الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

قانون قيصر.. المجالات الجديدة التي أضافها..والحل الأمثل

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

د. أمل يازجي

مركز دمشق للأبحاث والدراسات "مداد"

انتقل قانون قيصر نُقلةً جديدةً بمصادقة مجلس الشيوخ عليه مؤخراً، ولم يبقَ إلا ذهابه للتوقيع من الرئيس الأمريكيّ ليصبح نافذاً، إن لم يجد هذا الأخير أنَّ تشديد الإجراءات مطلوب، فيصيرُ بمقدوره إعادة القانون للكونغرس ليطلب التعديل، ما قد يمنح تاريخ نفاذه مُدداً جديدة لا أكثر.

قبل تحديد ما يشمله هذا القانون من إجراءات، لا بد من الإشارة إلى أن هذا القانون ركز على قطاعات محددة؛ لكن واسعة، وأعطى السلطة التنفيذية ، تحت رقابة الكونغرس، الحقَّ في تحديد قيام من ترى أنه يقوم بنشاط يحظره هذا القانون لتفرض عليه عقوبات حددها القانون، وترك الكونغرس لنفسه إعادة النظر في كل شيء، ليبدأ سريان التدابير من عقوبات أو تفعيل الإعفاءات بعد 180 يوماً من تاريخ سَنِّ هذا القانون.

كما غيّر القانون الجديد من طريقة تعامله مع الأجنبيّ، فقد حصر إجراءاته ضد الأجانب في أوامره السابقة بمن كان يتعامل مع شخص طالته العقوبات الأمريكية، أما في قانون قيصر فقد وسّع المشرع الأمريكيّ من مفهوم الأجانب لتطال تدابيره كلَّ من يساعد الحكومة السورية، كما أضاف ملاحقة أي "شخصٍ أجنبيٍّ، مقاول عسكريّ، أو مرتزق، أو قوة شبه عسكريّة يعمل عن عمد، بصفة عسكرية داخل سورية لصالح حكومة سورية أو باسمها أو حكومة الاتحاد الروسي، أو حكومة إيران" ، بعد أن كان هذا النوع التدابير يطال سورية وإيران فقط.

وتتنوّع الجهات الحكوميّة الأمريكيّة التي طُلب منها مراقبة أنشطة الحكومة السورية وغيرها من كيانات مرتبطة بهذه الأخيرة، ليكون للسلطة التنفيذية في الولايات المتحدة دور كبير في بناء التقارير التي ستؤدي إلى تفعيل الإجراءات.

1.    بعد المصرف العقاريّ والمصرف التجاريّ السوريّ والتجاريّ اللبنانيّ، استهدفت العقوبات المصرف المركزي ، لاعتبار إمكانية قيام هذا المصرف بعمليات غسل أموال (مادة 101).

2.    العقوبات التي تستهدف الأشخاص الأجانب سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين، أم اعتباريين (شركات)، وذلك بمجرد صدور قرار من الرئيس الأمريكيّ بقيامهم بنشاط محظور في المادة 102/2، ولتغطي الفقرة أ من الفقرة 2 (أي كل يوفر عن علم دعماً ماليّاً أو ماديّاً أو تقنيّاً مهماً للحكومة أو لشخص أجنبيّ يتعاون مع الحكومة السورية وروسيا وإيران في الميدان العسكري في سورية أو أجنبيّ يتعاون مع شخص معاقب من قبل الولايات المتحدة) تغطي كلّ الأنشطة التي لم ترد بشكل واضح في الفقرات ب – ج – د – ه  من المادة 102، أي:

‌أ.    القِطَاع النفطيّ مادة 102/2/ ب.

‌ب.    قِطَاع الطيران دون تمييز واضح بين الطيران المدنيّ والعسكريّ في مادة 102/2/ج، و102/2/ د فيما يتعلق بالطيران الحربيّ.

‌ج.    قِطَاع الإعمار حيث تستهدف المادة 102/2/ ه كلّ من "يقدم عن علم، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو خدمات هندسية مهمة إلى الحكومة السورية".

أما الاستثناءات من الإجراءات التي أوردها القانون ذاته فهي تتعلق "بالامتثال لاتفاق مقرّ الأمم المتحدة" (مادة 102/ب/ 3)، وأنشطة المنظمات غير الحكومية في الميدان الإنسانيّ (المادة 201) ووفقاً للقوانين الأمريكيّة، وبعد "تقديم إحاطة بشأن استراتيجية لتيسير تقديم المساعدة الإنسانية" (مادة 202). إضافة إلى ما ورد في المادة (302/ أ، فقرة 1 و2، والفقرة ب من ذات المادة).

أما تعليق الإجراءات التي أوردها القانون، فهو من صلاحيات الرئيس وبعد توافر الشّروط الواردة في المادة 301، ولمدة لا تتجاوز 180 يوماً، دون أن يكون ملزماً بهذا التعليق إن انتفى أحد أسبابه، على أن يقدم الرئيس إحاطة للجان الكونغرس المتخصّصة بعد 30 يوماً من التعليق.

كما يجوز للرئيس التنازل، في مدّة لا تتجاوز 180 يوماً، عن تطبيق أي حكم من أحكام هذا القانون بالنسبة لشخص أجنبيّ، إذا كان هذا التنازل في مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة.

ثالثاً- كيف تصنّف هذه التدابير وفقاً لقواعد القانون الدوليّ؟

تتراوح المصطلحات التي تطلق على هذه الأحكام الواردة في هذا القانون بين إجراءات أحادية والعقوبات، فهل هي عقوبات أم

إجراءات أحادية قسرية؟
1.    
الحقّ السياديّ للدّول في اتخاذ ما يناسب مصالحها
يحقُّ لأي دولة أن تتخذ ما تراه مناسباً لها من إجراءات إذا كان ذلك لا يتعارض مع التزاماتها الدوليّة والتي تنبثق إما من:

‌أ.    الاتفاقيات الدولية التي هي طرف فيها؛
‌ب.    العرف الدوليّ؛
‌ج.    القواعد الآمرة في القانون الدوليّ.

ويطلق على هذه التدابير في الدّول التي اتخذتها مصطلح العقوبات، ذلك أنها تفرض جزاءات على كلّ من يخرق أحكام القانون الناظم لها، ويطلق مصطلح الإجراءات الأحادية القسرية من قبل الدول التي تستهدفها هذه الإجراءات.

هذا، وبالعودة إلى قانون قيصر، نرى أن المواد 210 و202 و302، قد حاولت تجنيب الولايات المتحدة ارتكاب خرق للالتزامات الدولية، بعد أن قامت الفقرة أ/1 من المادة 302 بمنح استثناء لكلّ ما فيه مصلحة للأمن القوميّ الأمريكيّ أو أجهزة المخابرات الأمريكيّة، دون أن يعني ذلك أنه بالتدقيق لن نجد ما يخرق قواعد ومبادئ القانون الدوليّ، أو حتى الاتفاقيات التي عقدتها الولايات المتحدة والتي تجعل من هذه الأخيرة، وبموجب المادة السادسة من الدستور الأمريكي نصّاً يعلو على التشريعات الوطنية.

2.    منظومة حقوق الإنسان ونواتها الصلبة

تعدُّ الولايات المتحدة الأمريكيّة من الدول القليلة التي تتجنب الانضمام إلى اتفاقيات حقوق الإنسان، خاصة العهد المتعلق بالحقوق الاقتصاديّة والاجتماعيّة والثقافيّة لعام 1966، وحقوق الطفل لعام 1989، إلا أنَّ التدابيرَ الواردة في قانون قيصر، أو جزءاً منها على الأقل، قابل للإثبات أنه يخرق التزامات الولايات المتحدة بموجب أحكام القانون الدولي.
وتتلخص الإمكانيات باللجوء إلى القضاء الأمريكيّ فقط، حيث لا يوجد جهة أخرى يمكن اللجوء إليها للادّعاء أمامها من قبل المتضررين من هذه التدابير.

وهنا لا بدَّ من التنبيه إلى أنه لا اختصاص لمحكمة العدل الدولية مثلاً للنظر في النزاع القائم بين سورية والولايات المتحدة، بسبب أنَّ كلاً من الولايات المتحدة وسورية لم تقبلا بالولاية القضائية الجبريّة للمحكمة في النظر بجميع المنازعات القانونية التي تقوم بينها وبين دولة تقبل الالتزام ذاته فيما يتعلق بتفسير معاهدة دولية. كما من المستبعد أن توافق الولايات المتحدة على عقد اتفاق خاص مع سورية على عرض النزاع على محكمة العدل الدولية للنظر في شرعية العقوبات المفروضة على سورية.

هذا، ورغم أنَّ تطوير مفهوم اللجوء إلى القضاء الأمريكي يحتاج عملاً طويلاً، كما يحتاج إلى مكاتب محامين أمريكيين لرفع الدعوى، إلا أن هذا لا يمنع وبشكل سريع من القول: أن الفقرة ه من المادة 102/أ/2 والتي تنصّ على معاقبة كل من: "يقدِّم عن علم ، بشكل مباشر أو غير مباشر، خدمات بناء أو هندسية مهمة إلى الحكومة السورية"، تخرق حقّ الشعوب في تقرير مصيرها الذي جاء النصُّ عليه في المادة الأولى  من العهد المتعلّق بالحقوق المدنيّة والسياسيّة، والذي انضمت إليه  الولايات المتحدة الأمريكية، إضافةً إلى المادة السادسة من ذات العهد والمتعلقة بحقّ الحياة   وفقاً للاجتهاد الدوليّ الذي جعل من الحياة الكريمة جزءاً من حقّ الحياة.

من جهة أخرى، يشكل التدقيق في بعض مواد الإعلان الأمريكيّ لحقوق الإنسان لعام 1948 ، وميثاق منظمة الدول الأمريكية في المواد المتعلقة بحقوق الإنسان مجالاً لإعمال مخالفة قانون قيصر للمادة السادسة من الدستور الأمريكي .
3.    خرق لمبادئ وآليات منظمة الأمم المتحدة
إنَّ سورية والولايات المتحدة الأمريكية عضوان في المنظمة الأممية والتي عهد إليها بالمحافظة على الأمن والسلم الدوليين، والمحافظة على حقوق الإنسان، وحدّد ميثاقُها نظاماً دقيقاً لفرض العقوبات جاءت في الفصل السابع منه.

غير أنَّ الوسائل الواقعية معدومة في تفعيل شكوى أو مشروع قرار يدين الإجراءات الأحادية، ما يقلل من الأهمية الواقعية للجوء إلى الأمم المتحدة في ظلِّ توازن القُوى الموجود في هذه المنظمة.

رابعاً- التأرجح بين السياسة والقانون والحلّ الأمثل

تتطلبُ المواجهة خلق حلول على عدّة مستويات تستطيع الدولة على أساسها رسم سياسات تنطبق على هذا النّوع من التشريع، وغيره من التشريعات، التي تتضمن سياسات عقابيّة. وتتنوّع هذه الحلول بين قانونية وسياسية واقتصادية، منها مثلاً يمكن ذكر:

1.    على الصعيد القانونيّ: تشكّل دراسةُ متأنية للوسائل التي سيتم التنبيه إليها، باباً لا بدّ من التفكير الجِدِّي بالقيام به، رغم أن التكلفة المالية عالية، لكنها ستكون خطوات ممكنة، ولها نتائج إيجابيّة بصورة أكيدة. هذا وتتطلب مسألة اللجوء إلى القضاء الأمريكيّ، وهو القضاء الوحيد المتاح الآن، توافر عدة إمكانيات:

‌أ.    القيام بدراسة معمّقة للنظام والإجراءات في الولايات المتحدة، ومعرفة مدى قدرة الأشخاص من غير المواطنين على رفع دعوى في الولايات المتحدة وبأيّ شروط، أم أنّه يكفي لمنظمة غير حكومية (جمعية) أن تتبنى الادعاء لصالح المجتمع الأمريكيّ الذي يخرق قانون من قوانينه الدستورَ الأمريكيّ.

‌ب.     أن يكلف مكتب محاماة سوريّ بمتابعة الملف من تاريخ صدور القانون، بالتعاون مع محام أمريكي، للطعن في كل مرحلة من مراحل تطبيق القانون، وخاصة في 180 يوماً المهملة التي تسبق بدء سريان القانون للطعن فيه، وملاحقة كل أمر تنفيذي والطعن فيه.

‌ج.     وجود لائحة من مكاتب المحاماة الأمريكية، التي تعمل في المجال الدوليّ، والتي تملك متخصصين في القانون الدوليّ لحقوق الإنسان، أو لديها خبرات سابقة في قضايا الدفاع عن حقوق مهاجرين أو الطعن بتشريعات تمييزية.

في هذا الإطار، يمكن أن نشير إلى ما قدّمه ألفريد دي زاياس، المقرّر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بإقامة نظامٍ دوليٍّ ديمقراطيٍّ ومنصفٍ، فقد قال: إنَّ العقوبات الاقتصادية الأمريكية على فنزويلا ترقى إلى مستوى الجرائم ضد الإنسانية "مشيراً إلى أن أفقر الطبقات الاجتماعية من السكان هي التي تعاني (من هذه العقوبات)، وتموت بدون مواد غذائية أو أدوية" ، لتشكل في هذا الإطار مجموعة العقوبات –وآخرها قانون قيصر– قاعدة مشابهة لما كان أساساً لتوصيف العقوبات على فنزويلا بأنها جرائم ضد الإنسانية.

‌د.     تأسيس مكتب استشاري ، لا يقتصر عمله على متابعة هذا الموضوع فحسب؛ بل يتابع كل القضايا الأخرى، والتي تحمل الدولة السورية التزامات مادية ثقيلة، قضايا تترك في الغالب دون متابعة، ما يعطي انطباعاً بأنَّ الدّولة غير قادرة على مواجهة ما تتعرض له من ضغوط، الأمر الذي يضرّ من جهة بسمعة وهيبة الدولة، ومن جهة أخرى يزيد من الخناق المفروض على شعبها، مع كلّ ما يتركه طول الحصار من تأثيرات سلبيّة فيه ... ليست كل القضايا رابحة؛ لكن عدم المقاومة هو خسارة حتمية.

2.    على الصعيد السياسيّ: يشّكل الحلّ السياسيّ وفق منظور تقاسم المصالح الذي سعت إليه الولايات المتحدة وبشكل صريح في هذا التصعيد الأخير، هدفاً سياسيّاً يفرض نفسه لا يمكن له أن يغيب عن ذهن واضع الحلّ والآخرين من المشاركين في الصّراع على سورية.

وتشكل مدّة سريان هذا القانون، خمس سنوات، أي المدّة التي أشارت الولايات المتحدة إلى أنه لا حلَّ سياسيّاً قبلها، وحتى أن أي حل سيؤدي إلى توقف العقوبات وليس إلى إنهائها، والسبب يعود حتماً إلى أنَّ تعقيد الملف السوريّ، والنظرة البراغماتية للأمريكيين، جعلا الأمريكيين يعطون أنفسهم مدّة كافية لممارسة ما يستطيعون من ضغط، في ظلِّ انعدام أيِّ مقاومة لهذا النّوع من التدابير، ومعرفتهم أن موازين القوى على المستوى الدوليّ لن تسمح بخرق سياسيّ يضع مصالح وحسابات الأمريكيين خارج المعادلة.

على أنَّ تأخُّر ملامح الحلّ السياسيّ لا يساعد أيضاً في تقدّم قضية استقرار المنطقة، والتي على ما يبدو ستبقى في المعدّل المتوسط لطول هذه النزاعات والتي تتراوح بين عشر سنوات وخمس عشرة سنة.

3.    على الصعيد الاقتصاديّ: قد تشكّل شركات الـ offshore حلاً مؤقتاً لسدّ بعض الحاجات الملحّة، لكن لا بد من التنبيه إلى أنَّ هذا يزيد من عدم الشفافيّة وإمكانيّة ارتفاع نسب الفساد، ودون أن يستطيع هذا الحلّ وسط هذا التكالب الدوليّ، أن يكون الحلّ الأمثل لمسألة إعادة الإعمار.

علماً بأنَّ بعض الاقتصاديين يشكك في فعّاليّة هذه الشركات، لأنه لا بدَّ أن تفتح حسابات مصرفية بالدولار الأمريكيّ أو حتى باليورو، ما سيجعلها عرضة لا محالة للعقوبات، ولأنَّ التعامل النقديّ وبدون خطوط ائتمان صعب جداً، ليفضل هؤلاء إقامة شركات سوريّة مع الدّول الصديقة المهتمة بالتعاون مع الجمهورية العربية السورية (الصين، روسيا، إيران) لا تعتمد الدولار في تعاملاتها (وليس مجرّد توقيع اتفاقيات، بل تفضيل العقود المدروسة عمليّاً).

تشكل هذه الورقة نظرةً سريعةً لما يمكن أن يكون عليه الوضع فيما يتعلق بقانون قيصر، والذي تصور المشرع الأمريكيّ أنه يحتاج لخمس سنوات ليبلغ الهدف المرجوّ منه، ليبقى الحلّ السياسي المرتقب هو أول الحلول التي يمكن أن تخفف من حدّة تدابير لا تنتهي، ولن تنتهي للأسف... إذ ستستمر موجات التصعيد في الصّراع على سورية من قبل كل الأطراف...

الاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك