التضخم في الاقتصاد السوري 2015 . 2023 (العقبة الكأداء)
الاقتصاد اليوم ـ خاص:
دراسة عن التضخم بقلم الباحث الاقتصادي الاستاذ إيهاب اسمند
التضخم في الاقتصاد السوري 2015- 2023 (العقبة الكأداء)
- يوجد شبه اجماع لدى معظم المتابعين للشأن الاقتصادي السوري على أنه يعاني من حالة تضخم مستمر ومتزايد بمعدل كبير خلال السنوات الأخيرة منذ بدء الحرب في سورية.
- يربط الكثيرين بين التضخم في سورية وتراجع جودة حياة مواطنيها مع أن تأثيرات التضخم تتجاوز ذلك إلى تثبيط الرغبة بالاستثمار في الاقتصاد وبالتالي إعاقة إمكانية زيادة الناتج المحلي الإجمالي، الذي يسبب مزيد من التضخم (العلاقة الجدلية بين السبب والنتيجة).
- لا يمكن إغفال تأثير الارتفاع المتزايد لمعدل التضخم على تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
- من الناحية المنطقية لا يوجد سبب محدد للارتفاع المتواصل لمعدل التضخم؛ لأن ظاهرة التضخم مركبة وبالتالي فأسبابها عديدة ومتداخلة (نتائج الحرب، تراجع الاستثمارات، وقوع بعض المناطق المهمة نفطياً تحت السيطرة الأمريكية وجماعات مسلحة متعاونة معها، العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد، الإجراءات الإدارية وغير ذلك...).
مؤشر أسعار المستهلك Consumer Price Index (CPI)
- يرتفع مؤشر أسعار المستهلك بشكل مستمر في السنوات السابقة (Y-O-Y) ويصل في عام 2023 إلى 10 أضعاف ما كان عليه في عام 2015 (سنة الأساس 2010).
- سبب الارتفاع في مؤشر الأسعار خلال السلسلة المدروسة على مستوى المكونات كان (خدمات الفنادق والمطاعم 30 ضعف، التبغ والمشروبات الكحولية 12 ضعف، الأغذية والمشروبات غير الكحولية 11 ضعف).
- على الرغم من الارتفاع المستمر للمؤشر على طول السلسلة إلا أن قفزات كبيرة حصلت بين عامي 2019-2020 و2020-2021 حيث كان يتضاعف، وهوما لم يحصل خلال كامل سنوات السلسلة.
- ارتفع مؤشر أسعار الصحة بشكل أكبر من ارتفاع المؤشر الإجمالي (3 أضعاف) بسبب قرار رفع أسعار الأدوية (70-110%).
- لم يلعب التسعير الإداري دور في ضبط مؤشر الأسعار أو تخفيضه بل على العكس من ذلك، تكون زيادة أسعار المواد المسعرة إدارياً أكبر من متوسط ارتفاع مؤشر الأسعار بشكل عام (ارتفعت أسعار الخبز 400%، المازوت 1600%، البنزين 5000%) بالتالي قد يكون التسعير الإداري أحد أسباب ارتفاع الأسعار.
المصدر: بيانات المكتب المركزي للإحصاء، باستثناء عام 2022 و2023: تقديرات على أساس قرارات التسعير من وزارة
التجارة الداخلية ووزارة النفط، وزارة الصحة، وغيرها من قرارات التسعير.
معدل التضخم حسب مؤشر CPI
- التضخم المستمر سمة ظاهرة في الاقتصاد السوري خلال الفترة المدروسة 2015- 2023.
- الارتفاع الأكبر في معدل التضخم كان خلال العام 2021 بحوالي (119%) يليه العام 2020 بحوالي (114%) وبعدها عام 2016 (48%).
- لكامل السلسلة الزمنية المدروسة؛ يرتفع التضخم بشكل وسطي سنوياً بحوالي 40% (من أعلى معدلات التضخم في المنطقة العربية، حيث بلغ الوسطي على مستوى الدول العربية بحسب تقرير آفاق الاقتصاد العربي – صندوق النقد العربي لنفس الفترة حوالي 2.9%).
- تساهم مجموعة الألبسة بـ 33% من التضخم، بعدها تأتي مجموعة الكهرباء والوقود (28% ثم مجموعة الصحة 21%).
مساهمة المجموعات الاستهلاكية بالتضخم
- يتسبب ارتفاع أسعار الغذاء بحوالي 43% من التضخم في سورية، كما تساهم أسعار السكن والكهرباء والوقود بـ 25% من التضخم.
- دور قطاع النقل في التضخم 7% خلال الفترة المدروسة، يليه مجموعة المشروبات الكحولية والتبغ ومجموعة الملابس 4%.
- مجموعة السلع المتنوعة ومجموعة الفنادق والمطاعم 3% لكل منها، ثم مجموعات الاتصالات والتعليم 2%، ومجموعات الترويح والثقافة 1%.
التضخم وسعر صرف الليرة السورية
- خلال الفترة المدروسة تفقد الليرة السورية حوالي 59% من قيمتها بشكل وسطي سنوياً.
- لم تتمكن السياسة النقدية المتبعة من ضبط تراجع الليرة، مع عدم التقليل من تأثير العوامل الأخرى والتي تلعب دور في قيمة الليرة (الاحتياطي النقدي، العجز في ميزان المدفوعات، السياسة المالية، ....) وغيرها من العوامل التي لا تخرج عن موضوع هذه الدراسة ويمكن تناولها بدراسة مستقلة.
- تراجع قيمة الليرة قلل بشكل كبير من الثقة بها وبالتالي يساهم هذا الأمر بدوره بمزيد من الضغط للتخلص من الرصيد النقدي نحو مخزون سلعي أو ذهبي أو عملات قابلة للتحويل (أي بمزيد من التضخم).
- الانخفاض المتسارع لقيمة الليرة السورية أمام الدولار جعل قيمة سلة الاستهلاك الغذائي الأساسية والتي تقدر ب 148 دولار بحسب برنامج الغذاء العالمي لعام 2023 أي ما يعادل حوالي (2.072) مليون ليرة سورية شهرياً، أي أكثر من 4 أضعاف سقف راتب الفئة الأولى. وهذا يعني أن معظم العاملين بأجر لدى القطاع الحكومي تحت خط الفقر الغذائي.
تطور الرواتب والتضخم
- اتبعت الحكومة منهج عام لمواجهة التضخم بفرض زيادات دورية على الرواتب مع بعض المنح أحياناَ.
- زادت الرواتب بشكل اسمي بمعدل 32% بشكل سنوي وسطي خلال الفترة المدروسة؛ مقابل زيادة التضخم 42% بشكل سنوي وسطي خلال نفس الفترة، أي أن الزيادة الاسمية للرواتب لم تستطع مواجهة التضخم.
- من ناحية الزيادة الحقيقية في الرواتب، تصبح المشكلة أكبر حيث تنقص بمعدل (-12%) بشكل سنوي وسطي خلال الفترة المدروسة، وهذا يفسر ما مر معنا من وقوع معظم العاملين بأجر لدى الحكومة تحت خط الفقر الغذائي.
نتائج
- التضخم آفة مزمنة ترافق الاقتصاد السوري خلال الفترة المدروسة ولا يبدو أنه سيتخلص منها في المستقبل المنظور.
- السياسات النقدية والمالية المتبعة لمواجهة التضخم وآثاره لم تعط تجد نفعاً؛ حيث لم تستطع إيقاف جموح التضخم.
- سياسة التسعير الإداري لعدد كبير من السلع لم تكن كافية للحد من التضخم بل لعبت دوراً في زيادته.
- كان سعر الصرف وتراجع قيمة الليرة أحد عاملاً محفزاً من خلال التهام القوة الشرائية لليرة السورية بشكل مستمر خلال الفترة المدروسة.
التوصيات
- يحتاج الاقتصاد السوري خلال الفترة الحالية والمقبلة لبرامج نوعية لزيادة الإنتاج السلعي لمواجهة فجوة الاقتصاد الحقيقي التي يعانيها.
- يفضل تحفيز النشاط الاستثماري وتهيئة المزيد من المدن والمناطق الإنتاجية (مراكز تنموية مؤهلة بالبنية التحتية وبخدمات الإنتاج المطلوبة).
- إعادة النظر بقيود تداول القطع الأجنبي بما يتوافق مع علاقته بسعر الصرف والنمو الاقتصادي.
- ربط الحد الأدنى للرواتب والأجور في القطاع الحكومي ليتناسب مع حد الاستهلاك الأدنى واستعادة قوة العمل مع هامش مناسب لتتمكن الرواتب من لعب دور إيجابي في توازن الاقتصاد السوري.
الاقتصاد اليوم
تعليقات الزوار
|
|