الدكتور الجبالي: الاحتفاظ بالأموال خارج المصارف خيار خطير .. دعوة لتحرير العمل المصرفي
الاقتصاد اليوم:
كتب الاستشاري المصرفي د. محمد الجبالي:
في الوقت الذي تعتبر فيه البنوك العمود الفقري لأي اقتصاد مستقر تعيش البنوك السورية اليوم حالة غير مسبوقة من الشلل شبه الكامل أفقدها دورها الأساسي في دعم الدورة الاقتصادية وتأمين السيولة للأسواق والأفراد على حد سواء ويعود هذا الشلل في معظمه إلى فقدان ثقة الجمهور بالقطاع المصرفي نتيجة القيود المفروضة على عمليات السحب والإيداع الأمر الذي أدّى إلى عزوف الناس عن التعامل مع البنوك واختيارهم الاحتفاظ بأموالهم في البيوت والمكاتب وهو خيار محفوف بالمخاطر الاقتصادية والأمنية
أين المشكلة؟
المشكلة لا تكمن في البنوك كمؤسسات بل في القيود المفروضة عليها والتي تعيق أداءها لوظيفتها الطبيعية فالمواطن السوري اليوم وإن أودع ماله في البنك فهو لا يملك حرية التصرف به بل يصطدم بسقوف سحب محدودة وتعقيدات إجرائية لا مثيل لها في البنوك حول العالم أما التاجر أو المستثمر فصار يفضل إبقاء أمواله “تحت البلاطة” بدلاً من وضعها في مصرف قد لا يسمح له بالتصرف بها عند الحاجة.
ما النتائج؟
1. جمود في الدورة الاقتصادية: الأموال خارج البنوك لا تُستثمر ولا تُقرض وبالتالي لا تساهم في تحريك عجلة الاقتصاد.
2. زيادة في المخاطر الأمنية: انتشار كميات كبيرة من السيولة النقدية خارج النظام المصرفي يفتح الباب أمام السرقات والسطو ويزيد من حالات الاحتيال.
3. فقدان الثقة: وهو الأشد ضررًا لأن استعادة ثقة الناس بالمصارف تحتاج لسنوات طويلة إذا لم يُتدارك الوضع سريعًا.
دعوة إلى إعادة التوازن :
إننا في أمسّ الحاجة اليوم إلى إعادة البنوك السورية إلى دورها الطبيعي كوسيط مالي موثوق وآمن ويتطلب هذا:
• رفع القيود على السحب والإيداع أو على الأقل تخفيفها بشكل مدروس.
• تمكين أصحاب الأموال من التصرف بأموالهم بحرية كما هو معمول به في كافة دول العالم.
• إطلاق حملات تثقيف مالي لاستعادة الثقة وتشجيع الناس على العودة للتعامل مع المصارف.
• تعزيز الشفافية ومحاسبة أي تجاوزات قد تساهم في زعزعة الثقة.
أما يكفي ما تعرض له القطاع المصرفي السوري من تقييد وعزلة دولية؟! فـتعطيل نظام “السويفت” في البنوك السورية بسبب العقوبات الاقتصادية المفروضة على البلاد شكّل ضربة موجعة للقطاع بأسره وقطع أوصاله عن العالم الخارجي مما زاد من معاناة البنوك وأضعف إمكانياتها في تقديم خدماتها بشكل عصري ومتكامل.
ونحن نأمل بصدق أن يُعاد تفعيل هذا النظام العالمي الحيوي “SWIFT” في أقرب وقت ممكن، لما له من أثر مباشر في استعادة مرونة التعاملات المالية الدولية وفتح نافذة أمل أمام الاقتصاد السوري للنهوض مجددًا.
البنك ليس خصم المواطن… بل شريكه
فما يجب أن يُفهم جيدًا أن البنوك ليست كيانات منفصلة عن الناس بل هي شريكة في بناء الاقتصاد والاستقرار ، فحينما تُكبل هذه المؤسسات بالقيود يصبح المواطن المتضرر الأول ويتضرر الوطن كله .
ولعلّ أعظم درس يمكن أن نستفيد منه اليوم هو أن الاحتفاظ بالأموال خارج المصارف خيار خطير وقصير النظر لكن المسؤولية لا تقع فقط على المواطن بل تبدأ من الجهات التي صاغت هذه السياسات وفرضت هذه القيود ..
فلنُطلق نداءً من هنا:
حرّروا البنوك… أعيدوا لها دورها وامنحوا المواطن ثقته بحقوقه المالية ، فاقتصاد بلا بنوك فاعلة كجسد بلا قلب نابض .
تعليقات الزوار
|
|