الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

بحث اقتصادي: الأمن الغذائي في سورية بين الاكتفاء والعجز..(الجزء الأول)

الاقتصاد اليوم:

بعد نشر الملخص التنفيذي من البحث الاقتصادي الذي أجراه مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” عن الأمن الغذائي في سورية، تحت عنوان “المنظور الكلي للأمن الغذائي في سورية“، نعرض لكم الجزء الأول من هذا البحث تحت عنوان “الأمن الغذائي في سورية بين الأكتفاء والعجز”، خيث سنعرض فيه العنصر الأول وهو العوامل المحددة للأمن الغذائي، لنأتي بعد ذلك على ذكر الوصول المادي: مؤشرات نقل الغذاء كالطرق والسكك الحديدية والوصول الاقتصادي: مؤشرات أسعار الأغذية وغير من المؤشرات بشكل متتالي:

أولاً-العوامل المحددة للأمن الغذائي:

تعبر هذه العوامل عن محددات مستويات الأمن الغذائي في الدولة،إذ بوساطة تحليلها ومدى ملاءمتها لتحقيق غايات الأمن الغذائي، يمكن أن تشكل منطلقاً للدخول منه إلى تقييم مدى كفاية سياسات القطاعات المختلفة، ومدى إسهام كل منها في تحقيق الأمن الغذائي.

1-    التوافر:

تعبر مؤشرات الاكتفاء الوطني من مكونات الأمن الغذائي، كالإنتاج الغذائي(الزراعي والصناعي وتجارة الغذاء)، عن مقدرة القطاعات الاقتصادية على توفير احتياجات السكان من المكونات الغذائية، وفقاً لطبيعة نمط الاستهلاك الغذائي للشعب السوري،الذي يركز في غذائه على الحبوب كالقمح والعدس والفول والعدس والخضراوات والفواكه والمنتجات الحيوانية، ومن هنا يمكن الوقوف على بعض ملامح إنتاج الغذاء:

1-1-    الحبوب: تُعَدُّ الحبوبُ مصدراً رئيساً للغذاء في سورية، لكن شهد إنتاج هذه المحاصيل تراجعاً بوسطي سنوي (-3.9%) طوال المدة الواقعة بين عامي 2005 و2010، ويمكن أن يعزى هذا التراجع إلى سنوات الجفاف التي بدأت عام 2007، وتعمقت في عامي 2008 و2009، من جهة، وارتفاع مستلزمات الإنتاج،خاصةً أن هذه المدة ترافقت مع بدء رفع تدريجي للدعم عن المكون الأهم في مستلزمات الإنتاج وهو المحروقات، من جهة ثانية.

استمر هذا التراجع بشكل أكثر حدة طوال السنوات الخمس المنقضية من عمر الأزمة السورية، لأسباب بعضها مشابه للأسباب التي سادت قبل الأزمة، وبعضها الآخر من مفرزات الأزمة السلبية، كتراجع المساحات المزروعة نتيجةً لخروج مساحات واسعة من الأراضي الزراعية عن الإنتاج عامةً، وخاصةًفي محافظات المنطقتين الشرقية والشمالية،اللتين يشكل الإنتاج المحاصيلي فيهما أكثر من (72%)  من إجمالي الإنتاج السوري من الحبوب.

تراجع إنتاج الحبوب الغذائية طوال سنوات الأزمة بوسطي سنوي يقارب نحو (8.6%)  بين عامي 2011 و2015.

شهد إنتاج مادة القمح: تراجعاً حاداً منذ العام 2006 من (4.7) مليون طن إلى (3.1) مليون طن عام 2010، ووصل هذا الإنتاج أدنى قيمه في عام 2008 حيث بلغ (2.1) مليون طن كنتيجةً لتأثر سورية عامةً، وخاصةً المنطقة الشرقية بأزمة جفاف حادة أدت إلى انخفاض كبير في الإنتاج عامةً، وخاصة إنتاج الأراضي البعلية.

خرجت سورية من أزمة الجفاف وبشكل تدريجي حتى عام 2011،إذ عاود إنتاج القمح الارتفاع إلى أن وصل في العام نفسه إلى (3.8) مليون طن. هذا الارتفاع لم يدم طويلاً فما لبث أن عاود الانخفاض بشكل كبير في ظل الأزمة السورية التي بدأت مع مطلع آذار 2011، نظراً لخروج قسم من الأراضي الزراعية عنالخدمة الإنتاجية،بسبب انتشار المسلحين في مناطق زراعته مما جعل من الصعوبة على الفلاحين الوصول إلى أراضيهم وزراعتها،إذ تشير بيانات وزارة الزراعة إلى أن مساحة الأراضي المزروعة بالقمح انخفضت من (1.7) مليون هكتار عام 2011 إلى (1.2) مليون هكتار في عام 2013. كما كان لارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج عامةً، وخاصةً أسعار المحروقات والأسمدة التأثير الكبير في عزوف بعض الفلاحين عن زراعة أراضيهم أو تقليل المساحات المزروعة أو عدم إيلاء الأراضي الزراعية مستحقاتها (التقليل من السماد، وعدد الريات المطلوبة)، وهذا ما انعكس بشكل مباشر على الغلة الزراعية إذ انخفضت بشكل كبير من 2933 كغ/ هكتار عام 2006 إلى 2372 كغ/هكتار عام 2010 والى 2300كغ/هكتار عام 2013.

انخفض إنتاج القمح في ظل هذه الأزمة حتى وصل أدنى قيمه في عام 2014،إذ يقدر الإنتاج في هذا العام بـ (2.2) مليون طن ثم عاود الارتفاع عام 2015، مع إنتاج نحو (2.9) مليون طن.

سجلت فجوة (فائض) الغذاء من مادة القمح تذبذباً كبيراً قبل الأزمة،كان للعوامل المناخية الدور الأكبر في تحديد طبيعتها ففائض الإنتاج الذي سجل في عامي 2006 و2007 (1300 و152 ألف طن على التوالي) تحول في الأعوام 2008 و2009و2010 إلى عجز بحوالي (-311 و-120 و-667 ألف طن على التوالي) ثم انخفض هذا العجز في عام 2011 إلى (-8) ألف طن.

أما في ظل الأزمة السورية فقد شهدت فجوة الأمن الغذائي ارتفاعاً كبيراً (رغم الانخفاض الملموس في الاستهلاك) ووصلت أعلى قيمها في عام 2014 إلىعجز يقارب نحو(1759-) ألف طن، وانخفض هذا العجز في عام 2015 إلى نحو (930) ألف طن.

تأثر الأمن الغذائي من مادة القمح بشكل كبير في ظل الأزمة السورية فبعد أن كان القطاع الزراعي يحقق نسب اكتفاء من المادة، ويسجل فائضاً متاحاً للتصدير في بعض السنوات (2006 و2007)، عجز هذا القطاع في ظل الأزمة عن توفير الاحتياج من المادة مما زاد نسبة الاعتماد على العالم الخارجي حتى وصل في العام 2014 إلى ما نسبته نحو (46%).

أما فيما يتعلق بإنتاج باقي أنواع الحبوب الأخرى التي تحتل حيزاً هاماً في نمط الاستهلاك الغذائي للشعب السوري، فقد شهد إنتاج كل من الحمص والعدس تراجعاً كبيراً طوال المدّة الواقعة بين عامي 2005 و2010 وبوسطي نمو سلبي سنوي يقارب نحو (-9% و -5.7%) على التوالي بينما شهد إنتاج الفول استقراراًطوال المدة نفسها، ويعود السبب وراء تراجع إنتاج كلٍ من الحمص والعدس إلى أزمة الجفاف الحادة التي اجتاحت سورية طوال هذه المدة، بينما يعود استقرار إنتاج مادة الفول إلى أن زراعتها تعتمد على الري ولا تزرع بعلاً.

تضرر الإنتاج من العدس بشكل كبير طوال مدة الأزمة السورية فقد انخفض الإنتاج بمقدار (39%) بين عامي 2011 و2015، ويعزى السبب الأساس لهذا التراجع إلى خروج مساحات واسعة من الإنتاج، نظراً لوقوعها في مناطق مضطربة عامةً، وخاصةً في محافظتي حلب وإدلب التي تشكل المساحات المزروعة فيهماأكثر من (90%) من إجمالي المساحات المزروعة بالمادة. شهد إنتاجُ مادة الحمص تضرراً كبيراً قارب نحو (51.4%)،ذلك لخروج مساحات واسعة من الزراعة،إذ انخفضت المساحات المزروعة 40%، وترافق ذلك مع تراجع في إنتاجية وحدة المساحة.
1-2-   أما فيما يتعلق بـالخضراوات فقد شهد إنتاجها استقراراً نسبياً في المدة الواقعة بين عامي 2005 – 2010،رغمزيادة المساحات المزروعة من الخضروات عامةً،وخاصة الخضار الشتوية، ويعزى ذلك إلى أزمة الجفاف ونقص المستلزمات الزراعية (أسمدة – بذار …) وتأثير ارتفاع أسعار المحروقات وتوافرها في عددالريات المطلوبة، أما في مدة الأزمة فقد شهد إنتاج الخضراوات تذبذباً،إذ ارتفع الإنتاج  في عام 2011، بعد خروج سورية من أزمة الجفاف ثم عاد للانخفاض من جديد،إذ تراجع الإنتاج بوسطي سنوي يُقدّر بنحو (-4.4 %) في مدة الأزمة، ويعود ذلك إلى ارتفاع الأسعار عامةً، وخاصة أسعار مستلزمات الإنتاج والمحروقات، فمثلاً: استمر إنتاج مادة البطاطاالتي تُعَدُّ من المغذيات الأساسية بالنسبة للعادات الغذائية السورية، بالارتفاع لغاية عام 2011 بوسطي سنوي يقدّر بنحو( 1.8 %)، إلا أنه تراجع للأسباب المذكورة سابقاً في مدةالأزمة (2011-2015) وبمعدل سنوي وسطي يقدّر بنحو(-7.8%).

حققت سورية طوال السنوات التي سبقت الأزمة قفزات إنتاجية كبيرة على صعيد القطاع الزراعي بشقه الحيواني، ولاسيما أن تلك القفزات جاءت بسبب السياسات والإجراءات الناجحة التي انتهجتها الدولة على مدار سنوات مضت، أدت إلى تحولات مهمة على صعيد الإنتاج الحيواني، وعزّزَما تحقق من العوائد الاقتصادية موارد الخزينة من العملات الصعبة،فأسهم ذلك في الحفاظ على جزء من مقومات الأمن الغذائي.

تعد الثروة الحيوانية السورية كبيرة عدديّاً، إلا أنها تتسم بتواضع إنتاجيتها مقارنة مع نظيراتها في الدول المتقدمة، إذ يبلغ متوسط إنتاج البقرة السورية من الحليب 2.5 طن/ سنة، بينما يصل إلى 9 أطنان في الدول المتقدمة في الإنتاج الحيواني. كما يصل إنتاج الدجاجة البياضة إلى 340 بيضة/ سنة في تلك الدول، بينما يصل متوسط إنتاج الدجاجة البياضة في سورية بحدود 180 بيضة. رغم أن الثروة الحيوانية السورية مشهود لها بكفاية مقدرتها الوراثية الإنتاجية، ولم تتعرض لجوائح مرضية، أو أمراض سارية تحد من قدرتها على الإنتاج، ويكمن السبب في تدهور إنتاجية الحيوانات السورية في أن تلك الحيوانات لا تتلقى احتياجاتها الحقيقية من الغذاء، ولا تنال نصيبها اللازم من الرعاية، في ظل تشتت الجهود وعدم كفايتها تجاه القطاع، وغياب الاتحادات النوعية والجمعيات العلمية للعروق والسلالات الحيوانية، المعنية بتطوير الأداء، وكذلك عدم كفاية الدور الذي تلعبه الجمعيات التعاونية الإنتاجية التي تكبلها ضوابط وإجراءات تعوق قدرتها على القيام بدور أكثر فاعلية.

اتسم القطاع بتخلف نظم الإنتاج،إذتقل حيازة 78% من مربي الأغنام عن 100 رأس، وتقل حيازة 83% من مربي الأبقار عن5 رؤوس بقر، و71% من مداجن البياض طاقتها تتراوح بين 5-10 آلاف طير، أما مداجن الفروج فإن 85% من المداجن تقع طاقتها الإنتاجية بين 5-10 آلاف طير،وفي ظل مثل هذه الطاقات الإنتاجية،فإنه لا ينتظر تحقق اقتصادية عالية من التربية.

شهد الإنتاج الغذائي ذو المنشأ الحيواني في مدة ما قبل الأزمة السورية تطوراً إيجابياً في بعض مكوناته، فقد نما إنتاج لحم الدجاج بوسطي سنوي (2.9%)، وكذلك وإنتاج البيض بوسطي سنوي (1%) طوال المدة بين عامي 2005 و2010. في حين شهد إنتاج كلٍ من اللحم الأحمر والسمك والحليب ومشتقاته نمواً سلبياً وبوسطي سنوي (-1.6% و-4.7% و -1%) على التوالي طوال المدة نفسها. في حين نما إنتاج لحم الدجاج بوسطي سنوي (2.9%) كنتيجة لازدياد عدد المداجن من (8150) مدجنة عام 2005 إلى (10500) مدجنة عام 2010، وارتفعت للسبب نفسه أعداد البيض المنتج بوسطي سنوي يصل إلى نحو (1%)، إلا أن هذا النمو لا يتناسب مع احتياجات السكان المتزايدين بمعدل وسطي يقارب نحو (2.45%)   طوال المدة نفسها.

تأثرت الثروة الحيوانية بشكل كبير بالأزمة، وانعكس هذا التأثير بشكل ملحوظ على أعداد الثروة الحيوانية،إذ تشير التقديرات إلى أن الانخفاض في أعداد الثروة الحيوانية يقدر بنسبة 30% من أعداد (الأبقار – الأغنام – الماعز) و40% من أعداد الدواجن، نظراً لتهريب الثروة الحيوانية إلى الدول المجاورة أو قتلها أو ذبحها بشكل عشوائي، بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وارتفاع أسعار اللحوم. ما ينبئ باحتمال تفاقم واستمرار تدهور الثروة الحيوانية إذا لم تتخذ التدخلات المناسبة لتنميتها، ومواجهة العوامل المضادّة التي تراكمت تأثيراتها على قطاعي الماشية والإنتاج العلفي.

أدت الأزمةإلى تغيرات كبيرة في الإنتاج الحيواني، فقد شهد إنتاج معظم المكونات تراجعاً كبيراً وصل إلى حدود خطيرة في بعض السنوات، إذ تراجع إنتاج لحم الدجاج والبيض تراجعاً بوسطي سنوي يقارب نحو (-10.3% و-8.2%) على التوالي، نظراً لارتفاع تكاليف إنتاجه وخروج قسم من منشآت الإنتاج خارج الخدمة لوقوعها في مناطق غير آمنة عامةً، وخاصةً في محافظات درعا وحمص وريف دمشق وحلب التي تحتوي على (92%) من إجمالي منشآت الدواجن في سورية،إذ تشير البيانات الرسمية إلى انخفاض عدد المداجن عام 2015 إلى (8991) مدجنة. كما شهد إنتاج الأسماك تراجعاً كبيراً طوال سنوات الأزمة،إذ شهد هذا الإنتاج تراجعاً سنوياً بوسطي سنوي حوالي (-6.7%)، ويعزى السبب وراء التراجع إلىارتفاع مستلزمات الإنتاج وخروج قسم كبير من المزارع السمكية عن الإنتاج عامةً،وخاصة في منطقة الغاب في حماة والتي كانت تنتج نحو (20%) من إجمالي الإنتاج السمكي في سورية.

يتبع في الجزء الثاني…

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك