الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

دراسة توضح نقاط ضعف قطاع التأمين في سورية..وتضع 13 خطوة لتعزيز دوره

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"

دراسة نقدية وتحليلية لأداء شركات التأمين في سورية

يعاني قطاع التأمين في سورية من العديد من نقاط الضعف، الأمر الذي يتطلب بذل جهود كبيرة، تتسم بالجدية والكفاءة، لتحسين أداء القطاع وتعزيز مساهمته في الاقتصاد الوطنيّ وليلعب الدور المنوط به.

هذا، ومن أبرز نقاط الضعف المتعلقة بأداء شركات التأمين، اقتصار حجم أعمالها على أرقام ضئيلة سنوياً، من دون التحرك لمواجهة هذا الأمر على مدار السنوات السابقة منذ تحرير القطاع، لتحقيق أية نقلات نوعية في حجم العمل وإجراء تحولات جذرية في سياساتها وأدائها ومنتجاتها، الأمر الذي أبقاها في موقف تنافسيّ ضعيف، وهذا ما يبرز جليّاً باعتماد أغلب الشركات على التأمينات المضمونة التي لا تتطلب أيّ جهد في التسويق، مثل التأمين الإلزامي للسيارات، الذي يشغل المرتبة الأولى بين فروع التأمين في أغلب السنوات، وهذا دليل صارخ على سوء توزيع المحفظة التأمينية في السوق.

كما أنَّ تركّز جلّ أقساط التأمين في فرعين فقط، (إلزامي السيارات والصحيّ) يُعدّ من أبرز مكامن الخطر على شركات التأمين، ذلك أنَّ فرعي تأمين السيارات الإلزامي والصحيّ، من الفروع التي تتميز بسرعة سداد التعويضات فيها (معدل تكرار حوادث عالٍ) ونسب ربح منخفضة جداً، أي أنَّ معدل الخسارة مرتفع، وغالباً ما يتجاوز 90%.

يترافق ذلك أيضاً مع سيطرة الأفكار والممارسات الكلاسيكية على العمل في سوق التأمين رغم مضي أكثر من 13 عاماً على تحريره، إذ توصف أغلب الممارسات التأمينية بالتقليد الحرّفي لمنتجات التأمين المعروفة في العالم بأبسط صورها، وقد بلغ هذا التقليد حدّ التخلي عن أبسط قواعد ومقوّمات العمل التأميني، رغم أن بنية الاقتصاد السوري تجعل منه بيئة ملائمة لعمل قطاع التأمين وتطوره، وقد كشف تحليل نتائج أعمال الشركات أن عملها يدور ضمن حلقة واحدة من الأعمال (الأخطار) التأمينية، بحيث تتنافس على رقم يكاد يكون ثابتاً من العقود، دون الولوج في تجارب جديدة ومنتجات تأمينية تستطيع لفت الانتباه.

يبدأ حل أية مشكلة من الاعتراف بها، تحديدها، لذا لا بدّ أولاً من تحديد نقاط ضعف قطاع التأمين، كي نتمكن من اقتراح الحلول ثم الانتقال إلى تنفيذها، بشرط توافر الإرادة، القدرة، والثقة بإمكانية تحقيق ذلك، علماً بأنه لا خيار أمام قطاع التأمين سوى اكتساب القوة اللازمة ليتمكن من المساهمة في عملية إعادة الإعمار، والتعامل مع احتمال دخول منافسين جدد في هذا القطاع مع بدء هذه العملية.


بدءاً من عام 2011 حتى عام 2013 ضمناً، تأثرت أقساط التأمين سلباً في أغلب فروع التأمين، ذلك لعدة أسباب، تتعلق بمجملها بالظروف التي فرضتها الأزمة، وأهمها:

•     توقف المصارف عن تمويل شراء السيارات، وبالتالي توقف التأمين الشامل المرتبط بذلك.


•     انخفاض حركة التجارة الخارجية بشكل ملحوظ، ما أدى إلى انخفاض أقساط تأمين النقل (البحري).


•     تباطؤ شديد في حركة الإنشاء والتعمير والمشاريع الهندسية (انخفاض أقساط التأمين الهندسي).


•     انخفاض كبير في أعداد السيارات العابرة للحدود دخولاً وخروجاً (انخفاض أقساط التأمين الإلزامي الحدودي للمركبات العابرة للحدود دخولاً، وأقساط البطاقة البرتقالية للمركبات العابرة للحدود خروجاً).


•     خروج مساحات جغرافية واسعة عن سيطرة الدولة السورية بفعل الحرب، وبالتالي خروجها عن نطاق عمل شركات التأمين.


•     الصعوبات في عمليات إعادة التأمين من حيث وقف العديد من معيدي التأمين العالميين تعاملاتهم مع شركات التأمين السورية، لأسباب أهمها التزامهم بالعقوبات الاقتصادية أحادية الجانب وغير الشرعية المفروضة على سورية، وكذلك من حيث الصعوبات في تحويل الأموال من وإلى سورية.

بدءاً من عام 2014 حتى عام 2017 ضمناً، بدأت أقساط التأمين بالارتفاع تدريجياً، وبشكل بسيط، لعوامل أهمها:


•    الارتفاع الكبير في القيم التأمينية (قيم الأشياء المؤمنة) بفعل التضخم، وبالتالي ارتفاع الأقساط.
•    تأقلم قطاع التأمين مع ظروف الأزمة وامتصاص الصدمة، وبالتالي استخدام بعض البدائل والخيارات المتاحة للتغلب على بعض الظروف.


•    أما الارتفاع الكبير في الأقساط لعام 2017، فيعود سببه إلى ارتفاع "تعرفة" تأمين السيارات الإلزامي (المسؤولية المدنية تجاه الغير) بقرار حكومي.

للأسف، إن الزيادة الحاصلة في تلك السنوات لا تعكس انتعاشاً أو تطوراً في سوق التأمين السورية، والدليل على ذلك الانخفاض المستمر في عدد عقود التأمين عبر هذه السنوات، وكمثال على ذلك، بلغت نسبة انخفاض عدد عقود 2017 نحو 60% عن العام السابق 2016، إذ بلغ عدد الوثائق التي صدّرتها شركات التأمين الخاصة 307.1 ألف وثيقة عام 2017، مقارنة بنحو 779.6 ألف وثيقة عام 2016 ، و704.3 ألف وثيقة عام 2015 .

توجد خطوات عديدة يمكن تنفيذها على المدى القصير، بحيث تظهر تأثيراتها في المدى المتوسط، هذه الخطوات كفيلة بتحقيق تحوّلٍ إيجابيٍّ في واقع ودور قطاع التأمين في الاقتصاد، وكذلك إحداث تأثيرات ملموسة في الاقتصاد والمجتمع، ولأننا لن ندخل في تفاصيل وخيارات فنية تخصصية تسهم في ذلك، فإننا نورد فقط بعض الخطوات العامة والاستراتيجية التي نرى البدء بها، ونعتقد أنها تُسهم نسبياً في تحقيق الهدف المنشود، ومن هذه الخطوات:

1.    زيادة الحدّ الأدنى لرأس مال شركة التأمين، بما لا يقل عن عشرة أضعاف الحدود الحالية: هذا الأمر هو الأكثر أهمية بين هذه المقترحات، إذ إنه يكفل تحقيق الكثير من الإيجابيات، منها:

•    خلق الجِدِّية اللازمة من قبل الشركات لاستثمار أموالها في مجالات تنموية حقيقية بعيداً عن "تخزينها" في المصارف، إذ نعتقد أن كبار أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة حالياً في شركات التأمين السورية لا يبدون الاهتمام المعقول بمقدار عوائد استثمار هذه الأموال أو السياسة الاستثمارية للشركة، وخير دليل على ذلك نسب الحضور في اجتماعات الهيئات العامة للشركات، وانخفاض مستوى تمثيل كبار المساهمين في تلك الاجتماعات.


•    خلق دافع مهم للاندماج بين الشركات، لتحقيق الحدّ الأدنى المطلوب من رأس المال، وهو ما سوف يكسب سوقنا شركات تأمين قوية، ولن نكرر المزايا الجمّة في ذلك.


•    يمنح رأس المال العالي للشركة إمكانية كبيرة لقبول تأمين أخطار بحجم أكبر من الواقع الحالي، وبالتالي تخفيض الحاجة لإعادة التأمين، بما يؤدي تلقائياً إلى انخفاض حجم العملة الصعبة المدفوعة لمعيدي التأمين، كما يؤدي إلى زيادة الأقساط وتحسين شروط التفاوض مع معيدي التأمين.

2.    وضع محفزات للاندماج بين الشركات، حيث تخلو التشريعات الحالية من المحفزات (الضريبية وسواها) في حال اندماج الشركات، إضافة إلى تركيز العمل لأن تكون شركات التأمين؛ شركات مساهمة عامة حصراً بما يساعدها في تأمين رأس المال الكبير عبر المساهمين.

3.    تشريع إمكانية الترخيص لشركات تأمين متخصصة بأنواع تأمين محددة (كتأمين الحياة والصحي).

4.    تعديل الأنظمة الحالية المتضمنة أسس استثمار أموال شركات التأمين، بحيث تُلزَم الشركات بتوزيع قنوات استثمار أموالها، وعدم الاستمرار بتركيز هذه الاستثمارات في المصارف، كودائع.

5.    تفعيل ودعم عمل مؤسسة ضمان مخاطر القروض، كخطوة مهمة على طريق تأمين الائتمان، وبخاصّة تأمين القروض المصرفية، إذ إنَّ تأمين القروض يسهم بشكل فعّال في تنشيطها، ومن الأفضل تركيز هذا التأمين على القروض الإنتاجية الصغيرة والمتوسطة والتي تعد حجر الأساس المناسبة للوصول إلى اقتصاد قويّ، مع الإشارة إلى أنَّ عمل هذه المؤسسة ليس بعيداً عن قطاع التأمين وأسس علم وعمل التأمين، إلا أن الملاحظ خلو إدارتها من أي خبير تأميني أو ممثل عن قطاع التأمين.

6.    بدء العمل بالتأمين الزراعيّ، ونعتقد أن تطبيق التأمين الزراعي بشكل جيد ومدروس كفيل بتحقيق الأمن الغذائي، وكذلك الاستقرار الاجتماعيّ في الأرياف وتنميتها، وغير ذلك الكثير من الفوائد للاقتصاد في قطاعاته الصناعية والتجارية كافةً... وغيرها.

وهنا نذكر أيضاً، أنه تم تأسيس صندوق التخفيف من الكوارث الطبيعية التابع لوزارة الزراعة، كمحاولة لتعويض المزارعين عن خسائرهم الناتجة عن الكوارث الطبيعية، إلا أنه ومع كل كارثة طبيعية يعود الحديث عن عدم كفاية التعويضات الممنوحة من هذا الصندوق، وعن ضرورة إيجاد الحلول لتعويض المزارعين، وقد رأينا مراراً مبادرات الحكومة لسداد تعويضات إضافية ودفعات مالية بشكل عاجل للمتضررين، كان بإمكان التأمين الزراعي، في حال وجوده، حمل هذا العبء عنها، وبالشكل الذي لا يشعر المزارع بحمله، إذ إن أقساط التأمين الزراعي ستكون منخفضة، بحكم المساحات الكبيرة المزروعة والمؤمن عليها.

7.    إعادة هيكلة المؤسسة العامة السورية للتأمين لتكون قائداً للسوق التأمينية ومنظماً لأعماله بما فيه مصلحة كافة الشركات، وتنفيذ الرؤية الحكومية لهذا القطاع، وضرورة أتمته أعمال المؤسسة العامة السورية للتأمين بإنشاء نظام مؤتمت خاص بها يحاكي الأنظمة الموجودة في شركات التأمين العالمية الكبرى، وتطوير التشريعات الخاصة بالمؤسسة بما يؤمن للمؤسسة مرونة أكثر وفاعلية في العمل، والعمل على دعم الملاءة المالية للمؤسسة وتطوير كوادرها.

8.    تفعيل دور المعهد العربي للتأمين، وإقامة دورات تدريبية على مدار العام لعناصر العمليّة التأمينيّة كافةً، وعدم الاقتصار على الجانب النظريّ؛ بل إقامة دورات وورشات عمل ودورات تطبيقية متتالية ضمن خطة عمل سنوية تشارك فيها جميع الشركات والمهتمين والراغبين بالدخول إلى هذا القطاع.

9.    تفعيل دور هيئة الإشراف على التأمين لتشكل مظلة الإشراف الوحيدة على كافة مكونات القطاع دون استثناء، ذلك بوساطة تركيب نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة، كما لا بد من دعم الهيئة بالكوادر المتخصصة، وتوسيع دورها لتشمل الرقابة والإشراف على مكونات القطاع التأمينيّ كافةً دون استثناء، بالإضافة إلى توسيع صلاحياتها ليشمل القدرة على التدخل والمعالجة بوساطة نظام ربط الشركات ونظام التحقق والرقابة وأتمتة أعمال الهيئة والانتقال من الرقابة اللاحقة إلى الرقابة الآنية.

10.    الإسراع بإقرار قانون جديد للـتأمين يراعي متغيرات المرحلة، ويساعد على توسيع السوق التأمينية.

11.    الطلب من الجهات التأمينية المشاركة كافة نشر الثقافة التأمينية عبر كافة وسائل الإعلام والمحاضرات والندوات، وتوسيع التفاعل مع الجمهور ضمن خطة سنوية محددة الأهداف والمراحل والوسائل، تشرف هيئة الإشراف على التأمين عليها وتراقب تنفيذها.

12.    البدء بإقامة تجمعات تأمينية لتقاسم المخاطر كمخاطر التأمين الهندسي والحريق والصحي وغيرها ودعم هذه التجمعات بشكل كبير توفيراً للقطع الأجنبي الذي يتم تحويله للمعيد الخارجيّ.
13.    التواصل مع الجهات الرسمية التي يتداخل عملها مع عمل شركات التأمين لتنظيم العلاقة معها، ووضع أسس للتعاون (القضاء– وزارة الصحة – الطب الشرعي... إلخ).

الاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك