الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

ضبط مستودعات ومخازن تحتوي على كميات كبيرة من الأنسولين منتهي الصلاحية!

الاقتصاد اليوم:

مخالفات الأسواق كثيرة، وضعاف النفوس من التجار أكثر والمتعاملون معهم كثر ليس في مجال الأغذية والألبسة فحسب بل في مجال الأدوية أيضاً، وبالتالي مخالفات الأغذية لا تقل خطورة عن مخالفات الأدوية لأن الاثنين حاجة أساسية للمواطن لذا تكثر فيها المخالفات ويكثر فيها جشع التجار والمتعاملين معهم في الدوائر الرسمية المعنية لحماية الأسواق وسلامة منتجاتها.

وفي السابق تحدثنا كثيراً عن المخالفات الجسيمة في أسواقنا المحلية واليوم نتحدث عن مخالفة في غاية الجسامة والخطورة ألا وهي «الأدوية» التي هي حاجة كل مريض وتزوير مدة صلاحيتها وفقدان فاعليتها وغير ذلك من مخالفات.

قصة من الواقع

القصة مرتبطة بإحدى الشركات المحلية لصناعة الأدوية ولاسيما مادة الأنسولين وبتاريخ 15/3/2016 ألقت إحدى الجهات المختصة القبض على مجموعة من العاملين لدى الشركة يقومون بتزوير لصاقات مادة الأنسولين وتغيير الصلاحية وهي من إنتاج شركة للصناعات الدوائية لحساب المدعو (م.ح.س) صاحب مستودعات (س للأدوية) في اللاذقية وبعد التحقيقات وتفتيش المنشآت التابعة له من قبل الجهات المعنية الموجود الآن خارج القطر تبين أن هذه المواد معدة للتسليم إلى وزارة الصحة لصالح المشافي العامة حيث تم التعاقد على توريد الآلاف من أنبولات الأنسولين لمصلحة الوزارة ومن خلال الوثائق المرفقة بهذا الاستدعاء وخاصة الكتب المتبادلة بين الشركة المصنعة ووزارة الصحة يتبين أن الوزارة رفضت استلام الأدوية وذلك كون المادة تنتهي صلاحيتها بعد عدة أشهر وكان رد الشركة أنها ستقوم باستبدال المادة بأخرى ذات صلاحية جديدة ولم تقم الشركة باستبدال المادة بل قامت باستبدال اللصاقات وتزوير تاريخ الصلاحية لإعطائه مدة سنة كاملة إضافية ليتوافق مع شروط الوزارة.

نصف مليار ليرة قيمتها

والمهم أن الجهة المختصة التي ضبطت المستودع أعلمت دائرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة بوجود المخالفات وضبط كميات كبيرة جداً من الأدوية ضمن مستودعات غير مرخصة وغير مهيأة لحفظ الأدوية ومن المضبوطات حوالي 200 ألف عبوة أنسولين مزورة تقدر قيمتها بحوالي نصف مليار ليرة.

كما تم إلقاء القبض على المدعو (م.س) وإحالته للقضاء وتضمنت اعترافاته استبدال اللصاقات القديمة بأخرى جديدة تتضمن تاريخ الصلاحية ليتمكن من التعاقد مع وزارة الصحة كما تضمنت اعترافاته أيضاً أن براد الأنسولين غير مرخص وكذلك معمل الأدوية ومستودع خربة الجوزية وجميعها غير مرخصة ومخالفة للقوانين والأنظمة ولاسيما لجهة شروط التخزين وعدم خضوعها لرقابة وزارة الصحة، ومع ذلك لم يتم توقيف الجاني سوى عدة أيام فقط، وتم إخلاء سبيله نتيجة تقاعس وزارة الصحة بالتدخل بالدعوى ليعود لممارسة المهنة واستلام المواد المزورة وإعادة بيعها للمواطنين من دون أدنى رقابة من قبل الجهات المعنية في وزارة الصحة، ومازالت تُباع للمواطنين حتى تاريخه بالصلاحية المزورة..!

تغاض واضح

والأكثر إثارة في الأمر أن وزارة الصحة ممثلة برقابتها الدوائية تغاضت عن الكثير من الإجراءات سواء العقابية أو الاحترازية مع علمها بعمليات التزوير ووجود مستودعات أدوية غير مرخصة وبراد يحوي مئات الآلاف من أنبولات الأنسولين المنتهية الصلاحية غير مرخصة ومخالفة هذه المستودعات للمرسوم التشريعي رقم /24/ للعام 2010 الخاص بتنظيم تجارة الأدوية البشرية والمواد الكيميائية.

مخالفات الصحة

ومن خلال متابعة الإجراءات التي قامت بها وزارة الصحة فقد تبين أنها ارتكبت عدة مخالفات واضحة وصريحة للقوانين الناظمة لصناعة الأدوية وتسويقها تمثلت مخالفتها الأولى: أن الوزارة لم تقم بالتدخل بالدعوى الجزائية كجهة ادعاء شخصي وكان من واجبها التدخل وفق أحكام المادة 32 من المرسوم التشريعي رقم 24 للعام 2010 والمطالبة باتخاذ العقوبات بحق الجاني والمطالبة بحقوق الوزارة والخزينة العامة من التعويضات والغرامات وخاصة المنصوص عنها في المادة 27 من المرسوم 24 للعام 2010.

كما تضمنت المادة 28 من المرسوم المذكور «يعاقب أصحاب المستودعات والمديرون الفنيون المخالفون للقرارات الصادرة تنفيذاً للمادة 16 من هذا المرسوم التشريعي بالغرامة من مئتي ألف ليرة إلى خمسمئة ألف ليرة وفي حال تكرار المخالفة تضاعف الغرامة ويلغى ترخيص المستودع».

علماً أن مضمون المادة 16 تقول: «يجب على المستودعات الالتزام بأنواع ومواصفات المنتجات الطبية والصيدلانية وفق القرارات الصادرة عن الوزارة والجهات المعنية عند الاتجار بها».

والمادة 32 من المرسوم نفسه تقول أيضاً « في غير حال الجرم المشهود يتم التحقيق بالمخالفات الواردة في أحكام هذا المرسوم التشريعي بعد إعلام الوزارة والنقابة المختصة.

مع العلم أن الوزارة حتى تاريخه لم تقم بأي إجراء سوى استلام المادة المخالفة حسبما ورد في الشكوى المقدمة إلى الجهات المعنية والموجود لدينا نسخة عنها

مخالفات قانونية

المخالفة الثانية التي تغاضت عنها وزارة الصحة هي المخالفات القانونية في مستودعات «س للأدوية» وهي التي منحها القانون صفة الضابطة العدلية فيما يخص  الجرائم الخاصة بالمرسوم التشريعي رقم 24 لعام 2010 ومنها عدم وجود مدير فني للمستودع وفق ما اشترطته المادة 9 من المرسوم المذكور حيث نصت المادة 17 منه أن الوزارة تتولى الإشراف والرقابة على المستودعات وذلك للتحقق من تنفيذ أحكام المرسوم التشريعي رقم 24 علماً أن المادة 9 منه نصت حرفياً: «على المدير الفني للمستودع أن يتفرغ للعمل فيه وأن يلتزم بالأنظمة المتعلقة بأوقات الدوام ولا يجوز له مزاولة أي عمل آخر إضافة إلى عمله».

وبالتالي كل هذه الشروط غير متوافرة في المستودعات المضبوطة والتي تعود بالأصل للمخالف.

موافقة على التزوير

والمخالفات الأهم التي ارتكبتها وزارة الصحة موافقتها على فك احتباس مادة الأنسولين المزورة ما سمح بتداولها داخل الأسواق وبيعها للصيدليات ضاربة عرض الحائط بالخطر الجسيم الذي من الممكن أن يصيب المواطن الذي يشتري هذا الدواء الاستراتيجي والذي من الممكن أن يسبب وفاته في حال عدم فاعليته مع العلم أن وزارة الصحة ذاتها أصدرت قبل عدة أشهر التعميم رقم 20876 /31 تاريخ 27/6/2016 والمتضمن أن الوزارة ترى في مثل هذه الأدوية خطراً على الصحة العامة حتى في حال كانت نتائج تحليل تلك الأدوية مقبولة وطالبت بمعاملة هذه الأدوية على أنها مخالفة ويمنع تداولها وطالبت بجمعها و إتلافها.
والسؤال هنا كيف سمحت للمخالف (م.س) باستلام الأدوية المزورة وطرحها في الأسواق وقبلت بتعريض المواطنين للخطر.؟
ومن هو المسؤول عن تداولها؟.. وعلى أي أساس تقوم الوزارة بتقييم حالة الخطر لهذه الأدوية بعد مخالفتها هذه..؟

الصحة تعلم مسبقاً بالمخالفة

وأيضاً من خلال المتابعة لحيثيات العقد الموقع مع شركة (س) للصناعات الدوائية لتوريد مستحضر الأنسولين وبالكميات المطلوبة فقد تبين أن الوزارة لها علم بتفاصيل المخالفة وذلك بموجب الكتاب رقم 11179/31 تاريخ 16/3/2016 حيث تضمن أن مدة صلاحية المستحضر لا تحقق ثلثي المدة المتعاقد عليها وهي الشهر الرابع من العام الحالي حيث طلبت الوزارة من الشركة التعهد بتبديل كميات الأنسولين  الواردة في العقد قبل انتهاء الفعالية بشهر واحد لمرة واحدة بدلاً من ستة أشهر لكون تاريخ الصلاحية حتى 4/2017 والتعهد أيضاً بعدم انقطاع المستحضر وتأمين الشحنات المطلوبة من الأنسولين حسبما تسمح له الظروف في المنطقة المحيطة بالمعمل وأيضاً أن يتم التسليم على دفعة واحدة لكون الكمية كاملة وجاهزة للتسليم وذلك تحسباً لأي طارئ لاحقاً ولكون مدة الصلاحية قصيرة والفترة الزمنية محدودة.  والنتيجة أن الكميات المزورة مازالت تباع في الأسواق المحلية من دون أي إجراء من وزارة الصحة.

ازدواجية واضحة

ولكن للأسف أن المتتبع للتعاميم والإجراءات التي تتخذها وزارة الصحة تجاه ضبطها لسوق الدواء ومعالجتها للمخالفات فإنه يجد تناقضاً واضحاً فيها تارة تطلب من جميع الجهات الصحية والدوائية والمعنية صاحبة العلاقة بسلامة الدواء بضرورة التركيز على المستحضرات الدوائية وسحب العينات من الأدوية المتداولة في السوق المحلية للتأكد من سلامتها وصحتها للاستخدام البشري وتارة تهدد باتخاذ أقصى العقوبات بحق المخالفين وتارة أخرى نجد تساهلاً واضحاً وعدم التركيز في أعمال رقابتها وخير دليل مادة الأنسولين التي مازالت تباع في السوق المحلية على الرغم من مخالفتها وحالة التزوير التي تباع من خلالها حيث تقوم الشركة المصنعة ومندوبوها في تسويق المادة على عين الرقابة الدوائية التابعة للوزارة والرقابات الاخرى المعنية بسلامة الأسواق وما يتم تسويقه من منتجات فيها…

والسؤال الذي يطرح هنا ما المعايير التي تعمل بها وزارة الصحة في عملية ضبطها لسوق الدواء والطريقة التي يتم فيها التأكد من الصلاحية وسلامة الاستخدام؟

وأيضاً لماذا الازدواجية في عملية المنع والسماح فهناك أدوية منع استخدامها في الأسواق ومازالت حاضرة وبقوة فيها خير دليل موضوع المادة المنشورة..؟

والسؤال الأهم كيف يُترك الجناة من دون عقاب حتى تاريخه وليس هذا فحسب بل المنتج مازال يسوق من قبلهم على الرغم من معرفة وزارة الصحة والجهات الرقابية الأخرى بموضوع التزوير وفقدانه الصلاحية..؟

صحيفة "تشرين" الحكومية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك