كتب المحامي بسام العطري: عن نجاعة النظام الضريبي في سورية
الاقتصاد اليوم ـ خاص:
كتب المحامي بسام العطري:
عندما نشرتُ مقالتي السابقة المعنونة بـ " النمو الاقتصادي وعقلية الجباية " الذي تحدثتُ فيه عن ظاهرة تغوُّل الجباية في وطننا الغالي ، وأشرتُ إلى أن ارتفاع الضرائب وتعددها وزيادة مطارحها سيؤدي بالنتيجة إلى انخفاض العائدات الضريبية نفسها للدولة ، وذلك تأسيساً على مبدأ ابن خلدون الشهير " الجباية تقتل الجباية " تابعتُ مختلف الردود والآراء والتعقيبات التي وردت عقب المقالة المذكورة ، لا سيما تلك الآراء التي كانت تختلف مع ما طرحته من رأي نشرته ، وتوقفتُ طويلاً عند ما ذكره أخٌ كريمٌ من رأي يتلخص بأن : " كثرة الجباية لا تخرب الاقتصاد في سورية لأنها شبه معدومة ، ولو ضاعفناها عشرة أمثال لما وصلنا
إلى أدنى درجات التحصيل الضريبي المتعارف عليها عالمياً ، ورغم ما يجري الآن من تغيرات ضريبية إلا أنه لا يوجد جباية حقيقية في سورية حتى نتحدث عن سوء ارتفاع الجباية لأن اقتصادنا أساساً ليس اقتصاداً ضريبياً " .
قبل الرد على هذا الرأي الذي قد يجد صداه لدى البعض لا بد لي أن أُشير إلى أن أحد أهم الدارسين والمستشارين في موضوع الضرائب في سورية يقول أن : " عدد الضرائب والرسوم التي يدفعها المواطن السوري نحو 70 ضريبة ورسماً ، وإذا ما قمنا بإضافة هذه الضرائب والرسوم على رسوم الوحدات الإدارية فإن العدد سوف يصل إلى نحو 100 ضريبة ورسم " ...
ولعمري فإن أي مراقب ومتابع للنظام الضريبي في سورية سيرى أن وزارة المالية قد أوقعت نظامنا الضريبي في مفارقة كارثية تتجلى في إعطائها الأولوية لوظيفة الجباية والتحصيل عن كل وظائف ومهام النظام الضريبي الأخرى وأهمها النمو الاقتصادي والاجتماعي .
فهل يصح بعد هذا القول أنه لا يوجد جباية حقيقية ؟؟؟
إن عدم وجود الجباية الحقيقية – في حال وجوده أصلاً- ناتج عن حالات التهرب الضريبي التي يرتكبها كبار المكلفين ، بحيث أشارت بعض الأرقام إلى وصول قيمة تلك التهربات إلى كتلة هائلة تقدر بحوالي ألفي مليار ليرة سورية .... هذا الأمر سيقودنا تلقائياً إلى نكون وجهاً لوجه مع موضوع خطير آخر هو موضوع العدالة الضريبية في قطرنا الغالي ، فالمتابع لهذا الملف الهام سيكتشف سريعاً الخلل الواضح في هذا النظام الضريبي ، حيث نلاحظ أن جباية الضرائب على الدخل قد تساوت بين أصحاب الدخول المرتفعة والمتوسطة والمنخفضة ، ولم تستطع الجباية أن تحقق الغاية التي أُنشئ من أجلها النظام الضريبي في إعادة توزيع المداخيل بين أفراد المجتمع ، بسبب غياب العدالة الضريبية بين كبار المكلفين وسواهم ، إذ يبقى السؤال الدائم الذي لا جواب له : " هل قدم هؤلاء المكلفين بياناتهم صحيحة دون تلاعب ؟؟؟ ، وهل تمت محاسبتهم في حال ثبت تلاعبهم بتلك البيانات ؟؟؟ وما هي الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الضريبية حتى لا تقع الأعباء الضريبية على شريحة معينة دون غيرها من المجتمع ، في حين تتهرب شريحة أخرى من دفع مستحقاتها جزئياً أو كلياً ؟؟؟
واللافت للنظر أن كبار المكلفين حتى لو قاموا بدفع كلي أجزئي لما عليهم من ضرائب أو رسوم ، إلا أنهم يُدخلونها في بند نفقات التكلفة وبالتالي يحملّونها للمواطن أو المستهلك كونهم أدخلوها في حساب تكلفة السلعة أو الخدمة التي يقدمونها ، وبذلك يكون في الحقيقة هو من دفع ضرائبهم عنهم ، بل الأنكى من ذلك أن نجد أن قيمة تلك الضرائب التي تم تحميلها للمستهلك ذهبت للجيوب الخاصة نتيجة التهرّب الضريبي الذي قد يمارسه بعض كبار المكلفين .
في مقابل ذلك وعلى الضفة الأخرى تماماً لذات الموضوع لا يسعني أن أتصور أنه يغيب عن علم أصحاب القرار في هذا الملف أن ذوي الدخول الثابتة يدفعون حصتهم كاملة من الضرائب والرسوم ، وأن نسبة تتراوح ما بين 70-80% من الضرائب المتحصلة تم تحصيلها من ذوي الدخل المحدود ، بينما الشركات تدفع ما نسبته من 10-15% من تلك الضرائب ، من هنا يتأكد لنا أن التركيبة الضريبية في سورية تعاني من خلل واضح ، وهي منحازة تماماً لكبار المكلفين ضد أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة .فعلى سبيل المثال نجد أن راتب قاضٍ بمرتبة مستشار مع التعويضات والزيادات يصل إلى 200 ألف ليرة ، يقتطع منها فوراً 25 ألف ليرة ضريبة أي ما نسبته 12,5% دون مجال للتأجيل أو الاعتراض أو .. أو.. أو ....
كما تشكل الرسوم والضرائب غير المباشرة نسبة تتجاوز 70% من إجمالي الضرائب ، وهذا بدوره أيضاً يعكس خللاً جسيماً في التركيبة الضريبية السورية إذ أن المفارقة الكبرى أن الرسوم والضرائب غير المباشرة تعتبر ضرائب عمياء ، لأنها لا تميز بين الغني والفقير ، كما لا تأخذ بعين الاعتبار العدالة الاجتماعية ، فشريحة ذوي الدخل المحدود والطبقة المتوسطة هم من يدفع القسم الأكبر من الضرائب ، لأن شريحة الأثرياء لا تتجاوز نسبتها 5% من عدد السكان ، ومهما أنفقت هذه الفئة لن يكون لمساهمتها أثر يُذكر في حجم هذه الضريبة .
فهل يصح بعد كل هذا أن نقول أن الجباية شبه معدومة في سورية ، وأنها مهما زادت لن تؤثر بشكل سلبي اجتماعياً واقتصادياً
؟؟؟؟
إن الضريبة هي الأداة الرئيسة لتنفيذ النظام الضريبي ، وعليه فإنه من الطبيعي أن يثير التطرق إليها مسألة نجاح الأداء الضريبي أو فشله باعتبارها أداة مميزة تضمن سيراً حقيقياً وفعالاً لمختلف الوظائف والمهام الأخرى التي يتصدى لها النظام الضريبي .... ومن هنا يتوجب علينا أن نكون صادقين مع أنفسنا حين نقيّم نظامنا الضريبي وسياساته وأدواته ، لنتعرّف على ما إذا كان فعلاً يصلح بوضعه الراهن للنهوض بالمهام المنوطة به .
الاقتصاد اليوم
تعليقات الزوار
|
|