الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

زراعة لبنان تشكو.. الأسواق غرقت بالسلع السورية والتركية

الاقتصاد اليوم:

يشكو المزارعون في لبنان من إغراق الأسواق بالسلع السورية والتركية، التي تتدفق عبر منافذ التهريب، بينما تتراجع قدراتهم في منافسة هذه السلع الأرخص سعراً مقارنة بمنتجاتهم التي يعانون من ارتفاع تكاليفها بسبب التدهور الاقتصادي وتداعيات العدوان الإسرائيلي.

دأبت المزارعة فاطمة التي تمتلك مزرعة صغيرة للخضروات والفواكه على مدار سنوات ماضية على ضمان استمرار العمل في مزرعتها، وتسويق منتجاتها في أسواق بيروت، لكن مع تصاعد عمليات التهريب من سورية وتركيا، بدأت تواجه صعوبة في تصريف إنتاجها، ومنافسة المنتجات المهربة، التي تدخل إلى السوق بأسعار منخفضة.

الحال ذاته بالنسبة للمزارع سامي من منطقة البقاع في لبنان، الذي قال إنه يزرع البطاطا والبصل منذ أكثر من عشرين عاماً، ورغم أنه واجه تحديات عدة مع بداية الأزمة الاقتصادية قبل نحو ست سنوات، إلا أنه يواجه حالياً معوقات أصعب، فقد أصبح من الصعب عليه تصريف إنتاجه بسبب غزو المنتجات السورية والتركية للأسواق اللبنانية، التي تُهرّب بطريقة غير قانوني عبر الحدود، يضيف سامي: "في كل موسم، كنا نبيع محاصيلنا بأسعار جيدة، لكن الآن أصبح من المستحيل بيع البضائع؛ بسبب المنافسة من المنتجات المهربة التي تأتي بأسعار منخفضة"، ومع ذلك، لا يزال سامي يحاول البقاء في السوق، آملاً أن تتخذ الحكومة إجراءات عاجلة لحماية المنتجات المحلية، وقال "إذا استمر الوضع هكذا، فإننا سنخسر كل شيء".

في السياق، صرح رئيس تجمّع المزارعين في البقاع، إبراهيم ترشيشي، أن القرارات التي اتّخذت في الأيام الأولى للإدارة السورية الجديدة كانت جيدة للغاية بالنسبة للبنان، إذ زالت جميع العوائق أمام تصدير المنتجات اللبنانية إلى الأسواق السورية مثل الموز، لكنّ المزارعين فوجئوا بعد فترة بإعادة فرض الضرائب على الموز، بما يعادل 66 دولاراً لكل طن، وهو ما كان معمولاً به خلال حكم النظام السابق بقيادة بشار الأسد، وأضاف ترشيشي أن أسوأ ما في الأمر هو أن التهريب أصبح أسهل وأرخص، إذ يمكن للسيارة التي تنقل البضائع من سورية إلى لبنان دفع عشرين دولاراً فقط، في حين كانت تكاليف التهريب في الماضي تتراوح بين مئة ومئتي دولار حسب الصنف. وبالتالي، انتقلنا من تهريب صعب ومكلف إلى تهريب بسيط، ما يزيد من حضور المنتجات في الأسواق، خاصة المنتجات التركية والسورية التي تدخل الأسواق اللبنانية عبر التهريب فقط، وهو ما يعتبر كارثة على الأسواق الزراعية اللبنانية، مشيراً إلى أن البطاطا (البطاطس) والبصل والفروج (الدواجن) والبيض السوري تغزو الأسواق اللبنانية.

وأكد أن البضائع السورية والتركية تُباع قبل البضائع اللبنانية وبأسعار أرخص، لأن كلفة إنتاجها أقل، ولا يمكننا أن ننسى أن البضائع التي يبيعها المزارع اللبناني هي منتجات جرت زراعتها ومعالجتها في ظروف صعبة خلال الحرب، ما يجعل تكلفتها مرتفعة جداً، في حين أن المنتجات السورية والتركية غير خاضعة للرقابة، ولا يعرف نوعية المياه والأدوية التي تستخدم في إنتاجها.
وفي الحديث عن مراقبة الإنتاج، قال ترشيشي إن "الإنتاج اللبناني يُراقب من وزارات البيئة والصحة والزراعة، ويجب على المزارعين استخدام أفضل أنواع الأدوية لضمان إنتاج سليم، بينما المنتجات التي تأتي بطرق غير شرعية، والتي لا تخضع للفحوصات اللازمة، تدخل الأراضي اللبنانية دون أية رقابة أو رسوم، ما يشكل منافسة غير عادلة للمزارع اللبناني في وطنه".

بدوره، أكد الخبير الاقتصادي وعضو المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنيس أبو دياب، أن المشكلة ليست في تهريب المنتجات السورية فحسب، بل المنتجات التركية أيضاً، وبالتالي فإن عدم خضوع هذه المنتجات للرسوم الجمركية يخلق منافسة غير شرعية، مشيراً إلى أن الحد من التهريب مرتبط بقرار سياسي، وليس فقط بالاتفاقيات، وهو أيضاً عامل أمني، لذلك، يجب على الدولتَين اتخاذ قرار بمنع اجتياز الحدود لأي دولة كانت، سواء من لبنان أو من سورية، ومن الضروري ضبط الحدود لوقف التهريب.

وأضاف أبو دياب أن هناك حاجة فعلية لتنظيم العلاقات التجارية بين البلدَين، وأن مبدأ وقف التهريب يجب أن يُتخذ عاجلاً. وحسب الدراسات السابقة، فإن حجم التهريب في الاقتصاد اللبناني يتجاوز أربعة مليارات دولار سنوياً منذ عام 2022، أي ما يعادل 20% من حجم الاقتصاد، ويؤثر ذلك على الاقتصاد غير الشرعي الموجود في لبنان، الذي ارتفعت نسبته خلال العامين الماضيين بأكثر من 50%، وتجاوز بذلك الاقتصاد الشرعي.

بدوره، قال رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك إنّ جميع المنتجات تدخل عبر التهريب، لأن الحدود بين لبنان وسورية مفتوحة، وكذلك الحدود بين سورية وتركيا، وبالتالي تأتي البضائع دون أي قيود أو رسوم جمركية، ما يؤثر على الإنتاج المحلي، وأضاف أنه لا يمكن للمزارع اللبناني تصريف إنتاجه أو تصديره، وهذا ما يجب أن تقوم به وزارة الزراعة عبر التدخل للحد من هذه الظاهرة.

وأشار إلى أن هناك منتجات كان يجب تصديرها لكنها لم تُصدّر، كما أن هناك منتجات دخلت إلى لبنان وتضاربت مع المنتجات المحلية مثل الحمضيات والموز، ما حال دون تصدير المنتجات المحلية، وأضاف أن عدم التصدير أدى إلى خسائر كبيرة، لافتاً إلى أنّ قطاع الخضار تعرض لخسارة تقدر بحوالى 40% هذا الموسم بسبب التهريب والحرب الأخيرة التي منعت تصريف الإنتاج، ولذلك، على الدولة دعم المزارعين، لأن هناك أمناً غذائياً يجب حمايته، وعلى الدولة التدخل لدعم المزارع في تصريف إنتاجه.

وأشار إلى أن العلاقات التجارية بين لبنان وسورية تشهد في الآونة الأخيرة تطورات غير مستقرة، إذ فرضت السلطات السورية إجراءات جديدة تعيق حركة السائقين اللبنانيين عبر الحدود، مما أثّر على تصدير المنتجات الزراعية اللبنانية إلى الأسواق السورية، لافتاً إلى أن هذه الإجراءات تأتي في وقت يعاني فيه القطاع الزراعي اللبناني من تحديات متعددة، أبرزها ارتفاع تكاليف التصدير، التي تفاقمت في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، وأضاف أنه في ظل هذا الوضع، يواجه المزارعون اللبنانيون صعوبات كبيرة في تصريف منتجاتهم، بينما تتزايد المنافسة غير العادلة نتيجة لتهريب المنتجات الزراعية من سورية وتركيا، ما يهدد استمرارية هذا القطاع الحيوي ويزيد من الضغوط على المزارعين المحليين.

العربي الجديد

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك