تقرير: قطاع النسيج يدور في دوامة الترهل الإداري والإرتباك التقني وضيق الأفق المستقبلي
الاقتصاد اليوم:
شكلت صناعة الغزل والنسيج عبر مراحل طويلة من الزمن قاطرة للاقتصاد السوري الوطني بشكل عام، وتمتد جذور هذه الصناعة في سورية إلى حقب تاريخية تقدر بآلاف السنين لدرجة ساد الاعتقاد بأن سورية هي الموطن الأصلي لهذه الصناعة في العالم أجمع، لكن الظروف الصعبة التي مرت بها سورية على امتداد الخمس سنوات والتي خلقت بدورها واقعاً قاسياً على الصناعات بشكل عام أدى إلى تراجع الكثير من هذه الصناعات إذ فرضت الأزمة واقعاً جديداً على معامل الغزل والنسيج وتعرض قطاع الغزل والنسيج إلى شبه تدمير وحرقة وسرقة، وتدنت نسب التنفيذ فيه إلى أدنى المستويات وأصبحت المعامل غير قادرة على تأمين حاجتها من الأقطان ومن الأيدي العاملة ما أثر على قطاع النسيج، الأمر الذي تطلب خلق خطط إسعافية آنية وليدة الأزمة علّ وعسى أن يتم إنقاذ ما أمكن قبل انهيار هذا القطاع بأكمله.مشاكل المحافظات.
لقد شهدت هذه الصناعة تذبذباً كبيراً قبل الأزمة، وأتت الأزمة فقضت على الرمق الأخير منها ، فشهدت هذه الصناعة خسائر كبيرة نتيجة الأوضاع الاقتصادية التي رفعت تكاليف الإنتاج إضافة إلى العقوبات التي فرضها المعسكر الغربي على سورية، ناهيك عن الأسباب الداخلية من نقص في اليد العاملة وفي المادة الأولية، إضافة إلى مشاكل كثيرة تختلف من محافظة لأخرى ، إذ تحتل مسألة هجرة العمال من القطاعات الإنتاجية إلى الخدمية المرتبة الأولى في هذه الصناعة لدى عمال محافظة اللاذقية نتيجة عدم إنصاف العمال خلف الآلات في الرواتب والحوافز مقارنة بالعمال الإداريين.
لذا دعا كمال الكنج رئيس نقابة عمال الغزل والنسيج في اللاذقية إلى إدراج مهنة الغزل والنسيج ضمن الأعمال المجهدة، في المقابل تحدثت عبير الصليب رئيسة نقابة عمال الغزل والنسيج في حماة لنا عن موضوع ندب 700 عامل من عمال إدلب إلى محالج حماة وأن هذه العمالة لا تناسب المحالج ولا تحل محل العمال الموسميين، وانتقدت الصليب قرار فصل العمال الموسميين واستبدالهم بهؤلاء العمال مؤكدة أنه تسبب في توقف الإنتاج، أما نقص عمال الإنتاج والفنيين كان السبب وراء وجود خطوط إنتاجية متوقفة في دمشق، حسب ما ذكره صالح منصور رئيس نقابة الغزل والنسيج في دمشق ، لافتاً إلى أن وزير الصناعة وافق على تعيين عمال مؤقتين لهذه المعامل، لكن المشكلة أن طبيعة عملها تتطلب عمالاً دائمين وليس موسميين أو عقود، وأجمع رؤساء نقابات عمال الغزل والنسيج على صعوبة تسويق الغزول نتيجة إغلاق عدد كبير من معامل النسيج.
إعادة هيكلة للقطاع
ضرورة تحديث مؤسسات هذا القطاع وإدخال التكنولوجيا بما يحقق تخفيض كلف الإنتاج حتى تستطيع منافسة السوق الداخلية والخارجية ، إضافة إلى إعادة هيكلة هذا القطاع هي أبرز النقاط التي تحدث بها المهندس كمال الدين طعمة وزير الصناعة خلال حديثه معنا ، مضيفا أن الوزراة اليوم بصدد دراسة هذا الموضوع،حيث وصلت القروض التي حصلت عليها مؤسستا الأقطان والنسيجية إلى 74 مليار ليرة سورية ونقوم اليوم بالتدقيق لمعرفة أين ذهبت هذه المليارات، فقطاع الغزل والنسيج يشكل دعماً أساسياً للاقتصاد الوطني، وبالتالي لدعم خزينة الدولة، حيث يحوي هذا القطاع نقاطاً من القوة، حيث كان يشكل عمل هذا القطاع للوزارة 30% قبل الأزمة، وأصبح يشكل اليوم 60 % من عمل الوزارة، واعتبر طعمة أن 80% من مشاكل هذا القطاع هي مشاكل إدارية، فكثير من الشركات والمؤسسات تقع في مناطق آمنة، إلا أنها خاسرة نتيجة الضعف الإداري فيها، وهذا ما أطلق عليه اسم الشركات المترهلة التي تمتلك إمكانيات وطاقات كبيرة كفيلة بإنجاحها، إلا أنها خاسرة، ورداً على مشاكل الشركات في المحافظات، قال طعمة إن المطالبة بتعويض عمال النسيج هي مسألة محقة، وفيما يخص عمال إدلب أجاب طعمة بأن عدم وجود عمل لهؤلاء العمال في إدلب يقتضي أن نؤمن لهم عملاً في الأماكن المتاحة، مشيراً إلى أن عدم عمل المحالج يعود إلى تأخر تسعير القطن من قبل مجلس الوزراء ووجود إشكالات على الأقطان التي تردنا، وفيما يخص توظيف العمال لمدة 3شهور كان بغرض تقييم أثر عملهم على زيادة الإنتاج، موضحاً أن قانون العاملين الأساسي سيعدل عما قريب ما سيسمح باستقدام عمال بموجب الاختبارات أو المسابقات.
تأهيل عناصر التسويق
30% من اليد العاملة السورية، بدءاً من زراعة القطن، وانتهاءً ببيع الألبسة، هو دور قطاع الغزل والنسيج في بلدنا، حسب ما ذكره لنا عمر الحلو، رئيس الاتحاد المهني للصناعات النسيجية، مؤكداً على أن تطوير صناعة الغزل والنسيج مفتوح لكثير من المحاور والأولويات، إذ إننا اليوم بأمس الحاجة إلى برامج استثنائية وخطط إسعافية لتحديد نقاط القوة والضعف ليس فقط في مجال صناعة الغزل والنسيج، ولكن على مستوى الاقتصاد السوري ككل كخطوة أولى لتجاوز نقاط الضعف وتعزيز نقاط القوة وصولاً إلى تحقيق الازدهار الاقتصادي.
خسائر كبيرة
إن تمركز أغلب المعامل كان في محافظتي دمشق وحلب قبل الأزمة، أما اليوم فكامل قطاع الغزل والنسيج في محافظة حلب هو خارج الخدمة، والذي كان يضم خمس شركات مع محالجهم،-حسب الحلو- كذلك الأمر في محافظتي دير الزور وإدلب ، في المقابل يعاني معمل محافظة حماة من قلة المادة الأولية ” القطن” لكن يبقى وضع عمل هذه الشركة جيداً مقارنة بعمل شركة محافظة حمص والتي تأثرت بالأزمة ليصبح عملها دون المستوى المطلوب مثلها مثل الشركة في محافظة الحسكة والتي تأثرت نتيجة هجوم العصابات الإرهابية المسلحة، لتبقى محافظة اللاذقية ودمشق تعاني من انقطاع التيار الكهربائي والذي يؤثر على الإنتاج ليصبح جزئياً دون المستوى المطلوب، ناهيك عن المشاكل الإدارية التي تعاني منها الشركات التي تقع في المناطق الآمنة، إضافة إلى قلة اليد العاملة التي كان الحل دائماً فيها في طرح عقود لعمال لمدة 3 أشهر، وصناعة الغزل والنسيج هي صناعة مهنية حرفية تحتاج لعامل يتمرن ويتعلم حتى يستطيع إثبات وجوده وإعطاء النتائج المطلوبة وعمال الـ3 أشهر لا يستطيعون النهوض بالعمل المطلوب، إضافة إلى مشاكل التكاليف، خاصة تكاليف الكهرباء فشركات الغزل والنسيج تعمل 24 ساعة وانقطاع التيار الكهربائي يحدث بشكل دائم لتصبح تكلفة التيار الكهربائي على المنتج 35% ضمن التكاليف الإجمالية له، أي أكثر من نسبة أجور اليد العاملة.
وهذا يؤثر كثيراً فنجد صعوبة في العمل والبيع نتيجة التكاليف المرتفعة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف المازوت، بالتالي نحن بحاجة لدعم عمل هذه الشركات في الكهرباء والمازوت، وللأسف نجد صعوبة في تجاوب الحكومة معنا، وفيما يخص نسب إنتاج القطاع خلال الأزمة، تحدث الحلو عن ضعف هذه النسب لتصل إلى 17و18% من المطلوب، وهذا لا يفي بالغرض داخلياً وخارجياً، مقترحاً عدداً من الحلول للنهوض والخروج من الإنتاج النمطي كتوزيع كل أنواع الزراعات في كافة المحافظات لا حصرها في محافظة واحدة، إضافة إلى إنشاء تجمع صناعي بعيداً عن المناطق المأهولة بالسكن، ومحاسبة الإدارات في المناطق الآمنة، وإعفاء الشركات من رسوم اهتلاك الآلات التي تؤثر على التكاليف، وإعادة تأهيل الكادر الإداري بكامله، وخاصة عناصر التسويق من خلال عمل دورات تدريب وتأهيل للتسويق، ومشاكل كثيرة ظهرت على السطح خلال الأزمة يجب وضع خطط إسعافية لمعالجتها من جذورها كي لا نتعرض لها لاحقاً.
احتضار هذه الصناعة
وعلى اعتبار أن أغلب معامل الغزل والنسيج متوقفة عن الخدمة، حسب ما ذكره لنا رئيس الاتحاد المهني للصناعات النسيجية، وأكده لنا الدكتور سامر المصطفى، “أستاذ في كلية الاقتصاد”، من خلال الدراسة التحليلية لواقع مصانع النسيج في بلدنا، فإن 70% من الشركات خارج نطاق الخدمة، وكذلك فإن المعامل التي بقيت تعمل تنتج اليوم أقل من ربع طاقتها الإنتاجية بسبب عدم توفر التيار الكهربائي بالشكل المطلوب الذي له التأثير الأكبر على انخفاض إنتاجية المصانع.
وكذلك فإن حجم العمال له تأثير كبير على انخفاض الإنتاجية، وساعات عملهم، ودفع رواتبهم أيضاً له تأثير قوي في انخفاض الإنتاجية، ولا نغفل حالة الأمن التي لها تأثير منخفض في انخفاض الإنتاجية في مصانع النسيج ، لذا يجب دعم مصانع النسيج عن طريق تأمين المواد الأولية، وتوجيه جميع منتجات النسيج لتلبية الاحتياجات المحلية، وقد عملت هذه الصناعة بشقيها العام والخاص على تأمين احتياجات السوق المحلية من منتجاتها، وتصدير كميات كبيرة لاقت قبولاً في الأسواق العالمية لحقب زمنية طويلة، فعوّل على القطاع النسيجي لزيادة مساهمة القطاع الصناعي في الدخل القومي لسورية نتيجة الخطوات الهامة التي حققتها هذه الصناعة، لكن هذه الصناعة شهدت تراجعاً خطيراً قبل الأزمة بسنوات نتيجة السياسات الاقتصادية الركيكة، وتفاقمت خسائرها بعد أن وقعت ضحية الأزمة الراهنة وتداعياتها الاقتصادية والأمنية، والتي جاءت كنتيجة حتمية (للحرب)، فتراجع محصول القطن السوري منذ السنة الأولى من عمر الأزمة، وانتهاء لوصولنا اليوم لعدم القدرة على زراعة القطن في المناطق الشرقية، وبالتالي عدم توفر المادة الأولية لهذه الصناعة، أي الإعلان عن احتضار هذه الصناعة ما لم يتم إنقاذها في الرمق الأخير.
لذا لابدّ من البدء بإعداد ملفات الفرص الاستثمارية ذات الأولوية للمشاريع الصناعية الضرورية التي تتطلبها عملية إعادة البناء والإعمار، بالتعاون مع الجهات العامة والخاصة المعنية للترويج لإقامتها بالتركيز على المستثمرين السوريين بالدرجة الأولى، وبما يساهم في استعادة رؤوس الأموال والمنشآت والخبرات السورية التي نزحت بفعل الأزمة، إضافة إلى إعداد دراسات جدوى اقتصادية وفنية موسعة لشركات القطاع العام الصناعي التي دمرت بفعل الأزمة، سواء لتغيير نشاطها، أو متابعة نشاطها القديم، وإعداد برامج تأهيل للعاملين الحاليين والجدد في كافة الاختصاصات التي تتطلبها مرحلة إعادة الإعمار، وخاصة الصناعات ذات الأولوية، وفي مقدمتها الصناعات النسيجية، مع ضمان توفير الحوافز اللازمة لتشجيع العمال على الاستمرار بالعمل وتطويره.
المصدر: صحيفة "البعث"
تعليقات الزوار
|
|