قبل التربية.. كانت الثقافة بسنوات..رسوم أطفال قطع الرقاب بالسيف ونساء عاريات الصدر!
الاقتصاد اليوم:
لم يخرج النقاش الدائر حيال ما تضمنته المناهج التربوية الجديدة من أخطاء وملاحظات، عن كيل الاتهامات الحادة والمطالبة بإعفاءات بالجملة، في حين أن قضية المناهج المثارة أعمق بكثير من مجرد اختصارها بشخص أو بموقف ذاتي أو برأي سياسي.
فما حدث يؤشر إلى طبيعة الخلل المؤسساتي، الذي تعاني منه مؤسسات الدولة وجهاتها العامة، والخطورة التي بات يشكلها ذلك الخلل، ليس على مستقبل هذه المؤسسات فقط، وإنما على المجتمع ككل.
إذ إن ماهية الأخطاء البسيطة، التي عجزت عن اكتشافها لجان متخصصة قضت أشهراً في الاجتماعات والتقييمات، واستطاع جمهور "الفيسبوك" ضبطها منذ اليوم الأول لتوزيع كتب المنهاج الجديد، تظهر حجم الضعف واللامبالاة والترهل في تنفيذ العمل.
وعلينا هنا تذكر معلومة مهمة، وهي أن المناهج التي جرى تطويرها ما قبل الأزمة تضمنت هي الأخرى أخطاء، وسجلت عليها ملاحظات عديدة، قد لا تكون بالمستوى نفسه الحاصل حالياً، إلّا أن ذلك يؤكد ما نذهب إليه من أن مشكلتنا الرئيسية هي مشكلة مؤسساتية بالمقام الأول.
*مشكلة عامة!
وكيلا يعتقد البعض أن هذه المشكلة المؤسساتية حكراً على وزارة التربية، نسوق النموذج الثاني لـ"الفوضى" التي تعيشها مؤسساتنا، والتي كنا نعتقد أن أزمة البلاد المستمرة منذ العام 2011، ستجبرها على إعادة "هندسة" أوضاعها وأعمالها لتكون بمستوى يمكنها من مواجهة تحديات الأزمة والتعامل معها بمسؤولية وطنية.
ففي العام 2015، أصدرت وزارة الثقافة وعبر الهيئة العامة السورية للكتاب العدد 79 من كتاب مجلة أسامة الشهرية، وتضمن مجموعة حكايات تراثية أراد من خلالها الدكتور شوقي المعري إطلاع اليافع على تراثه بغية تحقيق أهداف تربوية واجتماعية.
إلى هنا يبدو الأمر إسهاماً طبيعياً لوزارة الثقافة في تنفيذ مهامها بنشر الثقافة وتشجيع اليافعين على القراءة، لكن المشكلة تظهر في الرسوم المرفقة مع كل حكاية، والتي يبدو أن اختيار فكرتها وشخوصها تم بشكل عشوائي ومن دون أدنى مقاربة للأهداف والغايات المراد تحقيقها من تدعيم الحكاية بالصورة أو الرسم، والأهم هو الظرف الذي تعيشه البلاد، والفكر الذي تحاول بعض الأنظمة نشره في سورية عبر مشاهد الإعدام بحد السيف والصلب بالساحات، وعبر المناهج الرافضة للعلم وللآخر والمشجعة على القتل والإقصاء.
فمثلاً.. هل يعقل أن ينشر في كتاب موجه لأطفال سورية اليافعين رسم يجسد عملية الاستعداد لقطع رأس إنسان بالسيف؟!
حدوث هذا الأمر يدفعنا لطرح تساؤلات عديدة أبرزها: ما الهدف المراد تحقيقه من تلك اللوحة المرسومة؟ ثم أليس هناك في كل تفاصيل الحكاية المختارة ما يستحق أن يرسم سوى حادثة التهديد بإعدام شخص؟.
ثم هل يعقل أن يكون السيف حاضراً في خمسة رسوم من أصل عشرين رسماً تضمنها الكتاب؟ وما الغاية من رسم يصور شخصاً بمنظر مقرف يضع في عنقه قلادة من العظام والخرز؟.
الأخطر من كل ذلك، أن يصل الإهمال وعدم التبصر إلى مجلة شهرية تخاطب الطفل السوري ونقصد مجلة "أسامة"، ففي عددها 712 الصادر في العام 2012، وضمن الرسوم المرفقة لملحمة جلجامش ثمة رسومات لفتيات عاريات الصدر تماماً!.
وليس هذا فحسب، فالعدد الذي يليه ورقمه 713 لم يكن أفضل من سابقه، إذ اختتمت الحلقة الثانية من ملحمة جلجامش بصورة تحمل كثيراً من التأويلات، التي من دون شك لا داعي لها، ولا تقدم للقصة أي قيمة مضافة سوى إثارة تكهنات غير أخلاقية.. فهل محاربة التطرف تكون بهدم جدار الأخلاق والقيم؟ وما الأفكار التي حاولت تلك الرسوم نشرها؟ ثم هل يعقل أن كل حلقات الرقابة، التي عادة ما تتهم بعرقلة حرية المبدع وتقييد فكره، لم تستوقفها تلك الرسومات وتناقشها بعقل مفتوح؟
*مسؤولية شاقة!
على خلاف كثيرين، فإن تسرب العديد من الصور والرسوم المهددة لبنية الهوية البصرية المراد من خلالها مخاطبة الطفل السوري وتنشئته عليها، ليس بالعمل المقصود ولا يمكن تحميله أكثر مما يحتمل في بلدنا، إذ إن النقطة الجوهرية تكمن في غياب الاستراتيجية المؤسساتية وعدم الاتفاق على شكل ومضمون الهوية البصرية الموجهة للطفل، وإلّا فليقدّم أحد المسؤولين عن مجلة "أسامة" توضيحاً عن الغاية من نشر ملحمة جلجامش والأهداف المراد تحقيقها من ذلك!.
حسب رسام الكاريكاتير نضال خليل فإن "الرسوم الموجهة للطفل تنضوي على معادلة ثلاثية الأطراف صعبة ومعقدة للغاية، لدرجة أن الرسام يأخذ مرة دور الطفل، ومرة دور الكاتب، وثالثة دور الأهل".
ويضيف: كلما كانت العناصر سالفة الذكر مكتملة كلما كانت أكثر تأثيراً على مدارك الطفل وسلوكه، إذاً يجب على الفنان أن يحاول بالخط واللون والانفعال جعل الطفل يشعر أنه بطل القصة النبيل، وبالتالي أن يستنهض كل حواسه لفهم الرسالة المراد إيصالها له، وهنا يتم تصعيد السلوك نحو القيم الإيجابية التي يحرص المجتمع على غرسها داخل أبنائه، فيحاول الطفل تقمص شخوص القصة.
ولهذا، فثمة تحذير متزايد من خطورة انحراف الرسوم والصور الموجهة للأطفال عن القيم النبيلة، وهذا أمر شكل محوراً لدراسات وإصدارات كثير من الجهات العامة والخاصة في سورية، انطلاقاً من حرصها على التنشئة الاجتماعية السليمة للطفل، لكن ثمة بون واسع بين ما يقال ويرسم على الورق وبين ما ينفذ.. هنا يحذر الكاتب والفنان سعد القاسم من تأثيرات ما يوجه للطفل، مشراً إلى أن الحوارات التي دارت "في مسلسل كوميدي بريطاني أنتج في سبعينيات القرن الماضي بين مجموعة من الطلاب الأجانب الذين يدرسون اللغة الإنكليزية في لندن، حيث يحرص مدرّسهم على طرح مواضيع حياتية للنقاش، وفي إحدى الجلسات يطلب ملاحظاتهم حول أثر الصورة التلفزيونية في زرع السلوك العنيف، فيقدم طالباً آسيوياً مثالاً مفزعاً عن فيلم يتم فيه قطع رأس الشخصية ثم شنقه ثم حرقه ثم سحقه تحت آلية عملاقة.
وحين يسأل المدرّس مستغرباً عن اسم هذا الفيلم يجيب الطالب الآسيوي: توم وجيري.
ويضيف القاسم: وفي السنوات التالية لاحظ كثير من الدراسات انتقال أعمال الأطفال من عالم الجمال والوداعة إلى عالم البشاعة والعنف، وحتى القتل والإجرام.
حيث استبدلت الشخصيات الأساسية التي كانت تستوحى من الحيوانات اللطيفة، والأشخاص الطيبين الأبرياء، بالمقاتلين الدمويين والمصارعين الشرسين والرجال "والنساء" المتميزين، فقط، بالقوة العضلية الهائلة، من دون أي مشاعر إنسانية، أو قيم نبيلة.
وبالتالي تم تكريس القوة والعنف والشراسة كقيمة عليا على حساب كل القيم التي كانت أساس الأعمال الموجهة للأطفال.
*القوة المنفلتة!
ليس من المبالغة القول: إن النصوص الموجهة للطفل السوري، وأياً كانت وسيلة الاتصال المكلفة بنقلها، يجب أن تخضع لعملية طويلة من النقاش والتحليل العلمي، بحيث تتم صياغة هوية بصرية موحدة تلتزم بها جميع المؤسسات والجهات المعنية بشؤون الأطفال، وللأسف هذا حالياً غير متوافر، فمثلاً إلى اليوم ليس هناك رؤية عملية لسبل تناول القضايا التي أثرتها الحرب والمؤثرة على الطفل السوري، الذي لايزال عرضة للتأثر بما هو مستورد.
وحسب الكاتب والفنان القاسم فإنه "حتى من دون دراسات عميقة يستطيع الإنسان أن يفترض النتائج التي سيحصل عليها من انتقال أدب وفن الأطفال، من ترويج شخصيات مثل "ميكي، وبطوط، وبندق، وعبقرينو، وكوكا، وسندريلا، وسنو وايت والأقزام السبعة، والأميرة النائمة، وساندي بل، وهايدي.." وسواها من الشخصيات التي ابتكرها أدب الأطفال العالمي، إلى شخصيات بدأت من سوبرمان وباتمان، "وباقي الجماعة" كانت رغم كل عيوبها، تنتصر للخير بشكل ما، إلى شخصيات لاميزة لها سوى القوة المنفلتة من سيطرة العقل والأخلاق".
زياد غصن
صحيفة الأيام السورية
تعليقات الزوار
|
|