الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

زرعت شقاقا بين الصناعي والتاجر وخلقت سوقاً سوداء في مرحلة حساسة..تفسيرات المصالح تتكرر ..فما هو الحل؟

الاقتصاد اليوم:

 غريبة تلك التفسيرات الاقتصادية التي تضع التفرقة بين عصبي الاقتصاد، فمثلا: تم تفسير مرسوم السيد الرئيس بشار الأسد الخاص بتخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية الداخلة في الصناعة على أنه خاص للصناعيين فقط، دون سواهم، ما حمل مفسري هذا المرسوم على نفي التجار بشكل كامل من الاستفادة من ميزات المرسوم المذكور.. بالرغم من أن المرسوم لم يحدد من من حقه الاستفادة من هذه الميزات سواء أكان صناعي أو تاجراً، بل ذكر المواد الأولية التي تدخل في الصناعة، وهذه المواد قد يستوردها الصناعي أو التاجر في آن معاً، ولكن للأسف كان هناك تحيزا واضحا لجهة الصناعي على حساب التاجر، مع الإشارة إلى أن هناك الكثير من التجار عملهم هو استيراد المواد الأولية للمنشآت الصناعية ومتخصصون بذلك أكثر من بعض الصناعيين، وهناك الكثير من الشركات التجارية حاليا تعاني من هذا الأمر، بل وللأسف هذا التمييز بين الصناعي والتاجر فتح بابا واسعا للمتاجرة والسمسرة وسوقا سوداء لبيع إجازات الاستيراد من قبل بعض الصناعيين للتجار، سواء على الوزن أو على قيمتها وبالقطع الأجنبي.

الميل للصناعي دون التاجر يضعف حلقة اقتصادية لا يمكن إغفال دورها الكبير في توفير المواد في الأسواق السورية، على مر سنوات الأزمة، بل ويكون إجحافا بحق التجار الشرفاء الذين استطاعوا بحنكتهم تخطي كل العقوبات الاقتصادية الظالمة التي فرضت على الاقتصاد السوري وجعل السوق السوري لا ينقصه شيء بغض النظر عن الأسعار التي ارتفعت لعوامل كثيرة أهمها صعوبة الاستيراد وفتح الاعتمادات وتذبذب سعر الصرف سابقا.

تجار كثيرون اشتكوا من هذا التمييز، فالصناعي والتاجر عصبي الاقتصاد، والدور الذي يقوم به الصناعي لن يكتمل دون أن يكون هناك تاجر، والعكس صحيح أيضا، واقترح العديد من التجار فتح الاستيراد، لوضع حد لما يحدث في الأسواق، من دخول بضائع مهربة ضارة للمستهلك من جهة وللاقتصاد الوطني من جهة أخرى، فهي تدخل عبر قنوات غير رسمية وغير مراقبة صحيا وكذلك لا تحصل الخزينة العامة أي ضرائب أو رسوم منها، وأكد بعضهم على مبدأ (لكل مجتهد نصيب) ففتح الاستيراد من شأنه كسر الأسعار وتعزيز المنافسة، بين معظم التجار والصناعيين، وتشغيل المعامل والمصانع عبر استيراد المواد الأولية غير المنتجة محليا من مصادر متعددة، وربما بعروض أقل من العروض المتوفرة حالياً..

فتح الاستيراد، من جهة أخرى يعتبر أمر في غاية الخطورة، إن لم يكن مدروسا، وفي ظل الظروف الحالية، فترشيد الاستيراد كان سببا في تعزيز التهريب إلى الأسواق الداخلية، ولكن من جهة أخرى كان أحد عوامل ضبط سعر الصرف، مع الإشارة إلى أن الكماليات لم تفارق أسواقنا خلال سنوات الأزمة وطبعا كلها دخلت إلى الأسواق تهريبا ودفع حقها بالقطع الأجنبي، ما يضعنا أمام معادلة اقتصادية تتميز بحساسية كبيرة، ما بين فتح الاستيراد وترشيده، فالترشيد بنظر بعض التجار عقوبة اقتصادية جعلت من أعماله تتوقف، في حين أن بعض الصناعيين وجدوه رحمة لهم في احتكار السوق بمنتجاتهم والتحكم بالأسعار وفق مزاجهم.

وبما أننا مقبولون على مرحلة إعادة الإعمار فمؤشرات الاستيراد بطبيعة الحال سترتفع، وخاصة أن المصانع المحلية لن تكون قادرة على تغطية متطلبات هذه المرحلة، ولو افترضنا أنها قادرة فهي تحتاج إلى مواد أولية للتصنيع وهذه المواد مستوردة، فهل تستطيع مثلا معامل اكسسورات البناء (خلطات ـ صنابير مياه ـ أنابيب …) من تغطية متطلبات السوق السوري في مرحلة إعادة الإعمار، طبعا لن تستطيع وهذا النوع من البضائع أغلبه مستورد، ومعظم مواده الأولية مستوردة أيضا، إذا الاستيراد بازدياد بقوة الواقع، وهذا من شأنه أن يجعل من وزارة الاقتصاد أن تفكر ملياً بأنها مقدمة على أسواق متعطشة للمواد والسلع، وخاصة مع تحرير كل شبر من الأراضي السورية، وعودة المناطق الساخنة لحضن الوطن، ما يرفع الطلب على المواد والسلع، والتي ربما لن تستطيع المعامل المحلية من تغطية الطلب المتزايد..وهنا نعود لدور التاجر الذي يكمل دور الصناعي في تلبية الأسواق والمعامل بهذه المواد لدوران عجلة الإنتاج وتحريك الأسواق، فاقتصادنا مقبل على مرحلة جديدة والانعاش يحتاج إلى غرفة عمليات جراحية دقيقة، وهذه هي وظيفة وزارة الاقتصاد خلال المرحلة المقبلة، والتي تتميز بحساسية كبيرة في اتخاذ القرارات الصائبة التي تمنع حدوث شرخ بين طرفي المعادلة (الاستيراد وترشيده ـ والتصدير) وبين عصبي الاقتصاد (الصناعي والتاجر).

سينسيريا

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك