الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

ضرائب وزير المالية تقتنص اللقمة من الأفواه الجائعة

الاقتصاد اليوم:

تشكل الحالة التي يمثلها وزير المالية إسماعيل إسماعيل امتداداً لنهج ضريبي حكومي سابق أسسه الوزير الأسبق محمد الحسين، بزيادة الضرائب والرسوم على ذوي الدخل المحدود، ومنح الإعفاءات والتسهيلات لكبار المكلفين، وأصحاب المشروعات الضخمة على اختلاف تصنيفاتها. ويثير شجون المواطن، أن تُمنح الإعفاءات الجمركية لكل المستوردين ـ وهم قلة بالنهاية ـ والإعفاءات الضريبية لكبار المكلفين، ويجري التغاضي عن المتهربين.

 لم يخبرنا وزير المالية، عن المبلغ الذي جمعته الهيئة العامة للضرائب والرسوم حتى الآن؟ ولا نذيع سراً بالقول إن التقديرات التي وضعت في موازنة العام الجاري، تصل إلى 172 مليار ليرة ضرائب، وهي تشكل زيادة 5% عن تحصيلات 2014 , إلا أن التساؤل الذي يحمل في طياته الإجابة المريرة هو، هل سيحّصل وزير المالية هذه المبالغ من رقاب ذوي الدخل المحدود؟

بلا شك، تحاول كل الحكومات زيادة تحصيلاتها الضريبية، وتسلك طرقاً مختلفة تحقق أهدافها الممكنة، مادامت الضرائب في النهاية تصب في مصلحة المواطنين، وتنعكس على شكل خدمات مختلفة. إلا أن تداعيات الحرب التي أدت إلى حالة من الشلل الاقتصادي، فضلاً عن التدمير الممنهج للمنشآت المنتجة، وخروج معامل كثيرة من العملية الإنتاجية، انعكس سلبياً على حجم الواردات الضريبية، وما يصل إلى خزينة الدولة من ضرائب ورسوم. إلا أن وزير المالية  سعى جاهداً لتأمين جزء من الواردات المحتملة لخزينة الدولة، من منطلق مهامه الحكومية، لكن الأساليب التي اتبعها استثنت المتهربين من دفع الضرائب، وركزت على ذوي الدخل المحدود. إذ يحاول وزير المالية الآن استرداد الزيادة التي منحت للعاملين في الدولة، ووضع كل الترتيبات لاقتناص البسمة الضعيفة التي ارتسمت على شفاه 2,5 مليون عامل بزيادة الـ2500ليرة على الراتب الشهري المقطوع، وامتصاص الخطوة الجريئة المتمثلة برفع الحد الأدنى المعفى من الضرائب إلى 15 ألف ليرة، وذلك برفعه الضريبة على كل دفعة مقطوعة يتقاضاها الموظفون والعاملون في الدولة لتصبح 10% بدلاً من 5%. فيما الزيادة التي أعلنها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك على سعر أسطوانة الغاز، وليتر المازوت، وربما زيادات قادمة متوقعة على سلع أساسية أخرى، جاءت كالصاعقة على الناس.

قبيل فترة من الزمن، ورغم الارتفاع الكبير في الأسعار، والضائقة المعيشية الخانقة التي يعاني منها المواطن، فرض وزير المالية رسم إنفاق استهلاكي جديداً بنسب مرتفعة عن الرسوم السابقة، وذلك في مسعى لزيادة الموارد التي تغذي خزينة الدولة. وشكّل هذا الإجراء موقفاً غير شعبي للحكومة، ووجهت لها انتقادات لاذعة. ولم ترفض الأحزاب والقوى السياسية هذا القرار، فهي مشغولة بقضايا أخرى تتعلق بالحرب الجائرة في سورية، ولم تعر انتباهاً لمخاطر هذا الإجراء، في موقف مثير للتساؤل؟ أما منظمات المجتمع المدني، فكان لها موقف مغاير رافض لمثل هذه الإجراءات، لكن عدم فاعليتها، وغياب الآذان المصغية لمطالبها، وضعف تأثيرها على صناع القرار الاقتصادي، لم يعط نتائج إيجابية تذكر سوى تسجيل الموقف. كما أنه عند مناقشة تطبيق قرار رسم الإنفاق الاستهلاكي الجديد، طرحت فكرة ضرورة دعم هذا التوجه، مادام المواطن هو الذي سيسدد الفاتورة. هذه مواقف تعبر عن رغبة وزير المال في زيادة موارد خزينة الدولة، أيا كانت الأساليب، وتجاهل المتضررين، والتغافل عن آلامهم الكبيرة التي تزيدها هذه الإجراءات.

في تصريح لوزير المال في أيلول 2015 في مجلس الشعب، بيّن أن الحصيلة الضريبية خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الماضي وصلت إلى 14 مليار ليرة. وتعبر هذه الحصيلة عن حجم التهرب الضريبي السائد، ومدى تأزم الوضع الاقتصادي. لكن من غير المعقول الرهان على ضرائب القطاع الخاص في زمن الحرب، ومن غير الممكن أن يلتزم أرباب العمل بتسديد الضرائب في وقت تئن المنشآت والمعامل من ضعف الإنتاج، والتجارة تعاني من أسوأ مراحل ممارستها نظراً لارتفاع حجم المخاطرة.

 القطاع الخاص في سورية، وفي أفضل حالاته ـ أي قبل الأزمة الراهنة ـ كانت نسبة مساهمته العالية في الناتج المحلي الإجمالي البالغة 70%، تتناقض مع مساهمته الضئيلة في الضرائب التي لا تتجاوز 34 مليار ليرة. والواقع الراهن لن يؤدي إلى تشجيع القطاع الخاص على الالتزام بتسديد الضرائب، ولهذا تتجه أنظار وزير المال إلى ذوي الدخول المحدودة الذين يفرض عليهم الضرائب والرسوم كالأتاوات، ويرضخون لها مرغمين.

لم تسعَ حكومة بعينها لمعالجة الخلل الكبير بين حجم الناتج المحلي الإجمالي، وقيمة الرسوم والضرائب المُحصّلة بشكل عام. ولم تتقدم حكومة سورية خطوة واحدة باتجاه تصحيح هذا الخلل، ولم يتخذ إجراء يرضي الجميع لخلق حالة من التوازن والعدالة بين الدخول والضرائب، ويذكر الجميع أن المصارف الخاصة تعرضت قبل سنوات لفضيحة عند كشف رواتب مديريها التنفيذيين، إذ تراوحت رواتب الواحد منهم قبل اندلاع الأزمة بين 23 إلى 25 مليون ليرة سنوياً، وفي شركات التأمين الخاصة نحو 12 مليوناً، ليتبين أن هذه المبالغ الكبيرة وضعت تحت بنود المكافآت وغيرها من أوجه الإنفاق المعفى من الضرائب. ومع ذلك لم تعالج القضية بشفافية، وطوي الملف كما تطوى القضايا الأخرى التي للاقتصاد الوطني مصلحة كبرى فيها.

تزيد الضرائب والرسوم التي تفرض على الناس، ما عدا الغلاء الهائل في المعيشة، من التعقيدات والتحديات التي تواجههم، ولا تنظر الحكومة بشفافية وعدل إلى هذا الواقع المرير الذي يعانيه المواطنون، بل تذهب إلى ما هو أعمق من ذلك، بزيادة الضرائب والرسوم التي يفرضها وزير المالية أو يقترحها ـ على اعتبار أن لا ضريبة إلا بقانون ـ وتقتنص اللقمة من الأفواه الجائعة.

 ثامر قرقوط
المصدر: صحيفة "النور"
تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك