كتب الباحث محمد الرويم : المالية العامة... أهم مرتكزات الإصلاح الإداري
الاقتصاد اليوم ـ خاص:
غدا الإصلاح من أكثر المفاهيم اللغوية الادارية استخداما في وقتنا الحاضر نظراً لكثرة وتنوع المواضيع التي يمكن أن تستهدفها عملية الإصلاح من جهة و نظرا لأهمية وضرورة عملية الإصلاح التي تفرضها التغيرات والتقلبات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المتسارعة التي تطال كافة الدول والمجتمعات دون استثناء من جهة اخرى
هذا الاتساع أدى إلى صعوبة تحديد وتعريف هذا المفهوم حتى أصبح من أصعب المواضيع نظريا الأمر الذي جعله عصيا في كثير من الأحيان على التطبيق العملي آخذين بعين الاعتبار كثرة وصفاته واختلافها وتعدد الآراء حول الأطياف التي يشملها والطرق التي نسلكها في سبيل إنجازه .
الإصلاح نقيض الفساد
الإصلاح في أحد أهم صوره هو نقيض الفساد وعدوه اللدود وترياق شفاء الإدارات منه لذلك كان لابد من وضع تعريف دقيق لآفة الفساد لتحديد نوعية الإصلاح المناسب واولوياته وطرقه و أساليب تطبيقه التي تناسب كل حالة من حالات الفساد والذي هو الآخر يظهر بأشكال مختلفة ويتلون بحسب الواقع والظروف المحيطة وذلك من مبدأ أن معرفة وتشخيص الداء بشكل صحيح هو عامل أساسي وحاسم لمعرفة الدواء المناسب .
بناء عليه يمكن بشكل عام تعريف الفساد الإداري من ناحية مالية على أنه كل فعل أو امتناع عن فعل يطال بشكل غير مشروع المال العام أو الخدمات العامة المقدمة أو المتلقات من الإدارة أو يطال أموال العملاء بمناسبة حصولهم أو تقديمهم لخدمات من وإلى الإدارة .
كما أن المعدة بيت الداء ببساطة نستطيع القول أن المال هو سبب الفساد في جزء كبير منه وأن طريقة ادارتنا للمال العام تسهم بشكل كبير في تقلص أو تضخم ظاهرة الفساد
ولكن ما هي مطارح الفساد ؟
الفساد بشكل مجمل يطال المال العام من مطرحين :
1- مطرح الايرادات : وهو الفساد الذي يطال المال العام قبل دخوله إلى الخزينة العامة من خلال محاولة التلاعب باستحقاقات الدولة من إيرادات وضرائب وعائدات أياً كان شكلها وذلك لصالح أشخاص أو جهات أخرى .
2- مطرح النفقات : وهو الفساد الذي يطال المال العام بمناسبة إنفاقه على شكل عقود ومشتريات وذلك من خلال المبالغة في الاسعار أو التلاعب والتساهل في المواصفات و تدني جودة ما تحصل عليه الدولة من سلع وخدمات أو من تستهدف الدولة تقديم خدمة عامة لهم من سلع وخدمات وخلافه فيضيع المال العام بلا طائل أو بطائل ذو قيمة متدنية .
من هم أشخاص الفساد ؟
يتعدد أشخاص الفساد بحسب مطرحه ففي عملية جباية واستحقاق المال يكون الموظف المسؤول عن تحديد مقدار الضريبة مع الشخص المكلف بدفع الضريبة سواء كان شخصاً طبيعياً أو شخصاً اعتباريا أو أي شخص يتلاعب بإيرادات الدولة أو ثرواتها بأي شكل كان .
أما في عملية إنفاق المال العام فيكون عندها الموظف مع المتعاقد أو مقدم الخدمة للدولة أو للمواطنين وهؤلاء قد يكونون مواطنين أو أجانب بحسب نوعية العقود المبرمة داخلية أو خارجية .
وهنا نقطة مهمة يجب التركيز عليها وهي أننا غالباً ما نغفل دور المواطن غير الموظف وأشخاص القطاع الخاص في الفساد ونستثنيهم من كل برامج الاصلاح وأهدافه ونلقي بكل اللوم على الموظف ونجعله مركز الهدف في عملية الاصلاح وهذا خطأ فادح فإصلاح جزء من المشكلة لن ينهيها ما دام الجزء المحرض على الفساد والدافع إليه موجوداً حراً طليقا وغير مأخوذ في الاعتبار .
من التعريف السابق للفساد نجد أن المالية العامة ممثلة في الموازنة العامة للدولة والتي تعتبر هي القانون والدستور الاساسي لكيفية جباية وانفاق المال العام نجد أنها سلاح ذو حدين إذ إن جودة توزيع الأعباء الجماعية على المواطنين وجودة إنفاق وإعادة توزيع هذه الأعباء ومردوداتها على شكل خدمات عامة ومردودات سيؤدي بلا شك إلى الحد من الفساد وذلك من خلال تحقيق المعايير التالية
العدالة المالية :
وتتمثل من حيث الايرادات في عدالة نظام الجباية الضريبية وتناسب الضريبة التي يدفعها المواطن مع جودة الخدمة التي يتلقاها من ناحية ومع مطرح الضريبة من ناحية أخرى
إذ أن ذلك سيخفف لا شك من رغبته في التهرب من الضريبة أو محاولة إنقاص قيمتها لعلمه أن هذه الضريبة عائدة عليه بخدمة تتناسب جودتها مع قيمة ما يدفعه للخزينة العامة للدولة وأن دفعه لهذه الضريبة كان بسبب مطرح ضريبي عائد عليه بالنفع أساساً كما أن التشدد في قمع التهرب الضريبي والتلاعب بإيرادات الخزينة العامة مهما بلغت قسوته سيكون عندها مبرراً ولن يجد ضعاف النفوس والفاسدين ما يتذرعون به من عدم انصافهم لهذه الناحية .
كما أن العدالة المالية تتمثل من حيث الانفاق بعدالة توزيع الدخل على المواطنين ومن ذلك عدالة ما يتلقاه موظفي الدولة من رواتب وأجور تقيهم شر التورط في مهالك الفساد مدفوعين بالحاجة و وطأة تكاليف المعيشة و من العدالة أيضا أنظمة الحوافز والتميز في العمل والاداء مقابل مردود مالي ما يزيد من فعاليتهم ويعزز انتمائهم لعملهم الوظيفي ويزيد من حرصهم على المال العام ومصلحة مؤسساتهم وارتقائها .
وهذا الامر سينعكس بلا شك على جودة تطبيق قانون العقود ويحسن من معايير النزاهة والشفافية وتساوي كافة العارضين والمتعاقدين بدون تحيز أو محاباة من قبل اللجان والموظفين الذين يحصلون على ما يكفيهم من دخل ويكافئ مجهوداتهم ونزاهتهم في العمل .
الرقابة المالية :
لابد من تصحيح مفهوم الرقابة المالية من رقابة صحة المعاملات إلى رقابة كفاءة المردود إذ غالبا لا يترك الفاسدون خلفهم أي خطأ ورقي يجعلهم عرضة للمسؤولية بينما لا يبالي احد بنوعية السلع والمواد والخدمات المستلمة والمشاريع المنفذة والتي تصل إلى حد الوهمية احيانا .
فهل يعقل أن نتأكد من صحة كافة المعاملات الورقية لعقد مشروع تعبيد شارع او اقامة رصيف بينما لا يهتم احد بنوعية هذا التعبيد أو هذا الرصيف و الذي ربما لا يكون منفذ من الاساس .
ما فائدة صحة الانفاق إذا لم تحصل الدولة على المعادل المناسب لهذا الانفاق وهذا خلل كبير لابد من تداركه من خلال جعل الرقابة المالية تشمل نوعية المشاريع المنفذة والسلع المقدمة وتناسبها مع المبالغ المنفقة وليس فقط الاجراءات الورقية لعقود الانفاق
في الختام نجد أن الموازنة العامة للدولة كقانون واداة لتنفيذ خطط الدولة مع كافة القوانين و الجهات الرديفة لها مالية ورقابية يجب ان تكون في قلب أي خطة او مشروع اصلاحي لأن المال هو أساس الفساد وطريقة أدارات هذا المال تلعب دور حاسم كما قلنا في تحجيم أو تضخيم ظاهرة الفساد .
الباحث الاقتصادي محمد الرويم
تعليقات الزوار
|
|