق التصريحات الداعمة للجيش. حكومة الحرب هي في الإجراءات التي تضمن مستوى معيشياً لائقاً لشعبها، وحدّاً معيناً من توفير الخدمات، لاسيما الكهرباء والمياه، وبرامج تحقق العدالة في إيصال هذه الخدمات. أما حكومتنا فتتمسك بأنها حكومة حرب، لتبرر تقصيرها عن تأدية واجبها، وعجزها عن تقديم المطلوب منها، وفشلها في رسم طريق يناسب الحرب واقتصاده. إن حكومة الحرب لا تُغرق نفسها في تفاصيل البيروقراطية، ومحاسبة صغار العاملين، والاحتفاظ بمديرين مزمنين في إدارات معينة، وترك حبل المحاسبة على غاربه. كما أن حكومة الحرب لا تفكر مطلقاً، بزيادة سعر الخبز، وتقول إنه مطلب شعبي. هذه الحكومة تشبه أي حكومة أخرى، ماعدا حكومة الحرب، إنها أقرب ما تكون إلى حكومة التكنوقراط في عملها وخططها، وما ينفذه وزراؤها.
ثامر قرقوط
المصدر: جريدة النور المحلية
تعليقات الزوار
|
|