حكومتنا الرشيدة (كشتبان) قهوتها لا يكفي!
الاقتصاد اليوم:
رحم الله السالف والتالف من الأيام القديمة التي كنا نعيشها، ولو أنها زمنياً يجب أن لا تتخذ صفة (القديمة) لأنها على بُعد مرمى حجر -من يد طفل- عن أيامنا (الجديدة) التي لا يهنأ فيها المواطن بنوم ليلٍ ليستيقظ كالمذعور على عجلٍ من كابوس فجرٍ بات يؤرّق الجميع، فيهرع إلى عمله -أو أعماله- دون أن يجد وقتاً كافياً في المنزل الضيّق (المُحدَث) و(الطارئ) و(الإسعافي المؤقت) لاحتساء فنجان قهوته الصباحية وما شابهه من مشتقات البُنِّ مسحوبة الهواء أو مضغوطة العبوة أو محصورة الكمية في كيسٍ بوزن الريشة يحتوي على أثر قهوة، فيضطر -نظراً لضيق الوقت- إلى احتساء تلك القهوة عند أصنافٍ من بائعيها لم يكونوا يعرفون أرصفة المدينة ولا زواياها المزدهرة لينصبوا بضاعتهم فيها على شكل ماءٍ ساخنٍ -أو فاترٍ بسبب انقطاع الكهرباء- مع قليلٍ من غبار القهوة وذرّاتها وكثيرٍ من سكّر الجمعيات لتحلو أيام المواطن، ولكن ليبقى شارد الذهن مصاباً بالنعاس طيلة اليوم والأيام التي تليه...
قهوة الشارع (الكشتبانية) فقط بخمس وسبعين ليرة، يرتشفها المواطن بشفّة واحدة لا ثاني لها، فيلعن الساعة التي اخترعوا فيها الليرة لتكون ضمن عدّاد قهوة كعدّاد بنزين إلكتروني سريع، فتبلغ رقم الـخمسة والسبعين في أقل من ثانية، بينما لا تتجاوز كمية القهوة التي يبتلعها المواطن آخر اللسان وأول البلعوم، وكأنها بذلك (كبسولة حلقوم) تدغدغ سقف حلق المواطن لهنيهةٍ لا تفي بغرض استيقاظه الفعلي ولا تنبيه حواسه العملي...
وماذا لو استيقظ المواطن على إجراءات حكومتنا العتيدة؟! هل سيسكت على تأشيرة عدّاد القهوة وتكشيرة بائعها؟!...ثم هل سيرضخ -بعد الاستيقاظ- لعدّاد المازوت والبنزين والكهرباء والتكسي والماء والدواء والشفاء والغذاء والكساء والبيع والشراء والكمّثرى والقثاء ومستلزمات الصيف وبعده الشتاء وكمّ هائل من العدّادات الأخرى التي سيقوم هذا المواطن بإصلاحها ليسترجع نومه الهانئ وأيامه القديمة؟!
عاشت أغنية (بالله تصبّوا هالقهوة وزيدوها هيل)...وعاش من غنّى (اسبقيني وروحي عالدار حطّي عالنار القهوة)...عاش من غنّى للقهوة العتيقة والموسيقا الرقيقة...عاش من رتّل أغنية (أحن إلى خبز أمي وقهوة أمي)...عاشت (مهابيج) فيروز والرحابنة...عاش كل من دق مهباجاً وطحن قهوة...عاش كل برازيلي ويمني يزرع القهوة ويحصدها...وأطال الله في عمر كل من يرعى ويسقي ويجني حبّات الهيل...وشكراً..شكراً لبُنّ (الفجر) و(حسيب) و(الأصيل) و(الحموي)، شكراً لـ(كنفش) و(كولومبوس) و(سيتي كافيه)، شكراً لـ(أبي سمرة) و(الضيافة)...شكراً لكل من يقف في وجه (نسكافيه)...شكراً للحكومة التي ذكّرتنا بأهمية القهوة في زمن النعاس، ولو أن كشتبان قهوتها لا يكفي!
المصدر: صحيفة "النور" المحلية
تعليقات الزوار
|
|