خبير يدق ناقوس الخطر: الوضع المائي في دمشق وريفها حرج للغاية وهدر المياه مسألة وجود
الاقتصاد اليوم:
تواجه سوريا أزمة مياه متفاقمة مع اقتراب فصل الصيف، إذ يحذر خبراء من انخفاض حاد في موارد مياه الشرب نتيجة التغيرات المناخية القاسية التي أدت إلى تراجع الهطولات المطرية إلى أقل من نصف معدلاتها السنوية، مما يزيد من مخاطر شح المياه في مناطق واسعة من البلاد.
في هذا السياق، أعلنت المؤسسة العامة لمياه الشرب في دمشق وريفها عن رفع حالة الطوارئ بسبب شح الموارد المائية وارتفاع الطلب على المياه، حيث سجل نبع الفيجة انخفاضًا بنسبة 30% من كمية الهطولات المطرية السنوية، بينما لم يتجاوز الهطول المطري في العاصمة دمشق 23% فقط، وهي أدنى نسبة منذ عام 1958، مما ينذر بتحديات غير مسبوقة في تأمين مياه الشرب
وجاء لجوء المؤسسة الحكومية إلى رفع حال الطوارئ بمثابة إنذار مبكر لمدينة دمشق وضواحيها، إذ سيشهد فصل الصيف المقبل ضعفاً في إمدادات كمية المياه الواردة للسكان، في ظل استنزاف الآبار الاحتياطية، التي يعتمد عليها الآن بشكل رئيس لتغذية المدينة مع الإشارة إلى أن هناك 1700 بئر تغذي دمشق وريفها، لكن قسماً كبيراً منها يواجه الاستنزاف ومشكلة مضخات المياه والعجز عن إصلاحها وإمدادها بالكهرباء.
متخصصون في مجال المياه حذروا من أن النقص في مياه الشرب قد يكون غير مسبوق ما لم تتحرك الجهات المعنية، وعلى كل المستويات لمعالجة ما أمكن من صيانة الآبار وشبكات نقل المياه، ووضع برامج واضحة وعادلة للتوزيع والتقنين يلتزم بها الجميع مع حل مشكلة التغذية الكهربائية لمحطات الضخ عبر خطوط معفاة من التقنين أو تركيب مجموعات طاقة شمسية لتأمين التغذية لأطول فترة زمنية ممكنة، والعمل بجدية على وضع خطط استراتيجية لتأمين مصادر مياه جديدة للشرب وفي مقدمها ترشيد استهلاك المياه والتعامل مع هذا الأمر بحزم شديد.
بينما يذهب متخصصون إلى ضرورة العمل بسرعة على تحلية مياه البحر وحصاد مياه الأمطار بقوة في الخطط بالاعتماد على دعم المنظمات الدولية والأصدقاء، وتوسيع مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي ورفع التلوث عن الينابيع ومصادر مياه الشرب، وضبط حفر الآبار العشوائي.
دمشق مدينة أشباح
المتخصص الزراعي عبدالرحمن قرنفلة قال، إن الوضع المائي في دمشق وريفها حرج للغاية، وهدر المياه مسألة وجود، وإذا لم يرشد استخدام المياه ستصبح دمشق مدينة "أشباح" بحسب تعبيره، مؤكداً أن نقص المياه سيؤثر في السكان في دمشق وريفها، واصفاً الوضع المائي في حوض دمشق بأنه يمر في مرحلة الخطر منذ أعوام نتيجة الاستنزاف "فوق المعقول" للمورد الأساس لمياه الشرب في دمشق وريفها، إلى جانب استنزاف الزراعة للحوض المائي المغذي للآبار ونهر بردى والأعواج بسبب أساليب الري القديمة التي تستهلك كميات كبيرة وفوق إمكانات مصادر المياه التي وصفها بـ"المصادر محدودة التجدد"، ونتيجة نقص الأمطار والاستنزاف الكبير في الزراعة وصل الأمر إلى وضع خطر جداً، فالبئر التي كان عمقها 50 متراً أصبح عمقها اليوم 300 و400 متر نتيجة انخفاض مستوى المياه.
وحذر من أن الاستنزاف غير الرشيد للأحواض المائية ينذر بالخطر الكبير على العاصمة السورية، خصوصاً أن نبع الفيجة تلقى هذا العام 30 في المئة فقط من موارده المائية أي هناك انخفاض 70 في المئة، بالتالي المورد المتجدد المغذي لنبع الفيجة انخفض بطريقة مقلقة وخطرة.
وأضاف، "عندما لا يكون هناك فائض في نبع الفيجة نتيجة قلة الهطولات المطرية والثلجية، فإن الوارد المائي إلى نهر بردى يقل، فيلجأ المزارعون إلى استخدام الآبار للري، مما يؤثر في كفاية مياه الشرب لأن مؤسسة المياه تعوض نقص مياه الشرب باللجوء إلى خلط مياه نبع الفيجة مع مياه الآبار، ومن ثم فإن استنزاف الاستخدامات الزراعية للآبار أثر بصورة كبيرة على مياه الشرب".
ودعا قرنفلة إلى الإسراع بدق ناقوس الخطر المائي، عبر ترشيد استهلاك مياه الشرب والري معاً، وإلى ضبط كل الآبار في دمشق وريفها بما فيها الآبار الخاصة وختمها بالشمع الأحمر وتركيب عدادات مياه بحيث لا يسمح للفلاح باستهلاك إلا الكميات التي يحتاج إليها بعد دراسة حاجاته وفقاً للمساحات التي سيزرعها، وفرض غرامات مالية عالية عند المخالفة مقترحاً فرض 10 آلاف دولار لكل مزارع يخالف نظراً إلى خطورة الأمر على الأمن المائي للعاصمة دمشق، مؤكداً أنه إذا لم تفعل الحكومة السورية ذلك فإن النتائج ستكون كارثية، وستؤثر في الحياة في دمشق وريفها وتجعلها صعبة للغاية وغير جاذبة، موضحاً أن مغسل سيارات واحد يستهلك مياهاً في اليوم تكفي حياً كاملاً، خصوصاً أن المياه التي يستخدمها هي مياه شرب، كما أن المسابح تعبأ بمياه الشرب أيضاً.
وبين قرنفلة أن كل الدراسات الاستراتيجية تقول، إن الحروب المقبلة في الشرق الأوسط هي حروب مياه وليست حروباً تقليدية، مشيراً إلى أن الجولان على سيبل المثال، يؤمن 34 إلى 35 في المئة من حاجات إسرائيل من المياه، وأخيراً استولت إسرائيل على مناطق تحوي كميات مهمة من المياه العذبة وهذا سيؤثر في وارد المياه إلى مناطق عدة في سوريا.
الأمطار تراجعت 50 في المئة
الكاتب في مجال المياه معد عيسى قال، إن مشكلة المياه في سوريا مشكلة مركبة اجتمع فيها الفساد مع الحرب مع الطبيعة (الاحتباس الحراري وتراجع معدلات هطول الأمطار)، مشيراً إلى أن سوريا التي تعيش الحرب والصراعات منذ عقد ونصف العقد من الزمن خسرت كثيراً من مؤسساتها وبناها التحتية، وتعرضت شبكات الري وخطوط نقل المياه للتخريب والاعتداء، وغابت الصيانة حتى وصل الهدر في الشبكات لأكثر من 60 في المئة بغياب كامل للترميم والصيانة، علاوة على أن سيطرة عدة أطراف على الجغرافيا السورية شتت الإدارة على شبكات وتجهيزات ومصادر المياه، وأصبح كل طرف يدير موارد المياه في المنطقة التي يسيطر عليها وفقاً لحاله، وهذا أدى إلى هدر المياه واستنزاف المياه الجوفية في الأحواض بالحفر الجائر من دون ضوابط وشروط وعبر شبكات ومافيات تخريبية همها الوحيد جمع الأموال، مشيراً إلى هناك توقعات بأن تكون أزمة المياه هذا العام هي الأسوأ في تاريخ البلاد بسبب انخفاض معدلات هطول الأمطار وتراجعها بنسبة كبيرة، إذ سجلت معدلات الهطول هذا العام تراجعاً بنسبة 50 في المئة في غالب المناطق، في ظل غياب شبه تام لأي مساع لمواجهة الأزمة، ويتوقع أن يكون تأثير الأزمة كبيراً على العاصمة دمشق، يضاف إليه توغل إسرائيل في مناطق مصادر المياه الرئيسة لدمشق وما حولها، لا سيما جبل الشيخ والسفوح المجاورة له.
وقال، إن سوريا في حاجة إلى جهود دولية للحد من أزمتها المائية وعلى أكثر من اتجاه بما في ذلك تحلية مياه البحر ومعالجة مياه الصرف الصحي ورفع التلوث عن مصادر المياه الطبيعية، كما هي في حاجة إلى دعم وتمويل لاستبدال شبكات نقل المياه وتأهيل مصادر المياه الموجودة والبحث عن مصادر أخرى وفق منظور زمني يقسم على خطط عاجلة ومتوسطة وطويلة الأمد، وبات من المؤكد أن سوريا ستتقدم مرات عدة في قوائم الدول التي ينخفض فيها نصيب الفرد من المياه ولاحقاً بين الدول الأشد فقراً مائياً ما لم تتضافر الجهود المحلية لترشيد استخدام المياه وتقليل الهدر، مع الجهود الدولية لدعم العمليات الفنية لتأهيل مصادر المياه وخطوط نقلها وكذلك تحلية مياه البحر.
وأوضح أن معظم الأرياف تعاني مشكلة المياه لأن الأولويات في كل الخطط تذهب للمدن على حساب التجمعات الصغيرة التي تغيب عن عين الرقابة وتترك لتصرفات فردية ولا تدخل برامج التوزيع فتغيب المياه عنها لأسابيع من دون أن يكترث أحد.
مصادر المياه في دمشق وضواحيها
تعتمد العاصمة دمشق وريفها في المخزون المائي على نسبة الهطولات المطرية التي تغذي المصادر المائية الرئيسة في كل من نبع الفيجة وآبار نبع بردى وحاروش، ووادي مروان وجديدة يابوس في ريف دمشق.
ويغذي مدينة دمشق وغوطتها نبعان استراتيجيان هما الفيجة وبردى، ويقع نبع بردى على بعد 40 كيلومتراً من العاصمة دمشق، وينبع منه نهر بردى الذي يسير من منطقة وادي بردى في ريف دمشق الغربي إلى الشرق، ويبلغ طوله من منبعه حتى مصبه 65 كيلومتراً، وينضم إليه عند بلدة عين الفيجة نبع الفيجة.
في المقابل، يتدفق نبع الفيجة من سفح جبل القلعة، في بلدة عين الفيجة غرب دمشق، التي تقع على بعد نحو 12 كيلومتراً عن العاصمة، وترتفع عن سطح البحر نحو 890 متراً، وتحيط بها جبال شاهقة، مثل جبل الهوات من الشرق، وجبل القلعة من الشمال، وجبل القبلية من الجنوب.
ويتميز هذا النبع بغزارته ونقاوته العالية، إذ أكدت الدراسات العلمية أن مياهه تعد من أنقى المياه في العالم، نظراً إلى تكونها في طبقات صخرية كلسية طبيعية بعيدة من مصادر التلوث.
المصدر: اندبندنت عربية
تعليقات الزوار
|
|