الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

التشاركية..ودورها في الانطلاقة الاقتصادية الفعالة

الاقتصاد اليوم:

أقام فرع اللاذقية لجمعية العلوم الاقتصادية ندوته الثانية ضمن ملتقى الثلاثاء التفاعلي الثامن بعنوان “التشاركية ودورها الفعل في الانطلاقة الاقتصادية الفعالة و التعددية البناءة”، وبعد الوقوف دقيقة صمت إجلالاً للدم السوري الطاهر المقدس بدأ الدكتور سنان علي ديب رئيس الجمعية الندوة، مشيراً إلى أن موضوع  التشاركية كان مثار جدل كبير قبل الأزمة بين فريقين الأول يريد تطبيق مقررات مؤتمر واشنطن المتجسدة في وصفات البنك الدولي و صندوقه ولو على طريقة الصدمة مهما كانت نتائجها وآخر ينظر إلى أهمية تفعيل دور القطاع الخاص و مشاركته بالتنمية وإنما بفاعلية تزيد الطاقات الانتاجية و تحقق مزيداً من النمو و التنمية وليست تشاركية محاباة على حساب القطاع العام و بناه المستطاع إصلاحه لو وجدت النوايا و الإرادة وكان موضوع محطة الحاويات في طرطوس و اللاذقية و معمل اسمنت طرطوس أساس هذا الجدال و الخلاف ,

فما نفذ بهذه القطاعات لم تكن تشاركية و إنما محاباة البعض بأسلوب توفير ربح جاهز و عدم التقييد بالعقود وعدم زيادة الطاقات الانتاجية وإنما منح قطاعات منتجة ذات مدخول وجاهزة للإستثمار المتزايد في حال القيام بإصلاحات قليلة و لم يقف طموح المستفيدين عند هذا الحد وإنما تجاوزه للتفكير بقطاعات أخرى و منها ما قد ينعكس على حياة المواطن ويزيد من عبء تكاليف الحياة كالكهرباء و المياه و كذلك محاولة تعطيل إصلاح القطاع العام لتحقيق الاحتكار و تكديس الأموال ,

و بعد الأزمة المآساوية و الدمار الذي نجم عنها بتكاليف تقدر بحوالي 300 مليار دولار و دمار حوالي ثلث المساكن و آلاف  المدارس و مئات المشافي و المستوصفات و نصف معامل القطاع العام و نصف محطات الصرف الصحي و معظم السكك الحديدية و مئات الجسور و بعد الحصار الاقتصادي و العقوبات الظالمة المفروضة على سورية أصبح هناك ضرورة لتعاون الجميع لإعادة البناء و المشاركة بترميم وإصلاح ما حملته لنا هذه الحرب الظالمة من الناحية الاقتصادية وما نجم عنها من كوارث اجتماعية فاضت على ما كان موجود من عدم توازن التنمية , فنتائج الحرب تفرض تعاون الجميع القطاع العام و الخاص و مدخرات المنظمات و الهيئات و رؤوس الأموال الوطنية داخلاً وخارجاً ,

ففي فترات عدم الأمن و الاستقرار أكيد رأس المال الجبان لن يقترب و لن يستثمر فكلنا يعرف أن رأس المال جبان يبحث عن الاستقرار و يبقى الموضوع بيد من يحمل هماً وطنياً ويرى أن العمل واجب و غاية لعودة الاستقرار للعيش الأمن و السليم .

و التشاركية سابقة لمرحلة ما قبل الأزمة بفترات و بقطاعات مختلفة ومنها ما هو محلي ومنها ما هو مع شركات أجنبية ولو أن أبعاد الشراكة مع غير السوريين قد يظهر له أبعاد غير مالية و قد تنعكس على امن الوطن , فمنذ الخمسينات كان هناك شراكة لإدارة المرفأ و بعدها بالسبعينات كانت تشاركية مع شركات نفطية للتنقيب و الاستثمار و كذلك شراكة بالقطاع الزراعي و السياحي عن طريق الشراكة بالادارة أو عقود محاصصة لفترات زمنية , و بالتالي هي ظاهرة قديمة ونجحت بقطاعات ولولا الخلاف الجذري ما قبل الأزمة لما حصل شكوك وتخوف منها , ولكن ظروف الزمة لا يعفي من شروط واجب توفرها للسير بالتشاركية بأنواعها المختلفة ,

من حيث الادارة عندما يكون هناك نقص تكنوقراطي بقطاعات معينة او من حيث مشاركة القطاع العام بأرض لإقامة منشآت لفترة محدودة ومن ثم تعود ملكيتها للدولة ففي التشاركية لا يجوز ان تنتفي صفة ملكية الحكومة عن الأصول المشاركة بها وإلا تحول لخصخصة وكذلك في منح ترخيص لشركات لتنفيذ بنى تحتية لمدد طويلة ومن ثم يعود الريع للحكومة , وفي هذه الشراكات يجب أن لا يغبن أي من طرفي المشاركة الحكومة بمن تمثله من الشعب او الشريك الآخر بحيث لا تنعكس هذه الشراكة على الخدمات المقدمة للمواطن كأن يتحكم الآخر بثمن الخدمة بما يفوق استطاعة المواطن و كذلك بما لا يحقق خسارة أكيدة للشريك و بالتالي فإن الخوض بهذا المضمار بحاجة لكفاءات مؤهلة ومدربة قادرة على وضع العقود المناسبة ذات خبرة و دراية بدراسسة أي مشروع من حيث جدواه الاقتصادية و الفنية وكذلك لوجود كفاءات وخبرات قادرة على متابعة سير المشروع و المعرفة الكاملة بتفاصيل عمله ومردوده و قد عانينا سابقاً من تشاركية وخاصة بالقطاع السياحي بأسعار زهيدة و لفترات مديدة تصل لـ99 سنة وهو ما يعتبر تخسير لموارد الدولة و تربيح ومحاباة للبعض , وكذلك لا يمكن الخوض بعمق التجربة من دون وجود محاكم مختصة و سريعة بدراسة عقود التشاركية و سريعة بأخذ القرارات في حال اللجوء للتخاصم القضائي .
, وأجمع الحضور على أهمية إصلاح القضاء ومواجهة الفساد للسير قدماً بموضوع الاستفادة من مختلف إمكانات وطاقات السوريين .

و كذلك لابد من  إنشاء وحدة مركزية للشراكة بين العام والخاص تكون مهمتها تطوير الإطار القانوني للتشاركية وتطوير السياسة الوطنية لهاضرورة ملحة للإنطلاقة الصحيحة في إعادة البناء و الانطلاقة الاقتصادية وهنا لابد من التوضيح أن الأخذ بموضوع التشاركية كغاية قد يحرفها عن مسارها وعن ما نأمله منها في تكامل التعاون الاقتصادي بين كافة شرائح المجتمع لتجاوز الانعكاسات الأزموية و الانطلاقة الجديدة فهي وسيلة و ليست غاية وهذا يجب أن يكون منظور الحكومة وقد صرح البعض في ملتقيات بأن التشاركية حل لتزاحم المصالح بين الحكومة و القطاع الخاص و القبول بالتشاركية من هذا المنظور غير مقبول سابقاً ولن يقبل لاحقاً فالحكومة المنبثقة من أي شعب و تعمل بشكل مؤسساتي لا يقبل أن تدخل بهكذا صراع لأن الاطار القانوني الوطني و سلطة القانون كفيلة بوضع حد لمن يريد مواجهة الدولة بغير حق ولكن التعاون ضروري لضرورات الوطن و للإستثمار الأمثل للموارد طبقاً لحاجات البلد المدروس و قد يرى تبريرات لأشكال من التشاركية غير المنطقية المحابية للبعض محمية بهكذا تبريرات لا تعبر إلا عن ضعف أو تشاركية بين صاكي العقود من نوع آخر على حساب الوطن .وكذلك لا بد من توفر الشفافية والعلنية وتكافؤ الفرص في طرح المشروعات ومنح الحوافز.

في المحصلة

إن مشاركة القطاع الخاص في إعادة بناء سورية وخاصة في إعادة بناء وتطوير بنيتها التحتية ومرافقها العامة وإعادة بناء مخزونها السكني وتجديد قدراتها الصناعية في ظل ندرة موارد الدولة وتعاظم وتعدد مسؤولياتها بعد الأزمة لم يعد خياراً أو قضية عقائدية، بل أصبح ضرورة وحاجة ملحة في مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية المستقبلية. فسورية بأمس الحاجة أولاً للبناء والتطوير وللتعويض عن الخسائر التي تحملتها خلال الأزمة، وهي ثانياً بحاجة للتنمية والتطوير والعودة إلى السعي للحاق بالركب الاقتصادي العالمي الذي كانت متأخرة عنه أصلاً قبل الأزمة.

كذلك أجمع الحضور  على الحاجة لتعزيز قدرات مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وتطوير القطاع المصرفي والمالي غير المصرفي ليشمل مؤسسات التمويل الطويل الأجل ومؤسسات التمويل العقاري والتأجير التمويلي حتى يمكن تطبيق قانوني التشاركية .

وأجمع الحضور على انه ليست المشروعات الكبيرة فقط هي المطروحة للتشاركية فهناك تشاركية قائمة بين مؤسسات خاصة وعامة لتبني الابداع و تحيقها على أرض الواقع كما تحدث الحضور الممثل لهيئة المشروعات الضغيرة و المتوسطة وبذلك فيجب تشجيع التشاركية على اختلاف أنواعها  المشروعات الصغيرة نسبياً والمتوسطة و المشروعات الكبيرة واتفق الحضور أخيراً إلى أن اعتماد صيغة التشاركية لا يعني احتكار هذه الصيغة في إعادة بناء وتطوير البنى التحتية والمرافق العامة والمدن السكنية والصناعية السورية، فهناك عمل كبير في هذا المجال لكل من القطاعين منفردين وفي مختلف أنحاء البلاد، ولكن كلما تشارك القطاع الخاص مع العام في هذه المشروعات خفف هذا العبء على موارد الدولة المالية والبشرية، وخفف حاجة الدولة للاعتماد على المديونية الداخلية والخارجية.

إن خيار التشاركية أصبح ضرورة ولكن هذا لا يعني أن تصبح العقود مخصصة لقلة أو أن تعرض الدولة لاستلاب بأساليب مختلفة للحاجة أو أن تعمد بعض الجهات إلى التنفيذ بعيداً عن الشروط و اللعب على النواحي الفنية أو أن تضطر الحكومة للتنازل بالمواصفات أو الشروط فبدائل التشاركية متاحة وهي أحد الأدوات و في الظروف الصعبة قد يوجد بدائل مناسبة ودعا الدكتور ديب للندوة القادمة بعنوان هندسة بناء الطبقة الوسطى.

سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك