الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الدكتور إيهاب أبو الشامات: التضخم في سوريا: أسبابه والحلول الممكنة

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

كتب الخبير الاقتصادي ورجل الأعمال الدكتور ايهاب أبو الشامات:

لم يكن التضخم في سوريا وليد اللحظة، بل هو نتيجة تداخل معقد بين عوامل داخلية وخارجية، ساهمت في رفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة.

فعلى الصعيد الخارجي، العقوبات الاقتصادية الدولية فرضت حصارًا على التجارة والاستيراد، مما أدى إلى ارتفاع تكاليف السلع الأساسية. كما أن الارتفاع العالمي في أسعار المواد الأولية زاد من أعباء الإنتاج، في حين تسبب التذبذب في أسعار النفط في ارتفاع تكاليف النقل، لينعكس ذلك على أسعار المنتجات في الأسواق المحلية.

أما داخليًا، فقد لعب التدهور الحاد في سعر صرف الليرة السورية دورًا أساسيًا في ارتفاع الأسعار، حيث أدى فقدان العملة المحلية لقيمتها إلى تضاعف تكاليف الاستيراد. كما أن تمويل العجز عبر طباعة النقود أدى إلى تضخم نقدي خطير، زاد من الفجوة بين الكتلة النقدية المتداولة وحجم الإنتاج الحقيقي. ومع ضعف الإنتاج المحلي بسبب الأزمة، زادت الحاجة إلى الواردات، ما فاقم الأزمة التضخمية في البلاد.

التضخم في سوريا لم يكن مجرد أزمة عابرة، بل تفاقم نتيجة أخطاء حكومية متراكمة، ساهمت في زيادة الضغوط على الاقتصاد. كان أبرز هذه الأخطاء تمويل العجز من خلال طباعة النقود، دون وجود إنتاج يغطي الكتلة النقدية الجديدة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل جنوني.

كما أن رفع أسعار المحروقات دون خطط بديلة تسبب في ارتفاع تكاليف الإنتاج والنقل، ما انعكس على أسعار السلع والخدمات. إضافة إلى ذلك، أدى تهميش القطاعات الإنتاجية مثل الزراعة والصناعة إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد، ما فاقم العجز التجاري.

ولا يمكن إغفال ضعف الرقابة على الأسواق وانتشار الاحتكار، حيث استغل بعض التجار الأزمة لرفع الأسعار بشكل مبالغ فيه، دون وجود تدخل حكومي حاسم لضبط الأسواق.

يمكن القول بأن السمة الملاصقة للتضخم في الاقتصاد السوري خلال 14 عامًا، هو تضخم ركودي.. الأسعار ترتفع والاقتصاد يتراجع، ولم يكن التضخم في سوريا مجرد ظاهرة اقتصادية، بل تحول إلى تضخم ركودي، حيث ارتفعت الأسعار بشكل كبير، بينما شهد الاقتصاد تراجعًا في الإنتاج والاستثمارات.

ومن أبرز الأمراض التي رافقت التضخم طوال السنوات الماضية، فقدان القدرة الشرائية، حيث أصبحت رواتب المواطنين عاجزة عن مجاراة الأسعار، مما أدى إلى انخفاض مستوى المعيشة. كما أن ضعف الاستثمار والركود الاقتصادي جعلا الوضع أكثر تعقيدًا، حيث باتت المشاريع الإنتاجية شبه متوقفة، بينما ارتفع الاعتماد على الواردات.

وكانت النتيجة انتشار السوق السوداء، حيث باتت السلع الأساسية تُباع بأسعار خيالية، في ظل غياب الرقابة الحكومية الفعالة.

يمكن تقسيم مراحل التضخم في سوريا إلى أربع فترات رئيسية:

1. 2011-2015: بداية الأزمة الاقتصادية، حيث فرضت العقوبات، وتدهور الإنتاج، وبدأت الأسعار في الارتفاع بشكل تدريجي.

2. 2016-2020: تفاقم الأزمة الاقتصادية، مع انهيار سعر الصرف، مما أدى إلى تسجيل معدلات تضخم قياسية.

3. 2021-2024: استمرار التضخم بأعلى مستوياته، حيث تجاوز 16,000% منذ 2011، مع فقدان الليرة لقيمتها بشكل شبه كامل.

4. 2025: انخفاض نسبي في معدلات التضخم إلى 46.7% بعد التحرير، نتيجة تحسن سعر الصرف وزيادة المعروض من السلع.

أما أكثر الأعوام تضخمًا، فقد كان 2021-2023، حيث سجل التضخم مستويات قياسية، متأثرًا بالانهيار الاقتصادي والعقوبات الدولية.

بحسب أحدث التقارير، انخفض التضخم في سوريا من 119.7% إلى 46.7% بين 2024 و2025، وهو انخفاض ملحوظ مقارنة بالفترات السابقة. ويرجع هذا التحسن إلى تحسن سعر الصرف بعد استقرار الأوضاع، بالإضافة إلى زيادة العرض من السلع في الأسواق، مما أدى إلى كبح جماح الأسعار.

كما أن عودة بعض القطاعات الإنتاجية إلى العمل لعبت دورًا في تخفيف الضغوط التضخمية، حيث ساهم الإنتاج المحلي في تقليل الاعتماد على الواردات. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات كبيرة، إذ أن هذا الانخفاض لا يعني انتهاء الأزمة التضخمية بشكل كامل.

الوصفة لمعالجة التضخم في ظل اقتصاد السوق الحر، تتمثل بإنتاج محلي قوي.. واستثمارات مدروسة
مع تحول سوريا إلى اقتصاد سوق حر، لا بد من تبني استراتيجيات اقتصادية أكثر مرونة لمعالجة التضخم، ومنها:

-    تعزيز الإنتاج المحلي عبر دعم الصناعات الوطنية وتقليل الاعتماد على الواردات.

-    تشجيع الاستثمار من خلال تقديم حوافز ضريبية وتسهيلات قانونية لجذب المستثمرين.

-    ضبط السياسة النقدية عبر الحد من طباعة النقود بدون غطاء إنتاجي، لضمان استقرار سعر الصرف.

-    تحسين الرقابة على الأسواق لمنع الاحتكار وضبط الأسعار.

-    إصلاح النظام الضريبي ليكون أكثر عدالة ويشجع النمو الاقتصادي.

لمعالجة التضخم في سوريا، تحتاج الحكومة إلى تنفيذ إصلاحات اقتصادية جذرية، تشمل:

-    إعادة هيكلة الاقتصاد بحيث يتم التركيز على دعم الإنتاج المحلي وتقليل التبعية للواردات.

-    تحفيز الصناعات الصغيرة والمتوسطة لخلق فرص عمل وتحقيق نمو اقتصادي متوازن.

-    تحقيق الاستقرار النقدي من خلال سياسات نقدية صارمة تحد من التضخم. - محاربة الفساد وتحقيق الشفافية لضمان استخدام الموارد بشكل فعال.

ختامًا.. هل هناك أمل في السيطرة على التضخم؟

الإصلاحات هي المفتاح.. ولكن التحديات كبيرة

رغم التراجع الملحوظ في التضخم خلال 2025، إلا أن التحديات لا تزال قائمة، ويحتاج الاقتصاد السوري إلى استراتيجية طويلة الأمد لضمان استقرار الأسعار وتعزيز النمو. ويبقى الحل في تنشيط القطاعات الإنتاجية، ضبط السوق، وتحقيق استقرار نقدي مستدام، حتى يتمكن الاقتصاد السوري من استعادة عافيته تدريجيًا.

وسيم إبراهيم

الاقتصاد اليوم

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك