انقذوا زراعة القمح لتعود سورية خزان القمح للعالم
الاقتصاد اليوم:
تراجعت زراعة القمح، ويكاد يهجر فلاحو سورية مهنتهم، ويتركوا محاصيلهم للريح. لايرغبون في زيادة غلتهم، لكنهم يبكون، على حبات قمح، طمروها تحت التراب وأداً، وليس زراعةً. هكذا حولت الحكومات القمح إلى زراعة غير مرغوبة، و خاسرة في آن.
ضربت الحكومة عرض الحائط، بمطالب المحافظة على زراعة القمح، وتوسيع مساحاتها، وزيادة غلالها. وسحبت البساط من تحت المزارعين، وتركتهم للعراء، يتقاسمون آلامهم مع أنفسهم. وجعلت من شروط تسليم القمح، قضية مستحيلة التحقيق. والأخطر، أن هذه الحكومة سددت رمية قاتلة للمزارعين، وسهماً أصاب من القمح بخاصة مقتلاً، إذ رفعت أسعار الأسمدة بنسبة 300%، إذ تحتاج زراعة القمح في سورية إلى 400 ألف طن سماد سنوياً، وتعجز في الوقت عينه، عن مساعدة فلاح.
وجدت الحكومة ضالتها القمحية، في توحيد المرجعيات المسؤولة عن القمح، وإعادة هيكلة أربع مؤسسات معنية بالقمح وهي( مؤسسة تجارة وتصنيع الحبوب، وشركات صوامع الحبوب، والمطاحن والمخابز) تحت اسم مؤسسة الأقماح. مهلاً ياسادة، مشكلة القمح ليست هنا، لقد سرتم في الطريق الخطأ، واحذروا جيداً من مخاطر ذلك.
مشكلة القمح الأساسية، في الرؤية الحكومية التي تصنف القمح محصولاً استراتيجياً، وتعامله كابن للبطة السوداء. ترى فيه ضامناً للأمن الغذائي، وتصوب سهام قراراتها عليه. تؤكد دعمها للمحصول، وتنفض يديها لحظة الحقيقة. وتجانب الحكومة الصواب في اعتبارها مشكلة القمح مرتبطة بقلة الهطل المطري، أو الانزياح نحو الزراعات العطرية، بينما الحقيقة هي التسعيرة غير المجزية للقمح. نعم الحكومة تحدد سعراً للقمح أقل من سعر التكلفة (125 ليرة للكيلو غرام من القمح القاسي، و100 ليرة للطري)، وتتدلل أثناء استلام المحصول، وتخلق آلاف الأعذار لنفسها، من أجل وضع العقبات أمام كل مزارع، يريد أن يسلم محصوله لمؤسسة الحبوب.
تبين دراسة لمديرية زراعة الحسكة، أن كلفة انتاج كيلو قمح مروي تتجاوز 131 ليرة، هذا قبل الرفع الأخير لأسعار الأسمدة، فكيف نريد من مزارع أن يسلم محصوله للدولة، بخسارة؟ ها هو ذا السبب الرئيس في تراجع غلة القمح إلى 1.7 مليون طن بنسبة 37% في الموسم الماضي، والأخطر من ذلك أن ربع هذه الكمية فقط سلمها المزارعون لمؤسسة الحبوب، لأن السعر المحدد غير مربح.
ورغم كل المخاطر، يستمر الفلاح بزراعة القمح، لايصدق الأرصاد الجوية ونشراتها المُعلبة، لايكترث بالتقتير الصارم في منح القروض من المصرف الزراعي، لايعبأ بمخاطر مرتفعة الآن تحول دون حصاد انتاجه. لكنه يخاف من التحرك الحكومي، الذي يتكاتف مع كل الأسباب الأخرى، التي تدفعه لترك زراعة القمح.
أهم ما في القضية هو الإجحاف الحكومي في تحديد تسعيرة مربحة لمزارعي القمح. الحكومة تحدد هوامش ربح للفلاح، وكأنها تقول له، لا تزرع. وزارة الزراعة باجراءاتها غير التشجيعية، تحرض الفلاح على التحول إلى أي زراعة أخرى، ومع ذلك الفلاح صامد، ومقهور. صامد في وجه الإجراءات والتدخل الحكومي السلبي، ومقهور لرؤيته قطاعاً استراتيجياً ينهار.
انقذوا القمح، حافظوا على أمن المواطن الغذائي، ادفعوا أسعاراً مضاعفة لكلفة القمح، ساهموا في تحقيق ربح للفلاح، بدلاً من رحمة الاستيراد المريرة، وتهريب القمح الرخيص لتركيا. تذكروا تجربة الثمانينيات، وكيف حققت سورية اكتفائها الذاتي. عاملوا القمح كما كبار المتعثرين. دللوا المزارع كما رجال الأعمال الذين (يأكلون البيضة والتقشيرة). قدموا لزارعي القمح سعراً مجزياً، وربحاً وفيراً يتناسب مع عرقهم. وحتماً… نعم حتماً، ستعود سورية، كما كانت، أهراء روما.
ثامر قرقوط
هاشتاغ سيريا
تعليقات الزوار
|
|