الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب الدكتور سنان علي ديب: عام الاحتواء الاقتصادي والتهيئة للعودة المأمولة

الاقتصاد اليوم:

انتهى العام الخامس للأزمة السورية المركبة المعقدة وفق ثوابت لم تتجاوز ووفق آمال لم يحصل عليها شعب تفوق على نفسه بالصبر و التحمل و الالتفاف حول المؤسسة العسكرية و حول أي نفس يقاتل لتطبيق القانون و حماية المجتمع من الفوضى و إعادة روح المحبة و التضامن عبر مصالحات ومسامحات ونوايا وطنية حسنة, ما يهمنا هنا أن العام الماضي كان عام لاحتواء النوايا السيئة المتجهة للانهيار الاقتصادي بعدما عجزت القوى الخارجية و حلفاؤها وأدواتها الداعشية الداخلية من نيل أمانيها عبر الرصاص الإرهابي، فكان التفكير الأهم إسقاط الدولة السورية و تحويلها إلى دولة فاشلة عبر خلق أزمات تواكب التدمير الممنهج للمصانع و المباني و المدارس و المستشفيات , وإن نجحت القوى العميقة بتجاوز الكثير من الأزمات إلا أنها لم تستطع تجاوز ثوابت كانت مدخلاً للأزمة الاقتصادية و الاجتماعية لتهشيم البنى الصلبة و شق المجتمع السوري.

فالموضوع الاقتصادي الهادف لتجاوز نهج القلة المتلبرل الذي اعتبر انقلاب حقيقي للمجتمع السوري أعتبر خط أحمر لا يجوز الاقتراب منه، فاستمر السعي لسحب الدعم عن المحروقات ووصلوا لما جاهدوا من أجله عبر رفع أسعار الوقود الأمر الذي رفع الأسعار وأوصل التضخم لحوالي 1000 بالمائة، و استمرت عمليات القطع أمام كل دور لمؤسسات التدخل الإيجابي ومحاولة الحكومة المشاركة بالاستيراد وعرض السلع لقطع الطريق أمام محتكري المواد، وكذلك استمر العمل على تفريغ الخطوط الائتمانية من الدول الراغبة للمساعدة وإن كانت بإرادة باردة ولم يعمل على توسيع مجال المقايضة والمبادلة للتخفيف من الضغط على سعر الصرف.

و كان أداء وزارة حماية المستهلك بأسوأ أيامه تماشياً مع تفريغ دورها و استمرارية توسيع الأزمات ليكون هناك غرائزية بالأسعار و فوضى استفاد منها التجار، وإن سمعنا تصريحات نارية لمعاقبة المخالفين ولكنها بلا أي فعالية و إما التسعير الإداري فخط أحمر ممنوع الاقتراب منه , و بخصوص سعر الصرف فاستمرت اللعبة وإن تغيرت الوجوه فبعد السياسات النقدية العجائبية و التي هدفت لمعاقبة من وقف مع الوطن ومع المؤسسة العسكرية و بعد المكافئات لمن يعمل خارجاً و بعد الرضوخ لنوايا قوى الفساد التي نهبت جزء من محتويات المركزي و بعض الدول التي تمنع أي تقوية لحصون الداخل، و بعد أن فوجئ الجميع بتدخلات المركزي العجيبة لرفع سعر الدولار بعد أن هبط لحدود الـ300 ليرة و أصيب بالجلطة الكثير من المسؤولين , جاءت السياسة الجديدة لحاكم جديد أو تصريح له انه سيعيد الطبقة الوسطى فتدخل ورفع الدولار من 470 لحدود 540 ويثبته عليه , و استمرت سياسات الاستيراد من دون توسيع ولا جدولة فلا يسمح بالاقتراب من سلع ورفاهية بعض الفئات المصونة و لتستمر الأزمات وتخلق جديدة بحيث يستنتج أن هناك من لا يريد الاستقرار و لا يرغب بالوصول لحل للأزمة التي أغنت البعض و أفقرت الأغلبية بحيث هبط حوالي 90 %من الشعب للفقر المدقع وخاصة بوجود حوالي 7 ملايين نازح داخلي.

وأما نيران الفساد فاستعرت و أصابت كل الحصون ورغماً عن إرادة الجميع لقوننته و ردع من يريد مواجهته, وعلى الرغم من النوايا الحسنة و العمل الدؤوب لحكومة المهندس عماد خميس فكان هناك من يتربص لها لتفريغها وعرقلتها، فحتى الآن هي حكومة الحركة بلا بركة لأسباب ذاتية وموضوعية و لاستمرار الاعتماد على أدوات معرقلة لأي مشروع اقتصادي معالج للأزمة، فموضوع النهج الذي يراعي الخصوصية السورية ممنوع من النقاش، لأن قوى الفساد والإفساد المرتبطة بالخارج جاهزة و القرارات التي تتجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها الحكومة جاهزة وأكبر دليل على ذلك موضوع الدواء ورفعه من دون موافقة رئيس الوزراء ووزير الصحة رغما من انعكاس ذلك على كافة شرائح المجتمع من معاقي الحرب و النازحين و الجرحى و كبار السن، مع محاولة تقويض دور المؤسسات الحكومية الصحية من دورها و تفريغ محتوى مؤسسات التأمين الصحي من خدماتها بعد تعجيز مؤسسات القطاع العام عن أدائها الشامل لقطع حصة وإقحام بعض الأفراد من القطاع الخاص, و الاستمرار بتخسير القطاع العام والذي لا بد من عودة دوره لمواجهة المافيات الاقتصادية الهادفة للاغتناء على حساب الدم و الأرض.

هذه القوى التي تختلق الأزمات من أزمة كهرباء وغاز وبنزين لبث الفوضى و سحب الثقة بين المواطن والحكومة، هذه الثقة التي ستزداد إن أحسن الأداء بوجود نوايا حسنة وإرادة قوية للوقوف مع المواطنين الشرفاء الذين وقفوا مع الوطن من جميع المناطق و في جميع الأماكن , و نتأمل خيراً من ما ظهر من تسهيلات حكومية لجذب المستثمرين السوريين و لكشف الثغرات و الإعلان عن جزء من الفاسدين، وإن لم نشهر بهم ومحاسبتهم فلا جدوى , وإن التغيير الداخلي الوطني الذي سعينا ونسعى له لا يتم من دون تغيير العقلية القائم على أسلوب جديد للتعيينات يعتمد على الكفاءة و الخبرة لا تعيينات تقوي الفساد الممنهج و تحصن أدواته ومن دون السعي لسياسات صرف حقيقية تؤدي لتخفيض أسعار المحروقات، فالأمل ضعيف.

إن إعادة الاعتبار للطبقة الوسطى وإن كانت بمعايير أزموية شرط ضروري للانطلاقة الجديدة , إن أي نهج اقتصادي لا يراعي الحالة الأزموية لن ينجح، وأي نهج لا يعتمد على تشاركية حقيقية بين العام والخاص لن يفيد، وأي نهج لا يكون وفق خطط حكومية تكون للحكومة اليد الطولى في وضع و مراقبته ومعاقبته لن يستمر .

إن إعادة روحية دور المؤسسات أس القادم المأمول وإن احتواء انعكاسات الأزمة في العام الماضي رغماً من دواعش الداخل و الخارج دليل العافية و القدرة للانطلاقة الجديدة و دليل سحق وهزيمة أدوات الانقلاب الاقتصادي و بقايا فلولهم المتغلغلة بمفاصل المؤسسات.

إن انتصار المؤسسة العسكرية بمؤازرة الشرفاء من الوطنيين من كل الألوان السورية بالداخل و الخارج هو الأمل لقادم جميل لا يرخص الدم الذي روى التراب ولا يعنون الفقر و البطالة و الفساد عنوان ..عاشت سورية وعاش الدم السوري الطاهر النقي..و يبقى الأمل زادنا و العمل أداتنا و نصر الدم السوري عنواننا..

الدكتور سنان علي ديب ـ جمعية العلوم الاقتصادية السورية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك