الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

حتى البالة .. لم تعد للفقراء

الاقتصاد اليوم:

كان الاعتقاد السّائد سابقاً أنّ محلات «البالة» حكر فقط على الفقراء من أصحاب الدّخل المحدود و المتدّني الذين يثابرون على ارتيادها لشراء ما يحتاجونه من كساء، لكن سرعان ما تحوّلت البالة إلى حلم لهؤلاء عندما بدأ الأغنياء باكتشاف بضاعتها الجيّدة وانخفاض أسعارها قياساً لمداخيلهم الكبيرة فبدؤوا بالتردّد إليها شيئاً فشيئاً حتى غدت سوقهم الرئيسيّ.

حالة دفعت تجّار البالة لرفع أسعارها واستجرار الأصناف العالية الجودة منها بعد أن خبروا زبائنهم الجدد .

يتمّ تجميع البالة في بلدان المصدر «الأوروبية غالباً» من قبل بعض الجمعيّات الأهليّة التي تقوم بتوزيع حاويات في شوارع وأحياء المدن مخصصة لجمع تبرعات المواطنين من الألبسة والأحذية المستعملة، ثم تقوم تلك الجمعيّات بفرزها وتوضيبها ومن ثمّ بيعها لشركات مختصة بتصديرها إلى البلدان النامية التي تسمح قوانينها باستيرادها.

    لم يعد للفقراء من البالة سوى بقاياها

ورغم الانتشار الواسع لتجارة البالة في سوريا، إلا أنها مازالت رسمياً ضمن قوائم الممنوع من الاستيراد، وذلك منذ أن كان شعار «حماية الصناعة المحلية» هو الطاغي في البلاد التي تغير الكثير فيها منذ دخلتها حرب لا تريد المغادرة، ومن ذلك الذي تغيّر أن الفقراء تراجعوا درجات حتى صارت البالة ليست لهم.

المفارقة أن البالة ممنوعة، لكن محلاتها مرخصة، والتجار الذين يقومون بتهريبها يفعلون ذلك بغض طرف، أو بتسهيل علني.

ريثما تصل إلى مستهلكها الأخير تكون البالة قد خضعت للتّصنيف و الفرز عدّة مرّات تبعاً لجودتها فالبضاعة الجيّدة منها يطلق عليها تسمية «كْريم- والأجود «سوبر كْريم» وهذه تدخل في تصنيف «باب أوّل» وتكون أسعارها مرتفعة جداً، كما أن لها زبائنها الخاصّون من الأغنياء، ويعاملها الباعة باحترام، فتنظّف وتُكوى وتُعرض بشكلٍ أنيق داخل المحلّات.

وهناك بضاعة «الباب ثاني» التي يشوبها كثير من العيوب و «المدعوكة» أكثر من الأولى .. هذه البضاعة لا تلقى أيّ اعتناء من باعتها، بل توضع أكواماً في صناديق كبيرة على الأرصفة ويُنادى عليها بأرخص الأسعار ليتجمّع حولها جمهور البالة الأساسي: هذا النوع تحديداً هو ما تبقى للفقراء.

أم عبد الله، أرملة خمسينية موظّفة ومعيلة لأسرة من سبعة أشخاص، تقول إنّ راتبها كله لا يكفي لشراء كسوة واحد من أبنائها، إن أرادت التوجه إلى محلات بيع الألبسة الجاهزة، وتضيف أنها تأتي إلى محلات البالة منذ زمان طويل لتشتري كل ما تحتاجه عائلتها من الألبسة والأحذية .. ثمّ تختتم قائلة، وهي تحمد الله على «نعمة البالة»: مهما ارتفعت الأسعار هنا فإنّها تبقى أرحم من أسعار الجديد الجاهز .. لولا وجود البالة كيف كان سيتدبّر الفقراء أمثالنا أمورهم؟

    تجار الجملة يرفعون الأسعار مع ارتفاع الدولار ..ولا تعود في حال تراجعه

تقول المرأة ذلك وهي تعلم أن البالة قد ارتفعت أسعارها كثيراً أيضاً، ولم يعد للفقراء أمثالها سوى بقاياها التي يعافها المقتدرون بعد أن ينتقوا كل قطعها الجيدة .. وفيما يعزو باعة البالة ارتفاع أسعارها إلى ارتباطها بسعر الدولار يبقى السبب الأهم هو زيادة الإقبال عليها واتساع شرائح زبائنها ليشمل «الدفيعة» الذين لا «يساومون» في أسعارها .

    كانت مبررات المنع تنحصر في حماية الصناعة المحلية

«أبو علي» صاحب محل لبيع الأحذية المستعملة يشكو من تحكم تجار الجملة الكبار من المهربين الذين يرفعون سعر البالة بشكل مستمر بصرف النظر عن تقلبات سعر الدولار، فهي ترتفع معه لكنها لا تهبط مع هبوطه، ويتساءل أبو علي: لماذا لا تسمح الحكومة باستيراد البالة وتستفيد من جباية رسومها الجمركيّة وتخضعها لوزارة التجارة الداخلية لتحديد أسعارها وفق هوامش الربح المعتمدة لديها في تسعير السلع؟ بذلك تربح خزينة الدولة ونستفيد نحن والمستهلكون معاً ؟

كانت مبررات المنع تنحصر في حماية الصناعة المحلية، والمحافظة على صحة المواطن من الأمراض التي يمكن أن تنقلها البالة.

لكن الواقع أن البالة لا تخرج من بلد المصدر حتى يتم التأكد من خلوّها من الجراثيم المسبّبة للأمراض المعدية، ويتم تعقيمها جيداً، وما «الرائحة» التي تشتهر بها البالة إلا من نواتج عمليات التعقيم تلك، ثم يتم إرفاق البالة بشهادة صحيّة تثبت ذلك.

تبقى المبررات في وادٍ، والواقع في آخر، إذ أن أطناناً من «البالة» تعبر الحدود كل يوم، لينادي عليها باعتها بمكبرات الصوت في عز الظّهيرة وسط السّاحات العامّة أو في محلّاتها المرخّصة من قبل الجهات نفسها التي تمنعها.

المصدر: هاشتاغ سيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك