تقرير: بساط الريح...أجرته فوق الريح
الاقتصاد اليوم:
كنا قد أفردنا الحديث مطولاً عن مشكلة الباصات والسرافيس، التي تضخمت إلى درجةٍ كبيرةٍ في الآونة الأخيرة، حتى بلغت حداً لا يطاق، وأصبح المواطن السوريّ قاب قوسين أو أدنى من الجنون، بسبب كثرة الصعوبات والعراقيل التي تصادفه يومياً من المنزل وإليه، فلم تتوقف المسألة عند وقوفك لساعاتٍ وساعاتٍ بانتظار ما أسميناه (بساط الريح)، ولكنها قد تعدت ذلك وفي أحيانٍ كثيرةٍ، إلى الاستغلال العلني لانتظارك وسعيك وراء المقعد الذهبيّ في هذه الوسيلة أو تلك، فأجرة الركوب المنصوص عليها رسمياً من وزارة النقل والتي حددت التسعيرة المناسبة لكل خط ولكل وسيلة بحسب طول الطريق أو قصره، هذه الأجرة أصبحت تتراوح وتختلف تبعاً لاختلاف الفصول كما لاختلاف ساعات النهار، وأوقات الدوام، فضع في حسبانك أيّها المواطن العزيز أنك لن تجد التسعيرة ذاتها في كلّ مرة تستقلّ وسيلة النقل ذاتها، لذا كن متيقظاً جداً، واختر الوقت المناسب لانتظارك السرفيس أو الباص، ثم اركب بأمان الله، وإلا كان عقابك زيادةً في الأجرة، وحينئذ أجرك على الله وحده، فإن حدث أن وقعت في براثن هذا العقاب، فلا تناقش بالتسعيرة، ومد يدك إلى جيبك، وادفع بالتي هي أحسن، كي لاتدفع لقاء ذلك ساعة أخرى من يومك بانتظار وسيلة نقلٍ أخرى.
المواصلات تفوق الراتب والموظف لا يملك حلاً...
الذين يقعون أكثر في هذه المشكلة هم الموظفون في أماكن عملٍ بعيدة عن سكنهم، فطول المسافة، وطول ساعات العمل، والانتظار اللا محدود لوسائل النقل، يضطرهم في كثيرٍ من الأحيان إلى استقلال التاكسي، التي باتت أجرتها كبيرة جداً ولا طاقة للمواطن ذي الدخل المحدود عليها.
وعن معاناة الموظفين في هذا الشأن، تحدثت أمل فقالت: عملي في شارع بغداد، وسكني في المزة، ومن الصعب عليَ أن أستقل تاكسي للمنزل، فالمسافة بين المنطقتين طويلة، وبالتالي فستكون الأجرة كبيرة جداً، وعلى هذه الحال فخلال عشرة أيام أكون قد وضعت أكثر من نصف راتبي أجرة تكاسي، الانتظار بالنسبة لي شخصياً أفضل من الإفلاس.
أما راتب فطرح معاناته بأسئلة وجّهها للمعنيين فقال: لم لا تقوم الحكومة بتخصيص ميكروباصات لكل مؤسسة من مؤسسات القطاع العام، تنقل موظفيها من منازلهم وإليها؟ وما فائدة الرواتب التي نتقاضاها إن كان نصفها يذهب أجرة طريقنا إلى ودوامنا؟
أما نضال فقال: أسكن في ركن الدين، وأعمل في المزة، وأواجه يومياً مشكلة جديدة في الوصول إلى عملي، إذ أحتاج إلى نحو الساعة والنصف ساعة من الوقت للوصول، وإن توقف الأمر على الوقت فلا مشكلة، ولكن هناك مشكلة أخرى وهي أن بعض السرافيس أصبحت تختصر الخط ولاتصل إلا إلى نصفه، وإن اضطررت للاستعانة بتاكسي، فسأدفع يومياً مابين ال400 ليرة إلى 600 ليرة، هذا يعني أن راتبي سيذهب كله على أجرة الطريق.
سائقو التكاسي لا حول لهم ولا قوة.. وسائقو السرافيس مظلومونوالتسعيرة غير منصفة للجميع...
للوقوف على آراء الطرف الآخر من الموضوع، قمنا بالحديث إلى أحد سائقي التكاسي، الذي أخذ يبرّر ويرفع المسؤوليّة عن كاهله، فقال: لم نرفع الأسعار، ولسنا نغالي فيها، ولكن الطلب أصبح يستغرق وقتاً أطول من السابق، فالطلب ضمن محافظة دمشق الذي كان يستغرق نصف ساعة، أصبح الآن يستغرق ساعة ونصف الساعة تقريباً.
أما سائق تاكسي آخر فبرّر أيضاً وقال: تكاليف ترسيم السيارة مرتفعة كثيراً، وأسعار قطع الغيار باتت أضعاف مضاعفة، فنحن بهذه الحال لانربح إلا الشيء البسيط.
وأيدهما في ذلك سائق أحد السرافيس، الذي أشار إلى أن التسعيرة التي وضعتها الحكومة غير منصفة للسائقين، وخاصة بعد الارتفاعات المتتالية للوقود، والتي دفعت بالسائقين إلى رفع الأجرة في أحيان كثيرة، ومن الطبيعي أن يضطر الميكروباص للوقوف من دون عمل لفترات طويلة، لافتاً إلى أن هذه التسعيرة الفاشلة يدفع ثمنها المواطن والسائق على حد سواء.
انخفاض عدد وسائل النقل زاد الأزمة سوءاً!
ومن الأمور الجدير بذكرها، أن المدارس باتت تلعب دوراً كبيراً في انخفاض عدد الميكروباصات، فقد لجأ العديد من سائقيها إلى التعاقد، والعمل مع المدارس والتفرغ لها، ما أدى لخروجها عن الخدمة لساعاتٍ طويلة في النهار.
وكان هيثم ميداني، عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل في محافظة دمشق، قد أشار في وقت سابق من الشهر الماضي،في تصريح له لإحدى وسائل الإعلام، أن عدد السرافيس قد انخفض من 4500 سرفيس إلى 1500 سرفيس، تعمل على 51 خطاً في محافظة دمشق، كما أن عدد سيارات الأجرة قد انخفض من 25 ألف سيارة إلى نحو20 ألف سيارة عاملة في دمشق، وهذا الانخفاض الكبير كان نتيجة تعرض عدد منها لأضرار، وعدم تمكنها من العمل في المدينة.
كما أوضح ميداني أن عدد عدد باصات النقل الخاصة العاملة حالياً يقدر ب 329 باص نقل، تعود لخمس شركات استثمار.
المواطن يشتكي والسائق يبرر، والباص ينتظر، والمسؤول يتفرج، وبين المواطن والسائق والباص يبقى للجهات المعنية الخطوة الجادة في الطريق إلى حل يخرج الجميع من هذه الأزمة الخانقة.
المصدر : صحيفة "النور"
تعليقات الزوار
|
|