الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كتب مستشار وزير الاقتصاد غسان العيد: صياغة التشريعات ومقومات تحسينها

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

يتم اعداد التشريعات من قبل مختلف الوزارات والجهات العامة مما يخلق اختلافاً في منهجية صياغة هذه التشريعات من حيث الشكل والتبويب واستخدام عبارات فنية غير مألوفة قانونياً في أغلب الأحيان حيث أنه من المفترض أن يكون للتشريعات نموذج معين يحافظ على شكل التشريع وفي نفس الوقت على الصياغة القانونية الملائمة للتشريعات لذا رأينا استعراض بعض الأفكار التي يمكن اعتمادها لتحسين جودة صياغة التشريعات حيث يجب في البدء تحديد المشكلة والسلوكيات المسببة لها والتي سيعالجها التشريع من خلال نظرة شمولية للتشريعات الصادرة والتأكد من أن مشروع القانون المقترح يتضمن كل القواعد اللازمة لإحداث التحول المنشود في الواقع الاداري والاقتصادي والاجتماعي.

وقد يكون من الاسباب الداعية لتعديل التشريع القائم انه يشكل عبئاً على المجتمع والجهات القائمة على تنفيذه كونه يفترض العديد من المتطلبات غير الضرورية بسبب صدوره في فترة زمنية مختلفة عن واقع المجتمع الحالي أو بسبب عدم وضوحه وتعقيده وتداخله مما يترك المجال مفتوحاً للتصرف والاجتهاد بصورة غير منضبطة وحيث أن المشرعين يفترضون على الدوام (أن القيام بشيء ما لتطوير التشريع خير من عدم القيام بأي شيء).

لذا ندعو إلى مراجعة القوانين بشكل دائم بهدف تطويرها وتحديثها بما يواكب التطور الاقتصادي والاجتماعي والتشريعي ومن أجل ذلك يجب تحديد المنهجية التي سيتم اعتمادها في هذا المجال كمدخل لمفهوم تحليل الاثر التشريعي للسياسات والتشريعات وتحديد الفوائد والتكاليف المتوقعة المنظورة وغير المنظورة حيث يمكن الاستفادة من التشريعات الدولية ومن مقترحات المهتمين من خلال شبكات التواصل الاجتماعي بما يهدف إلى صدور تشريعات تخفف القيود وتساهم في التنمية وتحقيق العدالة الاجتماعية بما يخلق الرضى عن التشريع ويمكن اعتماد نظرية تحليل الاثر التشريعي للقوانين كطريقة نموذجية لتقييم مشاريع القوانين والسياسات, من أجل ذلك يجب الاعلان عن اجراء التغيير التشريعي للإفادة من المساهمات الجادة للدوائر الحكومية ومنظمات المجتمع المدني ويجب التأكد من ان نتيجة دراسة الأثر التشريعي توحي بتحقيق فوائد من التشريع الجديد مع الأخذ بالاعتبار الجانب الاجتماعي للتشريعات وانسجام التشريع الجديد وعدم تعارضه مع ما تم تحديثه من تشريعات ويمكن اقتراح نظام افتراضي لتنظيم التشريعات مثال ذلك اعتماد نظرية سيدمان كنظام افتراضي لتنظيم مشروع القانون والتي ترى أن يتكون على الشكل التالي:

1-    باب عام
2-    باب يحدد سلوك الاطراف الرئيسية التي يخاطبها القانون
3-    باب يحدد سلوك القائمين على تنفيذ القانون
4-    باب يدل على الجزاءات أو الاجراءات التي تدعم تنفيذ القانون
5-    باب ينص على تسوية المنازعات التي تنشأ عن تطبيق القانون
6-    باب يتضمن الشؤون المالية والموارد التي يتطلبها القانون
7-    متفرقات

وبعد ذلك يتم تحديد الفصول والابواب والمواد والفقرات وعلى أي حال يجب مراعاة التتابع والترتيب مثل وضع الاحداث حسب ترتيبها الزمني المتوقع والاحداث العادية قبل الاحداث غير العادية أما الأحكام فيجب وضع الأهم أولاً ويليها المهم ثم العادية وبكل الاحوال يجب ان تكون الغاية من التشريع تنظيم جانب من جوانب الحياة في المجتمع من خلال وضع ضوابط ومحددات ومحفزات للوصول إلى الهدف من التشريع سواء كان اداري او اقتصادي او اجتماعي والتأكد من ازالة الاختناقات وتقليل اعباء البيروقراطية غير الضرورية وتعزيز الشفافية والممارسات المنصفة امام المجتمع من خلال بيئة تشريعية محسنة وجيدة تكمل بعضها البعض وتقدم الخدمة بكفاءة وشفافية ضمن تبسيط للإجراءات التي يجب أن تكون متناسقة وملاحظة تخفيض عدد الوثائق المطلوبة لتنفيذ التشريع مما يخفض في الوقت والتكاليف ولكي تكون التشريعات بناءة يجب أن تعمل على ازالة المعوقات امام الابتكار والمنافسة والنمو بما يخدم الاهداف الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق الشفافية والادارة الرشيدة.

ومن اجل تحقيق هذه الاهداف من البيئة التشريعية الجديدة لابد من اجراء حصر لكافة التشريعات باستخدام برمجيات مصممة خصيصاً لهذه الغاية واعتماد قائمة تحقق لمعرفة تأثير التشريعات والقوانين الجديدة والمعدلة على البيئة التشريعية وتوجيه مختلف الوزارات والجهات العامة لاعتماد قائمة التحقق لتقييم الأثر التشريعي والمشاورات حول فعالية التشريع الجديد بقناعة مشتركة بين الجهات ذات العلاقة قبل اصدار التشريع كما يجب بناء الفهم المشترك اللازم بين هذه الجهات للمقاربة المقترحة من اجل تحسين تقنيات الصياغة ووضع خارطة عملية لصياغة التشريعات على ضوء ذلك مع ضرورة تحديد مكامن القوة في التشريع القائم والمحافظة عليها وتلافي نقاط الضعف المفترضة.

ونظراً للحاجة لتقييم أثر التشريعات بشكل دائم  يجب وضع خطة استراتيجية وطنية لتحسين جودة صياغة التشريعات.
حيث يعتبر التشريع جيداً عندما يحقق الهدف في حماية مصالح المجتمع بأفضل شكل ممكن وبأقل التكاليف وضمن المعايير المتعارف عليها:

‌أ-    الفعالية : من خلال صياغة القانون بحيث يحقق الآثار المقصودة

‌ب-    الكفاءة : التي تبين توازن بين التكاليف والمنافع في أي قانون

‌ج-    الوضوح والدقة والبساطة: من خلال استخدام لغة واضحة لا يكتنفها الغموض ويمكن فهمها واستيعابها بسهولة من جانب المستخدم النهائي.

وبكل الاحوال تنطلق مقومات التشريع الجيد من الضرورة له وتناسبه مع البيئة التشريعية وأن يقوم على الشفافية والبساطة ويحقق رضى المجتمع كونه يحقق العدالة ويخدم التنمية ويجب أخذ جميع الخيارات بعين الاعتبار من أجل تحسين جودة التشريعات قبل سن التشريع أو تعديله وتقييم الأثر التشريعي للقانون بمشاركة الجهات ذات العلاقة وصولاً إلى الهدف بتقديم نماذج أفضل للتشريع.

وعند دراسة الأثر التشريعي للقوانين يجب ملاحظة ان البيئة التشريعية هي المعبر الأهم عن السياسة العامة للدولة في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتساهم في استقرار هذه العلاقات وعدم اللجوء الى اصدار تشريعات تخالف السياسة العامة المعلنة للدولة او الاعراف الدولية بما ينعكس سلباً ويخلق عدم استقرار المجتمع.

كما يجب ان يكون التشريع شاملاً من خلال تحديد اطاره العام وجهاته الرئيسية مثل الاطراف الرئيسية التي يخاطبها التشريع وتحديد الاجهزة المسؤولة عن التنفيذ ووضع اللوائح التي تصدر استناداً لهذا التشريع والجهة التي يتوجب عليها متابعة الاثر التشريعي لاحقا مع رقابة التنفيذ بالإضافة الى الجهاز القضائي المختص بالنظر بالمنازعات الناتجة عن التطبيق والعقوبات والجزاءات المفروضة بموجب نصوصه.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك