الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

التخطيط الاستراتيجي الفاشل لقطاع العقار..مناطق المخالفات العشوائية أقيمت بتشجيع من الجهات المعنية!

الاقتصاد اليوم:

يتداول الكثير من الناس مشاكل السكن من وجهات نظر مختلفة باختلاف التجربة والخبرة والرأي والمصلحة الخاصة به، لكننا الآن نستعرض الموضوع بطريقة مختلفة من حيث القرارات والمواد القانونية لهذه القرارات والبعد الاستراتيجي والمشاكل التي نتجت عن ضعف الرؤية الواضحة والتخطيط الاستراتيجي والبعد التنموي.

نبدأ بتعريف العقار لتوضيح أسباب الفشل الاستراتيجي في العقار، فالعقار هو الجزء الأصغر الذي تتشكل منه القرى والبلدات والمدن والدول فهو الحجر الأساس لتشكل المجتمعات الحضرية لهذه الدول وهو الطابع التراثي والثقافي الذي تتوارثه الأجيال وتفتخر بأجدادها من خلاله بأمجادها لما تتمتع به من ذوق وقدرات عالية هامة.
–    تأتي أهمية العقار:

–     أولاً من  أنه بمثابة الوطن الأول والاصغر لكل فرد منا  متعارف عليه بـ ( الحوش – الدار – البيت – المنزول- المنزل – ….الخ) فهو عنوان إقامتنا الدائم ويحتوي على جميع ذكرياتنا وأدوات عيشنا وهمومنا ومستقبلنا ومقر أماننا وأمننا …..والخ .

في حين أنه اختلط على كثير منا ومنا أصحاب  القرار أيضاً لعدم  الوضوح والتمييز بين مفهومين  هما هل البيت أولوية أم رفاهية.

–    ثانياً اعتاد الناس عليه  كاستثمار آمن و سهل وبسيط  وذا فائدة عائديه أعلى من فائدة البنك والضمان بالمحافظة على قيمة المال مع التضخم المتوقع ،وأيضاً هذا القطاع يخلق فرص عمل كثيره من خلال الاكساء والديكور ويوجد شريحة لا يستهان بها من حيث عدد العمالة التي تعمل بهذا القطاع وإضافة لشريحة صغار المستثمرين في هذا النشاط الاقتصادي الحيوي.

يوجد لهذا الاستثمار نوعان يعملان به: الأول طالب الربح والثاني طالب السكن ويغلب على هذه الشريحتين من يستثمر في المناطق المنظمة عمرانياً أوفي المناطق الغير منظمة عمرانياً( العشوائية).

ورغم أن الفارق كبير جداً بينهما على الأقل اداريا إلا أن تكلفة البناء مقارنة بالمناطق المنظمة تعتبر مرتفعة مع الفارق الكبير بسعر الارض اضافة للرسوم والتراخيص لكن البناء المخالف  يهدر أموالاً كثيرة في الاستعانة بالعمالة غير المؤهله جيدا ولعدم وجود دراسات هندسية تحافظ على سلامة البناء وساكنيه ناهيك عن ارتفاع اجور العمالة فيه وارتفاع ثمن الإحضارات الخاصة بمواد البناء لتتم عملية البناء بالسرعة الكلية  لدرجة أن  هذه الورشات  تتميز بمهارة وسرعة بالتنفيذ (بعيداً عن الاتقان ) ببناء شقة بمساحة الـ100 م2 مع اكسائها خلال يومين إلى ثلاثة أيام وطبعا مع خلوه من إتقان وامان هذا  البناء  .

– المناطق العشوائية (المخالفات) من العمق:

تم بناء العشوائيات على أطراف المدن بتشجيع من الجهات المعنية واضح المعالم و أولها عدم قدرة هذه الجهات على التخطيط الاستراتيجي ذات البعد التنموي ، وتوارثها لجهات المعنية التي تليها لعدم قدرتها على القيام بدورها  بشكل فاعل من خلال وضع خطط استراتيجية مع الاخذ بعين الاعتبار زيادة عدد السكان والقدرة الشرائية للحصول على مسكن بما يتناسب والدخل الشهري وبالطرق غير التقليدية لتلبية الطلب وهذا ما انعكس بشكل سلبي على جميع الاصعدة الاجتماعية  والثقافية والاقتصادية والأمنية في حين أنه زاد الطين بلة بالهروب للأمام من خلال  تقديم  الخدمات كالبنى التحتية  لهذه المساكن من فتح الطرق المعبدة وتمديد شبكات الكهرباء وشبكات المياه والصرف الصحي وشبكة الهاتف وافتتاح  المدارس والمراكز الطبية ، ومما سبق ذكره هل هذه المناطق مناطق مخالفة بعد تقديم كل هذه الخدمات  بالعرف التنظيمي والتخطيط العمراني (والتي لا توجد على المخططات التنظيمية في الدوائر المختصة وانما هي عبارة عن أراضي زراعية في أغلب المناطق لا يوجد عليها  بناء ).حيث تقدر نسبة المخالفات والمناطق العشوائية تزيد 46% من نسبة البناء النظامي المرخص
وهكذا  فقد زادت المشاكل وتجذرت وتفاقمت بوجه الجهات المعنية المتلاحقة دون التفكير بإيجاد حلول آنية أو مستقبلية.

وبمرور الوقت لم يتم  إيجاد حلول عملية وقانونية لتسهم بإيجاد مسكن شعبي صحي ولائق ومرخص في متناول الشريحة الأكبر ذات الدخل الضعيف  ويحمل قيمة إنسانية وثقافية واجتماعية واقتصادية و أيضاً فيها طابع البلد لنجد أنفسنا نغرق بها أكثر من خلال إيجاد مادة قانونية لتسوية المخالفات العشوائية لتسهم في الإسهاب بذات المنحى على إننا لسنا بالطريق الصحيح لحلها حلا جذريا ، وبقراءة سريعة في بعض مواد هذه القوانين في :

قانون مخالفات الأبنية  الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 44 لعام 1960 المادة 4
يحق للمجلس البلدي أن يسوي المخالفات التي لم تتم تسويتها حتى نفاذ هذا القانون بفرض غرامة لا تجاوز نصف المنفعة التي جناها المخالف أو كان في وسعه جنيها. وتخفض الغرامة أو يعفى منها المخالف في المناطق المعدة لسكنى الطبقة الفقيرة وتحدد هذه المناطق بقرار من المجلس البلدي.

وعندما نطالع بالمادة /4/ من القانون رقم 1 لعام 2003 قانون مخالفات البناء حيث جاء في هذه المادة / تسوية المخالفات القائمة في المناطق العشوائية بعد تأهيلها وتسوية أوضاعها الملكيات القائمة عليها وادخالها في المخطط التنظيمي بعد استيفاء الرسوم المقررة في القوانين والانظمة النافذة. وايضاً لما جاء في المادة /15/ في المرسوم التشريعي رقم/40/لعام 2012 الخاص بإزالة الأبنية المخالفة  انه ينهي العمل بالمرسوم التشريعي رقم/59/ لعام 2008 والقاضي بإزالة الأبنية المخالفة ومخالفات البناء ومهما كان نوعها بالهدم مع مراعاة المخالفات القابلة للتسوية . مع الاخذ بالعلم أن المرسوم هو جابي لتحصيل الرسوم للمخالفات لما قبل اصدار المرسوم . وأيضاً في المادة /7/ للمرسوم /40/ الفقرة أ- لتسوية المخالفات تفرض رسوم مالية والمادة/8/ أيضاً أشارة إلى تسوية المخالفات في مناطق السكن العشوائي.

ومع صدور هذه المواد التي عالجت المشكلة وتركت الأسباب مضاف لها  عدم قدرة شريحة كبيرة من المواطنين من الحصول على منزل الاحلام لارتفاع ثمنه في سوق المضاربات العقارية كان الأيسر والأسهل بناء المنزل المخالف على مراحل في معظم الأحيان ويعني لهم تقسيط التكلفة حسب القدرة المادية المالية المتوفرة.

تشجيع على إقامة العشوائيات!

ونرى مما سبق اننا لا نضع حلول للحد من العشوائيات لا بل بالعكس كانت تشجع على إقامتها من خلال إمكانية تسويتها ولم يتم العمل على إيجاد السكن البديل الملائم لطالبي السكن بالتكلفة حسب القدرات المتاحة لعدم توفر إمكانية شراء منزل وارتفاع الأسعار على هذه الشريحة الكبيرة من المواطنين. وقد ساهمت هذه القوانين على ازدهار وزيادة الطلب على البيوت في المناطق العشوائية لفئة محددة من المواطنين هي الأغلب مع ازدهار البناء فيها وكان دور الجهات المعنية تقديم الخدمات للبنى التحتية ليزيد من ارتفاع أسعارها ،و هذه المناطق مازالت أراضي زراعية في المخططات الرسمية ،ولا يوجد عليها أي بناء مما سيؤثر على عملية التنظيم المستقبلية بوجود أحياء تسمى عشوائيات وبغياب الحلول الحقيقية  والاستعانة بحلول غير ناجعة كانت وتفتقر للتخطيط متوسط وبعيد المدى على شكل الترخيص لشركات التطوير العقاري وشركات البناء و الجمعيات السكنية وإقامة تجمعات عمرانية تحت ما يسمى وحدات السكن الشبابي وغايتها المعلنة  تنظيم البناء والتخفيف من وطأة الطلب على السكن الشعبي فلم تؤدي الغرض المطلوب منها فقد كانت لصالح تعميق الاستثمار والاحتكار والمضاربة فيها  مما أدى لرفع أسعارها بما لا يتناسب والغرض الذي جاءات من أجله بسبب ضعف الضوابط الإجرائية والقانونية عليها فأصبح حلم الحصول على منزل لأصحاب المداخيل الصغيرة ضرب من الخيال ، وخاصة بتشجيع  البنوك لطرحها منتج خاص بالقروض العقارية الجديدة والمسجلة بالمصالح العقارية غايتها الترويج لهذه الشركات والجهات السابقة وقد سمح للبعض منها بالترويج لما قبل الترخيص لهذه الشركات حيث باعت اكتتاب لمكتتبين دون وجود رخص رسمية ولا حتى وجود أرض للبناء عليها وإنما أرقام ديوان الجهة المختصة للحصول على الموافقات الأولية.

وأيضاً مما ساهم في زيادة جعل البيت حلم لأغلب السوريون والذي ساهم بارتفاع أسعار البيوت بالشراء  هو القانون  رقم  11  لعام  2011  الخاص  بتملك  الأجانب للعقارات الذي يجيز التملك وإيجار لمنفعة غير السوريين ،وقد ساهم هذا القانون على ارتفاع أسعار البيوت وأجارها لزيادة الطلب عليها وخاصة عقب هجرة الأخوة العراقيين إلى المدن والبلدات السورية وقد ساهمة في زيادة الضغوط الاقتصادية والمعيشية ورفعة من أسعار البيوت لتزيد المسافة أكثر بين الحصول على بيت الأحلام وسعره وإمكانية تسديده لعدم تناسب الدخل بما يلائم الزيادة في ثمن البيوت أو أجارها.

ما علينا فعله..

واليوم وبعد كل هذه التجربة المريرة لعدم وجود رؤية إستراتيجية واضحة للعمل على التخلص من المعيقات الأساسية ألا وهو الحصول على ابسط حق للفرد في وطنه وهو البيت فإننا ندعو اليوم لوضع نظم ورؤية واضحة وليست طموحة بل واقعية في ضوء ما نشهده من حرب قذرة علينا  :

1-    وضع آليات للحصول على السكن الكريم واحد للعائلة الواحدة (حسب دفتر العائلة)من خلال إجراءات بسيطة وغير معرضة للمضاربة وتزايد في أسعارها .

2-    منع بيع المنازل المخصصة للأشخاص من الجمعيات ومن بحكمها  في ارتفاع سعرها في السوق للحفاظ على الغاية من التخصيص فيها لفترة لا تقل عن خمس سنوات.

3-    وضع نظم وسن قوانين للحصول على منزل من خلال التملك بالأجر على المدى المتوسط والبعيد ولمنزل واحد لكل عائلة.

4-    إنشاء جمعيات وسكن وشركة تقوم على هذه الفكرة لنتجاوز فترة ما خسرناه في الحرب ولتأمين سكن للمواطنين في وقت قصير.

المهندس ماجد شرف مدير عام مجموعة الجودة للدراسات/استشاري

  هاشتاغ سيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك