سورية بدون حواجز وإتاوات... السلع تتدفق بحرية إلى الأسواق
الاقتصاد اليوم:
عادت السلع لتتدفق بحرية بين الأسواق السورية في مختلف أنحاء البلاد، بعدما اختفت الحواجز الأمنية، التي قطعت أوصال سورية على مدار 14 عاماً، وظلت بمثابة ثقب أسود يفرض من خلاله أفراد نظام بشار الأسد الإتاوات على البضائع، لكن عقب سقوط النظام توارت تلك الحواجز، ما ساهم في تراجع الأسعار بالأسواق، وسط آمال باستعادة المواطنين قدرتهم الشرائية التي انهارت بفعل استنزاف جيوبهم والغلاء.
وكانت إتاوات الحواجز الأمنية لا تفرق بين تاجر وفلاح، إذ كان يجري فرض مبالغ طائلة على كل شاحنة تحمل مواد غذائية تمر عبرها. وقامت "العربي الجديد" بجولة في العديد من الأسواق في مناطق عدة، لتجد أن أغلب المواد الغذائية أصبحت متوفرة وضمن الأسعار الطبيعية.
وقال سليمان عبد الرحمن صاحب محل لبيع المواد الغذائية بالجملة في سوق الهال بالعاصمة دمشق إن "مختلف البضائع باتت متوفرة في السوق.. كانت الحواجز تُقاسمنا أرزاقنا، وهو ما كان ينعكس على أسعار المواد الغذائية، اليوم بدأ الناس يشعرون بانخفاض جزئي في الأسعار، ومع استتباب الأمن ستنخفض الأسعار أكثر".
وأشار سليمان إلى أن القبضة الأمنية التي كانت تطارد التجار الذين يحوزون على نقد أجنبي تسببت في تأزم الأسواق، موضحا: "كنا في عهد بشار الأسد لا نستطيع أن نذكر كلمة دولار فهي من المحرمات، ومن يصل إليه الأمن ويجد في خزنته عملة الدولار تصادر أمواله ويسجن".
وفي سوق الحميدية الدمشقي الأشهر في سورية، وضعت بعض المحلات لائحة أسعار كانت مفاجئة للسوريين، مفادها أنها تقبل التعامل بالليرة التركية والدولار الأميركي إضافة إلى الليرة السورية. التفاؤل الكبير بالمستقبل لدى الناس وتطلعاتهم إلى حياة أفضل دفع طموحاتهم للانطلاق مجدداً والخروج من سجن الانشغال بالطعام والشراب الذي كان مسيطراً عليهم خلال السنوات الماضية بفعل سياسات بشار الأسد.
وعادت أحلام اقتناء سيارة جديدة تداعب البعض، بينما ظلت ممنوعة من الاستيراد لعقد كامل، إذ يحلمون بشراء مركبات بمواصفات حديثة بدلاً من مركباتهم القديمة التي كانت في عهد النظام المخلوع باهظة الثمن مقارنة بدول الجوار. وقال عمار الشولي وهو صاحب مكتب سيارات، إن عدداً كبيراً من رواد المكتب بدأ يسأل عن السيارات الجديدة وموعد استيرادها، على الرغم من عدم وجود أي تصريح رسمي بهذا الأمر حتى الآن.
كذلك أضحت الهواتف النقالة هي الأخرى حاضرة في حديث السوريين، فبعدما كان شراء الهاتف الحديث حُلماً بسبب أسعاره المرتفعة والبعيدة عن متناول عامة الناس، يعتقد سوريون كثر أن بإمكانهم الآن شراءه بعدما رحلت منظومة الفساد.
وقالت المواطنة آلاء نصار إن "شراء هاتفٍ محمول خلال العهد الساقط كان أشبه بالمستحيل، ليس بسبب أسعاره، إنما بسبب ما بات يُعرف بين السوريين بـ"الجمركة" وهي تسجيل الهواتف على الشبكة السورية، حيث فرض النظام أسعاراً مرتفعة أحيانا تفوق سعر الهاتف ذاته.
وأضافت آلاء أنه بعد سيطرة إدارة العمليات العسكرية فوجئ المواطنون بعمل كل الأجهزة على الشبكة السورية دون أن يقوموا بتسجيل هواتفهم، موضحة: "كنت أمتلك هاتفين، أحدهما أرسله لي أخي من الخارج وعندما أردت تسجيل قيده كان المبلغ كبيراً، ويتجاوز قدرتي مما اضطرني إلى الإبقاء على هاتفي القديم من أجل الاتصالات المحلية، وبالأمس بعدما سمعت بإلغاء تسجيل الهاتف على الشبكة، قمت بتشغيل هاتفي دون أي مشاكل".
وأشار الخبير الاقتصادي أدهم قضيماتي إلى أن هناك حالة أشبه بـ"الانفتاح الاقتصادي"، لافتا إلى أن هذا مهم جداً في دوران عجلة الاقتصاد، خاصة أن الكثير من الاستثمارات والصناعات غادرت سورية، وبالتالي الانفتاح، لاسيما على دول الجوار سوف يلعب دوراً بتحفيز المستثمرين على القدوم إلى البلد بدون حواجز إدارية مقيتة.
وشدد قضيماتي، على أن موضوع عودة المستثمرين مهم للغاية للاقتصاد السوري، وترتبط عودتهم بثلاثة أمور مهمة: "أولاً توفير اليد العاملة ومهارتها، ثانياً توفر البنية التحتية اللازمة، وثالثاً الموقع الجغرافي ليسهل النقل إلى كل بلدان العالم، مثل وجود ميناء بحري.. حالياً السوريون في مختلف دول العالم يبدون رغبة بالعودة والاستثمار في بلدهم، ولكن هذه العودة مرهونة بتوافر ما سبق إضافة إلى الأمان والاستقرار السياسي". ورأى أن عودة السوريين سوف تسرع دوران عجلة الاقتصاد بسبب زيادة الطلب لليد العاملة، والتي سوف تساهم في الضغط على الحكومات القادمة لتحسين الأوضاع وتسهيل فرص الاستثمار.
وانقلبت موازين القوى في سورية بعد 54 عاماً من سيطرة الأسد الأب والابن على كل مقدرات الدولة، واليوم تبسط إدارة العمليات العسكرية سلطتها على مختلف الأراضي السورية، لكنها ترث وفق رئيس حكومة تسيير الأعمال محمد البشير تركةً ثقيلة وخزينة خاوية، إذ قال في تصريحات لصحيفة "كوريري دي لا سيرا" الإيطالية قبل أيام، إن "الوضع المالي سيئ جداً.. ليس لدينا نقد أجبني، ولا يوجد في خزائن الدولة سوى الليرة السورية، التي تكاد تكون لا قيمة لها".
لكن حالة التفاؤل التي سادت الأوساط الاجتماعية والاقتصادية ساهمت في نشر حالة من الثقة بعودة الاستقرار إلى البلاد وهو ما انعكس على سعر صرف الليرة التي سجلت تحسناً كبيراً خلال الأيام الماضية، ما دفع أسعار الكثير من السلع إلى التراجع بشكل لافت.
وقبل وصول إدارة العمليات العسكرية إلى العاصمة دمشق امتنعت أغلبية المحال التجارية عن بيع المواد الغذائية لعدم المعرفة الحقيقية لقيمة الليرة، إذ وصل سعر صرف الدولار في بعض المحافظات إلى نحو 40 ألف ليرة، وبيعت السلع الغذائية الأساسية إن وجدت بأسعار مرتفعة جداً، ليصل سعر كيلو السكر الأبيض الواحد إلى 30 ألف ليرة، بعدما كان بقيمة 12 ألفاً، وارتفع سعر الزيت النباتي من 25 ألف ليرة لليتر إلى 65 ألف ليرة لليتر، لكن بمجرد وصول إدارة العمليات العسكرية إلى العاصمة، سجلت العملة السورية تقدماً خاطفاً لتسجل 11 ألف ليرة مقابل الدولار الواحد، قبل نحو أسبوع، بارتفاع بلغت نسبته نحو 72% عن تعاملات ما قبل سقوط النظام.
وبينما سادت حالة من التخبط الأمني بعد هروب رأس النظام، واقتحام عدد من الأفراد مصرف سورية المركزي وعدد من المصارف الخاصة وسرقة ما يمكن سرقته من تلك البنوك، بعث مدير مصرف سورية المركزي رسائل طمأنة للسوريين، بأن رواتبهم وإيداعاتهم بأمان، وأنّ الخزائن الرئيسية لمصرف سورية المركزي آمنة. كما أصدر المصرف المركزي بياناً أكد فيه أنه سوف يستمر في العمل والإشراف على عمل المؤسسات المالية المصرفية وغير المصرفية العاملة وفق الأنظمة النافذة، مُشدداً على أنّ العملة الوحيدة المعتمدة في التداول هي الليرة السورية بفئاتها كافة ولم يتم سحب أي فئة من التداول.
العربي الجديد
تعليقات الزوار
|
|