باحثة: القطاع العام الصناعي يعاني مشكلتين..الإدارة والتشريع
الاقتصاد اليوم:
بينت الباحثة الاقتصادية ريم حللي، أن المشكلة الأساسية التي يعانيها القطاع العام الصناعي تكمن في التشريع والإدارة، وتتمثل بتكبيل القطاع العام بقيود وإجراءات مطلوبة منه تختلف عن تلك المطبقة على مثيله من القطاع الخاص، والذي يعمل وفق قوانين السوق من قانون التجارة وقانون الشركات، وهذه القوانين تطبق على القطاع الخاص وتحظر على القطاع العام الذي يخضع للروتين وتغيب عنه المرونة والصلاحيات، موضحة أن هناك دراسة أظهرت أن تنفيذ أي مشروع استثماري وارد ضمن خطة أي شركة صناعية يحتاج 280 يوماً بدءاً من إعداد دفاتر الشروط اللازمة، وصولاً إلى مرحلة التعاقد مع جهة ما للتنفيذ، وذلك وفقاً للإجراءات المطلوبة، إضافة إلى تعدد الجهات الوصائية والرقابية التي تتولى عملية الإشراف على القطاع العام.
وأوضحت حللي أن ازدياد المنافسة في ظل الانتقال إلى اقتصاد السوق والتحرر الاقتصادي قد ساهم في إدخال القطاع العام في مواجهة مع المنافسة الخارجية من دون الجهوزية لذلك.
مشكلات وعقبات
ورأت حللي أن عدم مسايرة أسلوب التخطيط المتبع لمقتضيات عملية إصلاح القطاع العام، حيث إن تنوع الاقتصاد الوطني في سورية من خلال قطاعاته المتعددة، عام- خاص ومشترك، يفرض ضرورة التعمق في رسم الخطط والسياسات الاقتصادية بالنظر إلى جميع القطاعات الاقتصادية، وتنميتها بشكل متواز يحقق صلة وثيقة بينها، مشيرة إلى أنّ السياسات المالية المتّبعة ومفرزاتها على القطاع تعد من أهم المشكلات التي تستوجب الحل من دون الدخول في تفصيلها، مثل تحديد رؤوس أموال شركات القطاع العام، وحل مشكلة التشابكات المالية بين جهات القطاع العام المختلفة، إضافة إلى معالجة قضية الفارق بين السعر الاجتماعي الذي تحدده الدولة أحياناً لبعض السلع وهو أقل من سعر التكلفة، والسعر الاقتصادي الذي يحدده المنتج من التكلفة، إضافة إلى زيادة هامش الربح عن طريق إيجاد جهة أو صندوق يتولى تغطية هذا الفرق بالنسبة لهذه السلع.
كما أن ضعف الترابط بين قطاعات الاقتصاد الوطني وحدوث اختناقات لدى بعضها يعدّ من أهم مشكلات القطاع العام، حيث إن الكثير من مخرجات بعض القطاعات الاقتصادية تستخدم مدخلات في القطاع الصناعي كما أن جزءاً مهماً من مخرجات قطاع الصناعة يوظف مدخلات في القطاعات الاقتصادية الأخرى من زراعة وبناء وتشييد ونقل ومواصلات.. وغيرها.
إعادة النظر في العملية التفتيشية للقطاع العام
وأكدت حللي أن هناك مشكلة تشكل عائقاً أمام القطاع العام الصناعي تتعلق بتعدد وتداخل عمل أجهزة الرقابة والتفتيش التي تتابع عملها في القطاع العام، الأمر الذي يفترض ضرورة إعادة النظر في أسلوب ممارسة العملية التفتيشية لدى جهات القطاع العام المختلفة، الأمر الذي يتطلب أن يتم ذلك بناء على تحديد دقيق وواضح للجهات المخوّلة قانوناً بممارسة العملية التفتيشية، وأن يكون أساس العمل التفتيشي وغايته تحقيق الهدف الاقتصادي.
وأشارت حللي إلى أن القانون النافذ حالياً والمنظّم للصناعة يعود تاريخه إلى عام 1958، ولم يجر تحديثه رغم المتغيرات والتطورات التاريخية والتشريعية والعلمية، الأمر الذي أصبح يتطلب إطلاق قانون جديد لوزارة الصناعة يتناسب والمهام الجديدة، حيث تتحول من وزارة تقوم بمتابعة شؤون القطاع العام الصناعي إلى جهة ترسم سياسات وبرامج صناعية ومراقبة تطبيقها على مستوى سورية بما تملكه من أدوات ومؤسسات داعمة، كما نرى أنه من الضرورة أن تتم الإشارة صراحة إلى تطبيق اللامركزية في السلطات والمسؤوليات، وذلك من خلال توسيع وتحديد واضح وغير مزدوج لسلطات وزارة الصناعة ومديرياتها والجهات المساهمة في تطبيق السياسة الصناعية.
والأهم ضرورة العمل على تعديل عمل مديريات الصناعة، حيث تقتصر مهمة الوزارة على التخطيط والتنظيم ووضع البرامج والمشاريع، في حين تتولى مديريات الصناعة والمؤسسات الداعمة الأخرى تنفيذ هذه البرامج والمشاريع.
وأوضحت حللي أن وضع العديد من الرؤى لا يمكن أن يكون منقذاً للقطاع العام قبل حلّ العقبات التي تشكل حاجزاً للنهوض بالصناعة الوطنية.
التغيير أو الإلغاء
وبناء على ما هو واقع أكدت حللي أنه لابدّ من وضع بعض المقترحات والإجراءات التي يجب العمل عليها لتطوير واقع القطاع العام الصناعي لأن وجود القطاع العام ضمن أي اقتصاد وطني يعدّ أمراً لا يمكن تجنّبه، والاستثمارات الحكومية المباشرة لا يمكن الاستغناء عنها، والدليل على ذلك أن القطاع العام مازال حتى اليوم موجوداً ولا توجد دولة إلا فيها قطاع عام حكومي يساهم في إنتاج السلع وتقديم الخدمات، ويساهم في الناتج المحلي الإجمالي بنسب لابأس بها.
كما أن أدوار القطاع العام تنبع من عدّة عوامل موضوعية ترتبط بالحاجة للاستثمارات الكبيرة التي يعجز عنها القطاع الخاص أو التي لا يرغب بها، والاستثمار في تنمية المرافق العامة والبنى التحتية اللازمة للاقتصاد الوطني، والاستثمار في المناطق النائية لتعزيز التنمية الإقليمية والاستثمار لتعزيز دور الدولة في المجتمع، والاستثمار لمنع الاحتكار، والاستثمار في مشاريع ذات طابع اجتماعي وما شابهها، كل ذلك يوضح أن خصخصة بعض الشركات لا ينفي استمرار شركات حكومية أخرى في العمل وقيام شركات جديدة.
وقد برزت أهمية هذا القطاع في ظل الأزمة الراهنة التي تمر فيها البلاد، من خلال تأمين بعض الصناعات الاستراتيجية والأساسية التي لعبت دوراً كبيراً في تحقيق التوازن في السوق السوري بين العرض والطلب من جهة وتأمين بدائل المستوردات من جهة ثانية.
نظام إداري جديد
ورأت حللي أنه لابدّ في سبيل إصلاح القطاع العام من البحث عن نظام إداري جديد للقطاع العام يرفع من قدرته الإنتاجية والتنافسية ومن عائديته، ويخلصه من شوائبه، ويحوّله إلى قطاع يساهم في تعظيم الثروة الوطنية بدلاً من وضعه الحالي، وهذا الوضع يفرض شعار «التغيير أو الإلغاء».
انطلاقاً من هذه الضرورة تعتقد حللي أن نجاح أو فشل أي عملية لإعادة هيكلة القطاع العام هما نتيجة عاملين رئيسين: أولهما الإرادة السياسية لهذا القطاع، وثانيهما الإدارة الكفوءة، ومن ثم يأتي التشريع الناظم والتمويل اللازم للموارد.
وعلى الرغم من أن هناك طيفاً واسعاً من الخيارات يجب دراسة كل منها وبالتفصيل، لكن الوضع الحالي لا يسمح بتبني خيارات جوهرية مثل التحول إلى شركات مساهمة أو شركات قابضة أو التصفية أو الدخول بتحالفات استراتيجية مع شركات خاصة محلية وأجنبية، مع ذلك لابدّ من تحديد مكانة القطاع العام ودوره في المستقبل الاقتصادي لسورية وإتمام عملية فصل الدور الاجتماعي عن الدور الاقتصادي.
وأشارت حللي في حديثها إلى أنه كان ومازال هناك تردد بين طيف واسع من الآراء، مَنْ ينادي بتصفية القطاع العام الصناعي أو على العكس تعزيز دوره، أو تطويره بالبقاء فقط على عدد من الصناعات الاستراتيجية، لكن الجميع متفق على أن القطاع يعاني اختلالات بنيوية، وأن عدم تنفيذ سياسات الإصلاح يعني تدهور شركاته التي تعاني من منعكسات الأزمة، بل إن بعضها أصبح خارج الخدمة جزئياً أو كلياً مع استمرار أعمال التخريب، فقبل بدء الأزمة كان هناك شبه توافق على مشكلات القطاع العام الصناعي ولا ضرورة لإعادة تشخيص واقع شركاته، لكن استمرار الأزمة يفرض إعادة تشخيص واقع هذه الشركات لصياغة الحلول والنتائج المتوقعة في حال تنفيذ أحد خيارات الإصلاح المعتمدة ضمن البرنامج.
غياب الرؤية الاقتصادية
ورأت حللي أن أي برنامج إصلاح للقطاع العام الصناعي يجب أن ينطلق من محورين متكاملين: السياسة العامة للدولة المترجمة في الخطط الحكومية ومن استراتيجية التنمية الصناعية، وذلك بهدف إعادة تموضع الشركات العامة والمعاد هيكلتها على مسار إيجابي صاعد، وتوسيع حصتها في السوق. كما أن غياب الرؤية الاقتصادية الكلية على مستوى الاقتصاد السوري برمته بعد فترة الإصلاح 2005- 2010 وتبني نهج اقتصاد السوق الاجتماعي وتعثر الخطة الخمسية الحادية عشرة وغلبة معالجة القضايا الآنية نتيجة انعكاسات الأزمة على الحلول الاستراتيجية، ولاسيما مع تقلص هامش الاستثمار بأنواعه ومصادره المختلفة يجب ألا يمنع من إعداد دراسة مفصلة للخيارات الاستراتيجية الأكثر جرأة.
من المفيد وضع إطار عام استراتيجي عن منهجية عملية الإصلاح ورؤية توافقية تعتمدها كل الجهات المعنية بهذا القطاع تعمل وفق عدة أسس تتمثل أولاً في البدء بتقييم أداء الشركات الصناعية فيها بحسب أوضاعها الاقتصادية، طبقاً لمعايير تقييم أدائها والبيانات المستخلصة من دراسة المؤشرات الخاصة بهذه الشركات، ومن ثم توحيد الإطار القانوني الناظم لعمل كل الشركات الصناعية في البلد، وذلك بهدف توفير بيئة مناسبة للمنافسة بين الشركات المنتجة العامة والخاصة، فمن وجهة نظرنا لا يمكن أن نخلق هذه البيئة مادامت شركتان تنتجان المنتج ذاته ولكن تعملان بقوانين وتشريعات مختلفة، وهنا نرى أنه من الضروري تحويل الشكل القانوني للشركات مع المؤسسات (في حال تم الاحتفاظ بالمؤسسات) إلى شركات مساهمة عامة تمتلكها الدولة 100% وتعمل وفق قانوني التجارة والشركات، وهذا يتزامن مع وضع آلية للمتابعة والمراقبة أسوة بغيرها من الشركات السورية.
تشرين
تعليقات الزوار
|
|