الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

باحث: مقاطعة السلع (فقاعة إعلامية)..وخفض الأسعار ممكن بتطبيق 5 خطوات

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

انتشر في الآونة الأخيرة دعوات من نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعيلمقاطعة شراء المستلزمات والحاجيات من الأسواق لمدة معينة (أسبوع أو ما شابه)، وفي هذا الإطار لا بد من القول أن هكذا مبادرات تعكس بشكل أو بآخر معاناة السوريين من نار الأسعار التي باتت تلتهب مدخول العائلة بكامل أفرادها وتخضعهم لمقصلة الديون.

فارتفاع سعر السلع المستوردة مع انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار واضح لدى المواطن السوري كون قيمتها مدفوعة بالقطع الأجنبي، أما السلع المحلية والمنتجة محلياًفارتفاع وتقلب سعرها مع الدولار هو أمر غير مقبول اجتماعياً ولا يخضع لأي تحليل اقتصادي، وربما هي من مفرزات الأزمة حيناً كجشع التجار وظهور"تجار الأزمات"، وحيناً آخر نتيجة صعوبة النقل بين المناطق الآمنة وعدم توفر أساطيل النقل البري الحكومية، إضافةً لضعف الانتاج (وانعدامه) المرتبط بالحرب الناتج عن التدمير الممنهج للمعامل والمصانع وحرق الأراضي الزراعية في الجزيرة ومناطق التوتر، وخروج منظومة الطاقة الكهربائية عن الخدمة خلال وقت طويل من اليوم مترافق مع انعدام تحقيق أي إيراد للدولة من حقوق النفط، انتهاءً بغلاء حوامل الطاقة من مازوت وفيول ودخولها جميعاً في تكلفة الوحدة الواحدة من المنتج سواء في مرحلة الانتاج أو النقل، ولا ننسى إطلاقاً رفع التجار سواء (جملة او مفرق) لنسب ربحهم على كل سلعة وذلك لمواجهة حالة التضخم في كافة مفاصل الحياة الاجتماعية والاقتصادية.

وبالعودة لمبادرات المقاطعة فهي للأسف لا تصلح للحالة السورية الراهنة التي ترتبط مشكلة الأسعار فيها بعوامل عديدة منها انخفاض سعر صرف الليرة أمام الدولار الأمريكي والذي ترك أثره بشكل واضح على كافة المستلزمات المستوردة والمحلية، فعندما تقول المصادر الرسمية (بما فيها السيد رئيس مجلس الوزراء) عن أن 25 مستورد فقط في سورية (والبعض يقول أن عددهم يتجاوز عدد أصابع اليدين) فالأمر يصبح "مع شبه توقف الانتاج المحلي" عبارة عن احتكار شئنا أم أبينا، رغم أن هؤلاء التجار المستوردين للحاجيات الاساسية والضرورية للشعب السوري يقدمون خدمة ممتازة للمواطن من خلال كسر العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، وبذلك تكون المواد المستوردة محدودة بعدد من التجار وما يعني ذلك من تأثير على السعر بحسب حالة الاحتكار الموجودة.

وبالتالي فان هذه المبادرات لا تعدو سوى فقاعة إعلامية ستوقع المواطن (في حال العمل بها جدياً) بين سندان الحاجة لشراء مستلزماته وبين مطرقة غلاء الأسعار وجشع التجار، حيث لا يمكن للمواطن مقاطعة مستلزماته الأساسية وحاجياته الضرورية (وهو الذي لا يقدر على شراء سوى ذلك في ظل دخله المنخفض) ناهيك عن استحالة التزام كافة شرائح الشعب بها، وان التزم نسبة مهمة من الداعين للمقاطعة بها لن تؤثر بالشكل الذي يصوره المتفائلون بذلك، فالتاجر الذي يقل الطلب على منتجاته أياماً معدودات فلا أثر لذلك طالما أن سعر صرف الليرة يتقلب للأسف وبالتالي فسعر منتجه يرتفع عند انقضاء فترة المقاطعة، كما أنه في الوضع الطبيعي قد لا نجدبعض المستلزمات فكيف عند مقاطعة بعض السلع المفقودة والقليلة أصلاً ماذا سيحل بها عند انتهاء المقاطعة؟

من ناحية أخرى، فان التجارة في سورية في ظل ظروف الحرب وتقلب سعر الصرف هي صعبة للغاية، فعلى سبيل المثال تجار المفرق (وهم النسبة الكبرى من التجار) تعتبر تجارتهممصدر رزقهم، ووجودهم وكثرتهم مفيدة جداً للشعب، أما في حال إجراء هذه المقاطعة وشلل حركة التجارة (كما يتفاءل البعض) فقديقوم قسم منهم بالإغلاق ويبقى البعض القليل وما يعني ذلك من الدخول في دوامة أخرى من الاحتكار لأضعاف حالات الاحتكار الحالية، وبنفس الوقت من يضمن عدم قيام البعض باستغلال المقاطعة وشراء أضعاف احتياجاته مما يفقد هذه المقاطعة من مضمونها.

أما الحل لغلاء الأسعار وتحقيق رغبة المواطنين فتنحصر في قيام الفريق الاقتصادي بالحكومة بالإجراءات التالية:

1_ دعم الانتاج الوطني سواء الزراعي أو الصناعي أو الخدمي وذلك من خلال البدء الفوري بدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة من ناحية إجراءات الترخيص والسماح بمنح التمويلات لإقلاعها من المصارف العامة والخاصة بعد إجراء دراسات جدوى اقتصادية ودراسات ائتمانية جيدة لها، فهذه المشروعات ستسهم بلا شك في توفير المواد والسلع بما يلبي جزء من حاجة السوق المحلي وتخفف الضغط على استيراد ما يمكن أن يتنج محلياً وما يعني ذلك من توفير حجم لا بأس به من القطع الاجنبي الذي سينفق على الاستيراد، كما أنها توظف عدد لا بأس به من اليد العاملة العاطلة عن العمل حالياً.

2_ تعزيز مؤسسات الدولة الاستهلاكية وتوفير أسطول نقل بري حكومي ينقل السلع والمنتجات المحلية من أماكن الانتاج إلى أماكن التصريف، وكسب هامش ربح متواضع يشكل بشكل إجمالي مبلغ هائل نتيجة زيادة كميات المبيعات وإقبال المواطنين عليه.

3_ تنظيم آلية منح إجازات الاستيراد الممنوحة للمستوردين وحصرها بالسلع الأساسية والضرورية فقط دون السلع الرفاهية والكمالية وحتى (الغذائية الخاصة بالطبقات الغنية في المجتمع).

4_ العودة للاهتمام بالقطاع الزراعي الذي كان يحقق لسورية الاكتفاء الذاتي ويسمح باستمرار وجود المنتجات الزراعية بشكل دائم ويؤمن لقمة عيش شريحة واسعة من الفلاحين وبنفس الوقت توفر المنتجات الزراعية للمواطنين بأسعار معقولة بخلاف ما نراه الآن.

5_ وضع استراتيجية لتخفيض سعر صرف الليرة السورية لحد معين وتثبيته عنده.

بقلم الباحث الاقتصادي علي محمود محمد

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك