قلة التوظيفات حولت المصارف السورية إلى صناديق أمانات
الاقتصاد اليوم:
بلغ حجم الودائع في المصرف التجاري السوري وفق آخر البيانات المتوافرة فقد 627 مليار ليرة سورية بالشقين العام والخاص، وقد وصل إجمالي رصيد ودائع مصرف التوفير التراكمي إلى 123,6 مليار ليرة سورية حتى العام 2014، أما في القطاع الخاص، فقد ازدادت موجودات المصارف الخاصة خلال الستة أشهر الأولى من عام 2015 ازدادت عن عام 2014 بمعدل 15%، وتجاوزت عام 2010 بمعدل 85%، وتراكم جزء هام من الأموال التي يربحها كبار الرابحين، كإيداعات في خزائن المصارف الخاصة بشكل متصاعد، حيث بلغت خلال النصف الأول من عام 2015مبلغا قدرة 531 مليار ل.س بزيادة 22.5% عن 2014، وزيادة 400% عن 2010، حيث كانت تبلغ: 107 مليار ل.س عدا عن حجم الودائع في المصارف العامة التي بلغت أرقاما كبيرة، بحسب ما ذكرته وسائل إعلام محلية.
مقابل هذه الزيادات في الأموال المودعة، فإن هذه المبالغ لا تدخل حيز التشغيل والإنتاج في الظروف الحالية ورغم ما أطلقته المصارف العامة من قروض تشغيلية وقروض للسلع المعمرة فإن الإقبال على هذه القروض كان في حدوده الدنيا بسبب الشروط المفروضة من المصارف.
وهنا لا بد من طرح سؤال: على الرغم من زيادة الودائع في المصارف هل تم توظيف هذه الودائع على الوجه الأمثل من خلال طرح قروض توازي هذه الودائع، وهل القروض التي أطلقتها المصارف العامة مؤخرا تناسب هذه الودائع..وماذا عن رفع معدلات الفائدة على الحسابات الجارية والودائع لأجل؟.
الودائع لا تناسب حجم التسهيلات والقروض
الباحث الاقتصادي الدكتور نضال طالب في تصريحه لـ«سينسيريا»، أن المصارف السورية منذ مرحلة ما قبل الأزمة وبحسب التقارير الاقتصادية الصادرة تملك ودائع كبيرة لا تتناسب مع حجم القروض الممنوحة حيث توجد ودائع معطلة لا يتم استثمارها، و يمكن أن تصل نسبة التوظيفات في أفضل الأحوال إلى ( 60% ) وهذه النسبة لا تعكس الدور الاقتصادي المنشود من قبل المصارف في التنمية الوطنية.
وأما مرحلة الأزمة أفرزت الكثير من القضايا المتشابكة والمعقدة الحل فمن جهة تم سحب الكثير من المدخرات المصرفية، و من جهة أخرى تراجعت بنسبة كبيرة الاستثمارات والتوظيفات المصرفية وانخفض سعر صرف العملة المحلية، مما جعل جميع القرارات ذات الصلة بالسياسة النقدية قرارات صعبة و ذات منحى تجريبي.
وبحسب مصادر إحصائية فإن مجموع الودائع لدى المصرف التجاري السوري على سبيل المثال بلغت /615٫144 / مليار ليرة سورية لغاية شهر تشرين الأول من عام 2015، وبلغت التسهيلات الائتمانية بالمقابل نحو/ 361٫277/ مليار ليرة سورية.
ومن ناحية ثانية اقتصادياً يجب ربط رفع معدلات الفوائد على العوائد المصرفية بازدياد حجم التوظيفات إلا أن الواقع يؤكد ضعف التوظيفات في المصارف العامة و الخاصة إلى الحدود الدنيا، وأهم التوظيفات المصرفية في سورية هي التسهيلات الائتمانية وبعد توقف المصارف عن منح هذه التسهيلات نتيجةً للظروف الحالية التي يمر بها الاقتصاد، واجهت المصارف مشكلة كبيرة في احتفاظها بسيولة كبيرة و هي ستقوم بسداد فوائد مدينة لأصحابها في حين أنّها لا تستطيع أن توظفها للحصول على فوائد دائنة لتزيد من أرباحها، وفي حال عاودت هذه المصارف منح التسهيلات الائتمانية فسينعكس رفع معدلات الفوائد على أسعار القروض الممنوحة أو تكاليف هذه القروض الأمر الذي سينعكس في النهاية على ارتفاع تكاليف المنتج أو الخدمة.
مقترحات..
قال طالب”على إدارات المصارف العامة و الخاصة أن تتأقلم مع الظروف الاستثنائية التي تعصف بالاقتصاد السوري، وأن تعمل على خلق منتجات مصرفية خاصة وذلك لتتفادى أية خسائر محتملة كان من الممكن أن تحصل عليها لتضعها بين أيدي المساهمين و أصحاب رؤوس أموال هذه المصارف، وباعتبار أن الفوائد لا يمكن التحكم بها إلى ما لا نهاية فهي محكومة بفوائد عالمية، من المفترض أن يكون لدى المصارف جرأة أكبر في زيادة التوظيف و فتح الباب للتسهيلات الائتمانية، وهنا يأتي دور المصرف المركزي للتدخل في حال نقص السيولة فيقوم بضخ السيولة اللازمة لضمان الاستثمارات وتأمين معاً معادلة لا يستطيع المصرف الخاص أو العام لوحده أن يقوم بها، وبالتالي تصبح هناك علاقة تبادلية تشجع المواطن الذي بدوره سيقوم بالاستثمار، وكذلك تشغل المصارف، وتقوم بالاستثمار أيضاً”.
وبالنسبة لرفع سعر الفوائد على الودائع، أوضح الباحث طالب، أنه في العموم وضمن ظروف حياة اقتصادية عادية تعتبر خطوة رفع أسعار الفوائد على الودائع المصرفية ضمن أي اقتصاد خطوة إيجابية نحو استقطاب مدخرات الشركات والأفراد غير المستثمرة، و تستخدمها المصارف عادةً كأداة تشجيعية تقوم من خلالها بجذب هذه الإيداعات مقابل منحهم فوائد عليها لتعمل على توظيفها في قنوات استثمارية متنوعة بهدف الحصول على عوائد من هذه الاستثمارات وتحقيق أرباح، إلا أن الظروف التي يمر بها الاقتصاد السوري من انخفاض سعر صرف العملة المحلية وما أفرزته العقوبات الاقتصادية المفروضة على قطاع الإنتاج والاستثمار وغياب محفزات الاستثمار جعلت الوضع السوري استثنائي ويحتاج إلى قرارات استثنائية.
تأخر برفع أسعار الفائدة
وأشار إلى أن حزمة القرارات التي اتخذها مصرف سورية المركزي والتي عرفت ” بحزمة الإصلاحات” وعلى رأسها القرار القاضي برفع أسعار الفائدة على الودائع بالعملة السورية، ووضع ضوابط على سعر الفائدة بالعملة الأجنبية، تستهدف بالدرجة الأولى معالجة انخفاض سعر صرف العملة المحلية، و هي ليست لحماية المودعين والمساهمين بالتأكيد، ولو كانت كذلك لشهدناها منذ سنوات وقبل سحب الكثير من المدخرات، و لعل مثل هكذا خطوة كانت ذات تأثير ايجابي أجدى لو أقرت في بداية الأزمة، لأن الادخار يتأثر كأي متغير اقتصادي بالاستقرار السياسي والأمني، و يلجأ الناس في الحروب إلى سحب مدخراتهم من الجهاز المصرفي، وتسبب زيادة السحوبات أزمة سيولة (أزمة مصرفية)، وهو ما يعرف بالأزمة المزدوجة التي تعد من أشد أنواع الأزمات تأثيراً على الاقتصاد الوطني، ولقد ثبت أنّ الوضع في سوريا لم يكن بعيداً عن هذا السلوك، إذ عمد الكثيرون إلى سحب أموالهم، من دون أن يسبب ذلك أزمة مصرفية، والسبب مساهمة القطاع العام السوري في الجهاز المصرفي. و لذلك كانت هذه الخطوة في حينه أعطت نتائج جيدة كون حجم الإيداعات كان بكامل نسبته و أما الآن و بعد مرور ما يقارب الخمسة أعوام على الأزمة السورية، و بالنظر إلى حجم الودائع قبل وبعد بداية الأزمة، نلاحظ انخفاض ودائع الأفراد مع الإشارة إلى أن النسبة الأكبر من الأفراد في سوريا يميلون إلى الادخار خارج المصارف، حيث لا تمثل ودائع الأفراد أكثر من 20% من إجمالي الودائع في المصارف. وغالبية هذه الودائع، ليست بالمبالغ الكبيرة، ونسبة كبيرة منها سحبت ليس بهدف الحفاظ على قيمتها، بل بهدف تأمين احتياجاتهم اليومية، بعد ارتفاع تكاليف الحياة على نحو كبير.
وأضاف: “كما أن موضوع الإدخار مرتبط ارتباط مباشر بثقة المواطن بالعملة المحلية. و للأسف التجربة و بكل صراحة تثبت بان الأفراد الوطنيين الذين وثقوا بتصريحات و تطمينات المسؤولين عن السياسة النقدية في البلد. هم من دفع الثمن و الكلف من قيمة مدخراتهم”.
رفع الفائدة دون توظيف سيحول المصارف إلى صناديق
ولفت إلى أنه من الممكن أن نشهد تأثير بسيط على المدى القصير بجذب جزء من المدخرات المتبقية ضمن قنوات الاقتصاد الوطني إلا أن هذه القرارات لم تأخذ بالحسبان الآثار الجانبية والمنعكسات المستقبلية على المدى الطويل كون رفع معدل الفائدة على الودائع دون أن يترافق بعملية توظيف لهذه الأموال سيجعل من المصارف السورية عبارة عن صناديق نقدية لتكديس الأموال غير الموظفة، و في أفضل الأحوال و حين قيام المصرف بتوظيف الودائع و منح التسهيلات الإئتمانية فسوف يرفع كلفة القروض بشكل مرافق ( نتيجة لارتفاع الكلفة).
ونوه إلى أنه من جانب آخر لا بد من الفصل أو التمييز بين معضلة سعر الصرف و بين السياسة النقدية على المدى القصير والطويل الأجل، حيث أنه يمكن للسياسة النقدية أن تقوم بتحريك سعر الصرف بالاتجاه المطلوب وتحدث الأثر الايجابي في الأجل القصير، أما في الأجل الطويل، فإن اتباع المصرف المركزي سياسة نقدية تعتمد معدل فائدة منخفض، سوف يحقق استقراراً في سعر الصرف، ولكن يجب أن يترافق ذلك مع مراقبة دقيقة لمعدلات التضخم و استخدام أدوات مغايرة لمعالجة تذبذب سعر الصرف.
وأشار إلى أن أهمية معدلات الفائدة تكمن في كونها أحد الأهداف الوسيطة التي تستطيع السلطة النقدية استخدامها، خاصةً في ظروف اقتصاد بلد نام ٍمثل سورية، ويلاحظ المتتبع لتطور معدلات الفائدة استمرار دور العوامل الإدارية في تحديد قيم المتغيرات النقدية، ومنها قواعد التحديد الإداري لأسعار الفائدة، كشكل من أشكال سياسات الكبح المالي، ما أوجد فجوة بين أسعار الفائدة الإسمية وأسعار الفائدة الحقيقية، الأمر الذي يضعف حوافز الاستثمار المحلي، بحيث أن إبقاء الفوائد منخفضة في فترات التضخم يساعد على زيادة الإنتاج وإبقاء تكاليفه منخفضة.
إضافة إلى أن رفع الفوائد على الودائع في ظل الانخفاض الشديد للتوظيفات سوف يرتب خسائر و تكاليف مرتفعة عليها بوصفها مؤسسات مالية تهدف إلى الربح في النهاية و إلى تحقيق إيرادات، والناتج عن الفرق بين الفوائد الدائنة والمدينة (الربح التشغيلي) مما يضع ضغوطاً غير ملائمة على هوامش الربح، و يرفع درجة المخاطر التي يمكن للمصرف أن يقبلها في محفظة استخداماته والتي يجب أن تكون مناسبة لتحقيق درجة كفاية رأس المال المطلوبة.
المصدر: موقع "سينسيريا"
تعليقات الزوار
|
|