الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

الانتخابات الرئاسية السورية.. الاعتماد على الذات وأهداف التنمية المستدامة

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مركز دمشق للأبحاث والدراسات مداد

أ. رفعت حجازي

تقف سورية على أعتاب مرحلة جديدة تشهد فيها استحقاقاً دستورياً يتمثل في انتخابات رئاسية يؤطرها دستور عام 2012، هذه المرحلة هي خليط من بقايا حرب طالت سنواتها، وما زالت مفاعيلها تؤثر في كافة أجزاء الوطن بأشكال مختلفة، وبيئة دولية معادية للتنمية الوطنية بامتياز يشوبها غموض كبير وتتعدد فيها المسارات وتضيق الخيارات بإصلاح دولي يقوم على أسس عادلة وعلى احترام الإجماع الدولي التنموي الذي التزمت به كافة دول العالم عبر قياداتها السياسية في عام 2000 عند إعلان الأهداف الإنمائية للألفية، وتجددت وتعمقت مضامينه وأبعاده الدولية في عام 2015 عند إقرار خطة عمل الأمم المتحدة 2030 والتي نتجت عنها أهداف التنمية المستدامة.

شاركت الجمهورية العربية السورية في قمة الأمم المتحدة التي عُقدت في شهر أيلول من العام 2015، والتي اعتُمدت فيها أجندة التنمية المستدامة 2030، انطلاقاً من إيمانها بأهمية التعاون الدولي للارتقاء بالتنمية وتحقيق الرفاه، والتزامها بالإجماع الدولي بخصوص هذه الأهداف، إضافة إلى قناعتها بأن العالم يحتاج إلى خطة عمل شاملة للقضاء على الفقر وضمان التنمية المستدامة بصورة متكاملة ومتوازنة، ولأن هذه الأجندة تنطبق على جميع البلدان، وتأخذ في الحسبان "الحقائق والقدرات ومستويات التنمية الوطنية المختلفة واحترام السياسات والأولويات الوطنية".

تبنّت تلك القمة شعار "ألّا يتخلف أحدٌ عن الركب" أي أن المطلوب تنمية تشميلية (أو تضمينية) تعمّ الجميع بعوائدها، في سياق من العدالة الاجتماعية، ورفض للتمييز والحرص على حصول من هم أكثر فقراً وتهميشاً على حقوقهم، بفضل سياسات متنوعة قائمة على أساس الحقوق التي كفلها دستور الجمهورية العربية السورية لعام 2012.

تحديات كبيرة

تحدياتٌ جسيمة تواجه تحقيق التنمية المستدامة في سورية، وهذه التحديات متعددة من حيث مصادرها وطبيعتها، بين خارجي وداخلي، وهيكلي وطارئ، وموضوعي وذاتي، إلخ. وبعضها أكثر أهمية من الأخرى من ناحية الأثر المباشر، ومن ناحية أثرها المضاعف على المعوقات الأخرى. وسنقتصر هنا على تناول تلك المرتبطة بالإمكانات الذاتية ومدى كفايتها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بالرغم من أهمية التحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية الأخرى التي تؤثر في مجمل المسارات التنموية.

1.    على امتداد سنوات، تنوعت أساليب وأدوات الحرب الاقتصادية على سورية، من فرض القيود على التحويلات المالية الخارجية، إلى تجميد أموال شخصيات سورية في الخارج، إلى منع الكثير من الدول من التعامل التجاري مع سورية، مروراً بالحظر التكنولوجي، وحظر بيع النفط والغاز، وفرض العقوبات على الدول التي تتعامل اقتصادياً مع سورية. وقد استجابت الكثير من اقتصادات العالم لتلك المطالب التي هي أمريكية في جوهرها، وهو ما أثّر سلباً على أداء الاقتصاد السوري الداخلي وحَرَمه من الاندماج الطبيعي في منظومة الاقتصاد الدولي، وأخّر بوضوح إحراز تقدم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة لعام 2030. كما ألحقت تلك الإجراءات القسرية خسائر هائلة في بنية الاقتصاد السوري، وقدرات الدولة السورية والمجتمع الأهلي والقطاع الخاص الهادفة لتحقيق الأهداف التنموية.

2.    لا تشكو سورية من فقر في الموارد الاقتصادية، فالتنوع الطبيعي والموقع الجغرافي هي فرص يجب الاستفادة منها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولنا من سنوات ما قبل الحرب الدروس الكافية لإعادة التوازن الهيكلي وإعادة ترتيب الأولويات التنموية باتجاه ردّ الهيبة والاعتبار لقطاعات الاقتصاد الحقيقي (الزراعة والصناعة)، بدلاً من قطاعات الخدمات التي شكّلت مصادر النمو الرئيسة قبل الحرب.


3.    اعتماد الموازنة العامة للدولة على الإيرادات النفطية جَعَلها في مأزق تمويلي كبير خلال سنوات الحرب التي خرجت معظم مكامن الإنتاج فيها عن السيطرة، وعَجِزَ النظامان المالي والنقدي على تطوير بدائل غير تقليدية تشكل موارد مستدامة لتمويل التنمية.

4.    ما يزال التوزع القطاعي للاستثمارات الخاصة مشوهاً وغير موجه ومضبوط، ويتجه بصورة أكبر نحو قطاعات العقارات التي شهدت نمواً كبيراً خلال سنوات الحرب على حساب قطاعي الصناعة والزراعة.


الرهان المستقبلي

تشير التجربة السورية إلى أن الرهان المستقبلي على بيئة دولية مواتية للتنمية الوطنية بأبعادها المالية والمادية وغير المادية هو رهان خاسر، فسورية تاريخياً من أقل الدول تلقّياً للمساعدات الدولية، فقد بلغت حصة الفرد الواحد من المساعدات كوسطي سنوي خلال العقد الأول من الألفية الثالثة نحو 11 دولاراً أمريكياً، وهي الأقل بين الدول النامية، كما أنها من أقل الدول في مؤشرات الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعيش منذ ثمانينيات الألفية الثانية في ظل حصار تنموي وتكنولوجي، وتواجه صادراتها ومستورداتها معوقات كثيرة للدخول الى أسواق الدول المتقدمة، نظراً لقراراتها السياسية المبنية على مواقفها الثابتة تجاه عدد من القضايا الإقليمية والدولية.

ومن هنا، فإن الاعتماد على الذات يجب أن يكون حاملاً أساساً لجميع المشاريع والتوجهات على اختلاف مضامينها وساحاتها، وهو من دون شك مرتبط بشكل وثيق بمتطلبات المرحلة المنشودة التي تسعى الدولة السورية لتثبيت ركائزها وبُناها بعد أن تمكنت من تجاوز المخاطر التي هددتها على مدار سنين، والتي خلّفت أعباءً ثقيلة على كاهل البلاد والعباد.

إن أكثر ما تحتاجه سورية اليوم هو المقاربة التفاؤلية والنظرة الاستشرافية لمستقبل أفضل، بالرغم من المشاكل البنيوية في الاقتصاد والمجتمع السوري، والعوامل المستجدة الضاغطة من الخارج ومن الداخل، لا سيما في كل ما يتصل بالحرب؛ إلا أنه في الوقت عينه، لا بدّ أيضاً من التعرف على النقاط الإيجابية وعناصر القوة، واستشراف الاحتمالات المستقبلية التي هي أكثر إشراقاً بموضوعية، وبناء الخطط الوطنية على هذا الأساس.

أطلق المرشح الرئاسي "بشار الأسد" (الرئيس الحالي) حملته الانتخابية تحت شعار "الأمل بالعمل"، وسنحاول هنا إبراز بعض مضامينها المتعلقة بالاعتماد على الذات لتحقيق أهداف التنمية المستدامة:

•    يعكس هذا الشعار شمولية الرؤية تجاه المستقبل، فالأمل يقابله الرؤى والأهداف التي تمثل طموحات وتطلعات الشعب المستقبلية، والعمل يقابل التدخلات التي يجب تنفيذها لتحقيق الأهداف من سياسات وبرامج ومشايع.

•    الأمل بالعمل يعني في جوهره عدم انتظار أحد، فمستقبلنا سيُحدَّد على قدر ما نعمل، وعدم انتظار أحد يعني الاعتماد على الذات في حشد الموارد الوطنية واستثمارها بكفاءة في مكامن إنتاج تحقق أكبر المنافع والقيم المضافة، كما أن الرد على الحصار يكون بالعمل والإنتاج.


•    الأمل بالعمل والعمل لا يعني مجرد مفهوم مادي، بل هو إعادة تجديد للهوية والانتماء، فأي عمل منتج مادياً وفكرياً هو لَبِنة من لَبِنات صمود الدولة وسيادة قرارها المستقل.


إن تحويل الأزمة إلى فرصة تنموية هو أمرٌ ممكنٌ لكن يتطلب استحداث نهج تنموي جديد يحشد الموارد الوطنية كافة ويسخرها لتحقيق انتعاش اقتصادي منصف وعادل، وإعادة بناء البنية التحتية المادية والمعنوية، كما يتوخى توليد المعرفة والابتكار وتوظيفها في إدارة وحماية الموارد تلبيةً لحاجات الأجيال، وتوظيف المعرفة والتكنولوجيا وإعادة بناء منظومة القيم والسلوكيات.

باختصار: يتطلب ذلك الانتقال إلى نموذج تنموي جديد، يجمع بين متطلبات الاستجابة الفورية للتعامل مع تأثيرات الحرب وبين التخطيط المستقبلي ضمن رؤية تجمع بين الواقعية والطموح، وينطلق من الإمكانات الذاتية.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك