الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

كيف سيغير رفع العقوبات مصير المواطن السوري والاقتصاد.. دراسة قانونية تكشف الفرص والتحديات

بعد سقوط الأسد: كيف سيغير رفع العقوبات مصير المواطن السوري والاقتصاد؟ دراسة قانونية تكشف الفرص والتحديات

 بقلم المحامي الدكتور ايهاب أحمد أبو الشامات

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مقدمة
منذ عقود، يعاني الاقتصاد السوري من تداعيات العقوبات الغربية المفروضة على البلاد. وقد جاءت هذه العقوبات، التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل منفرد، بهدف الحد من انتهاكات نظام الأسد اابائد لحقوق الإنسان، ودعمه للإرهاب، وتعزيز عملية الإصلاح السياسي. ومع سقوط نظام البعث في 8 ديسمبر/كانون الأول الجاري، برزت تساؤلات حول مستقبل هذه العقوبات وأثرها على إعادة الإعمار والتنمية.

تهدف هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على أهمية رفع العقوبات المفروضة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ودراسة الأسس القانونية الدولية لهذه الخطوة، مع الإشارة إلى تجارب دولية مشابهة.

أبعاد العقوبات المفروضة على سوريا

العقوبات الأمريكية

1. الإطار العام: العقوبات الأمريكية على سوريا ليست مفروضة عبر قرارات مجلس الأمن، بل جاءت عبر أوامر تنفيذية وقوانين محلية صادرة عن الحكومة الأمريكية. بدأت العقوبات في ديسمبر/كانون الأول 1979 بتصنيف سوريا كـ"دولة داعمة للإرهاب".

2. توسع العقوبات: في عام 2004، تم تمرير "قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية"، الذي فرض قيودًا على التجارة بين البلدين. بعد عام 2011، أصبحت العقوبات أكثر شمولية، مع فرض حظر تجاري واسع استهدف قطاعي الطاقة والمالية.

3. قانون قيصر (2019): صدر "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا" لتعزيز الضغط على النظام. استهدف القانون قطاعات حيوية، مثل الطاقة والبناء، وعاقب الأفراد والشركات التي تدعم النظام. كما شملت العقوبات البنك المركزي السوري، مما أدى إلى تعطيل قدرته على إدارة الأصول المالية.

العقوبات الأوروبية

1. فرض العقوبات: فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على سوريا منذ مايو/أيار 2011 بشكل منفرد، واستهدفت تدابير الاتحاد نظام الأسد وأركانه. شملت القيود حظر استيراد النفط الخام، وتجميد أصول البنك المركزي السوري، ومنع تصدير المعدات التي يمكن استخدامها في القمع أو المراقبة.

2. التمديد المشروط: يتم تجديد العقوبات سنويًا. حُدّدت العقوبات الحالية حتى يونيو/حزيران 2025، مع مناقشة إمكانية رفعها بناءً على التطورات السياسية.

3. شروط الاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات:

تشكيل حكومة شاملة تمثل جميع الأطياف السورية.

احترام سلامة الأراضي السورية وحقوق الأقليات.

إنهاء النفوذ الإيراني والروسي في البلاد.

آثار العقوبات على سوريا

1. الأوضاع الاقتصادية:

عرقلة التجارة الخارجية والاستثمارات في قطاع الطاقة، مما أدى إلى انهيار الاقتصاد السوري.

القيود المالية زادت من صعوبة تأمين الاحتياجات الأساسية للسكان.


2. التداعيات الإنسانية:

رغم الإعفاءات على الغذاء والدواء، تسببت البيروقراطية المرتبطة بالعقوبات في إبطاء وصول المساعدات الإنسانية.

تدهور البنية التحتية الصحية والتعليمية نتيجة للعقوبات الاقتصادية.


أهمية رفع العقوبات بعد سقوط النظام

1. تعزيز الاستقرار السياسي: رفع العقوبات سيساعد الحكومة الجديدة على تحقيق الشرعية الدولية ودعم عملية المصالحة الوطنية.

2. إعادة الإعمار والتنمية: إزالة القيود على التجارة والاستثمارات يتيح إمكانية إعادة بناء البنية التحتية وقطاع الطاقة.

3. تحسين الوضع الإنساني: رفع العقوبات يسهل وصول المساعدات الإنسانية ويخفف من معاناة الشعب السوري.

4. تعزيز سيادة القانون: رفع العقوبات يُحفز الإدارة الجديدة على الامتثال للمعايير الدولية، بما في ذلك احترام حقوق الإنسان ومحاربة الفساد.


التجارب الدولية المماثلة

1. العراق (2003): بعد سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، تم رفع معظم العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق عبر قرارات دولية. الأمم المتحدة قامت بتسهيل رفع العقوبات بناءً على التغييرات السياسية في العراق، مع استمرار بعض القيود لضمان استقرار الأوضاع. في هذا السياق، تم استخدام لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالعراق لمراقبة عملية رفع العقوبات، وتحديد ما إذا كانت الحكومة الجديدة ملتزمة بإجراءات معينة.

2. جنوب أفريقيا (1994): العقوبات التي فرضتها الدول الغربية بشكل منفرد انتهت بعد انهيار نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. ساعد رفع العقوبات في تحقيق التحول السياسي إلى ديمقراطية شاملة، وهو تحول استُمدت منه الكثير من المبادئ التي يمكن تطبيقها في سوريا. في هذا السياق، تم رفع العقوبات بعد أن توافقت الحكومة الجديدة مع المعايير الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، وأعلنت التزامها بالديمقراطية والتعددية السياسية.

3. ليبيا (2011): العقوبات الغربية على ليبيا رُفعت تدريجيًا بعد سقوط القذافي. ومع ذلك، استمرت بعض القيود الاقتصادية لتتبع مسار الانتقال السياسي والاقتصادي. في حالة سوريا، قد يتطلب رفع العقوبات بشكل تدريجي أيضًا لضمان استقرار المرحلة الانتقالية. في ليبيا، تم رفع العقوبات بالتدريج بناءً على تقييمات المجتمع الدولي بشأن مدى التزام السلطات الجديدة بحقوق الإنسان والحكم الرشيد.

الأساس القانوني الدولي لرفع العقوبات

تستند دراسة رفع العقوبات المفروضة على سوريا إلى عدد من المواد القانونية الدولية التي تتيح أو تنظم رفع العقوبات عند حدوث تغييرات سياسية مهمة في الدولة المعنية. أهم هذه المواد القانونية هي:

1. المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة: تنص هذه المادة على ضرورة احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، مما يعني أن فرض العقوبات الأحادية قد يتعارض مع هذا المبدأ.

2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966): المادة 1 من هذا العهد تؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما يفرض على المجتمع الدولي أن يتجنب فرض عقوبات تؤثر على هذا الحق.

3. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969): تنص الاتفاقية على إمكانية تعديل أو إنهاء العقوبات بناءً على التغيرات في الوضع السياسي، ما يتيح للدول إعادة النظر في فرض العقوبات على سوريا بعد سقوط النظام.

4. قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (مثل قضية Kadi v. Council of the European Union): أكدت المحكمة في هذا القرار على أن العقوبات التي تؤثر بشكل غير مبرر أو غير متناسب على الأفراد يجب أن تتماشى مع المعايير الدولية.

5. الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965): تنص الاتفاقية على أن العقوبات التي تؤثر على حقوق الإنسان الأساسية قد تكون مخالفة للقانون الدولي إذا كانت تؤدي إلى تمييز غير مبرر ضد أي فئة أو شعب.

6. المادة 41 من ميثاق الأمم المتحدة: المادة 41 تمنح مجلس الأمن الدولي السلطة لفرض تدابير غير عسكرية، مثل العقوبات الاقتصادية، ضد الدول المهددة للسلم والأمن الدولي، لكنها تقتضي مراجعته بشكل دوري على ضوء التغيرات السياسية والميدانية.

7. المادة 42 من ميثاق الأمم المتحدة: تمنح المادة 42 مجلس الأمن صلاحية اتخاذ تدابير عسكرية في حال فشل التدابير الاقتصادية والسياسية في تحقيق أهدافها، مما يعني أن استمرار العقوبات الاقتصادية بعد التغيير السياسي في سوريا قد يكون غير مبرر في ظل هذه المادة.

8. المادة 103 من ميثاق الأمم المتحدة: تؤكد هذه المادة على أنه في حالة تعارض الاتفاقات الدولية مع التزامات أخرى للأمم المتحدة، تكون التزامات الأمم المتحدة هي السائدة. من هذا المنطلق، يمكن النظر في رفع العقوبات في حالة توافق الدول الكبرى مع سياق الأمم المتحدة في هذا الشأن.

اقتراحات لصياغة مذكرة موجهة للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة وأمريكا لرفع العقوبات

يجب على الحكومة السورية الجديدة صياغة مذكرة قانونية تستند إلى المبادئ القانونية الدولية ذات الصلة، وتقديمها إلى الأطراف الغربية التي فرضت العقوبات. تتضمن هذه المذكرة النقاط التالية:

1. الالتزام بالمعايير الدولية:

التأكيد على التزام الحكومة الجديدة بإصلاحات سياسية شاملة وضمان حقوق الإنسان.

التأكيد على احترام سيادة الأراضي السورية وعدم السماح بالتدخلات الأجنبية.

2. الاستناد إلى ميثاق الأمم المتحدة:

الاستناد إلى المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة التي تدعو إلى احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية.

تقديم الالتزامات التي تعكس التزام سوريا بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة وتعزيز التعاون الدولي.

3. الإشارة إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966):

التأكيد على احترام الحقوق المدنية والسياسية لجميع المواطنين السوريين، مع ضمان حرياتهم الأساسية والحق في تقرير مصيرهم.

4. الاستناد إلى اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969):

تقديم التفسير القانوني الذي يبرر التعديلات على العقوبات بناءً على التغيرات السياسية والاقتصادية في سوريا.

5. التفاوض على رفع العقوبات عبر قنوات دبلوماسية:

اقتراح التفاوض المباشر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لرفع العقوبات مقابل الالتزامات السياسية والاقتصادية التي تضمن احترام حقوق الإنسان واستقرار البلاد.

6. الإجراءات التدريجية:

اقتراح رفع العقوبات بشكل تدريجي، بدءًا برفع القيود المتعلقة بالمساعدات الإنسانية والتجارة، ومن ثم الانتقال إلى رفع العقوبات الاقتصادية والمالية.

توصيات لرفع العقوبات عن سوريا

1. الالتزام بالمعايير الدولية: يجب أن تلتزم الحكومة السورية الجديدة بحقوق الإنسان، وتشكيل حكومة شاملة، ومحاربة الفساد.

2. التفاوض مع القوى الدولية: فتح قنوات اتصال مباشرة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوضيح خطط الإصلاح السياسي والاقتصادي.

3. إعادة الإعمار بشفافية:
إنشاء صندوق دولي لإعادة الإعمار بإشراف دولي لضمان استخدام الموارد بشكل عادل وشفاف.

4. إجراءات تدريجية: البدء برفع القيود عن المساعدات الإنسانية والتجارة، ثم الانتقال إلى رفع العقوبات الاقتصادية والمالية تدريجيًا، وفقًا لمدى التزام الحكومة السورية بالإصلاحات المطلوبة.

الخاتمة
إن رفع العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على سوريا بعد سقوط نظام الأسد يُعد خطوة أساسية لتحقيق الاستقرار والتنمية.

ورغم أن العقوبات فُرضت لأسباب سياسية وإنسانية، إلا أنها أثرت بشكل كبير على الشعب السوري. لذا، فإن رفعها يحتاج إلى التزام واضح من الحكومة الجديدة بالإصلاح السياسي واحترام القانون الدولي. التجارب الدولية السابقة تُظهر أن رفع العقوبات يساهم بشكل كبير في تعزيز الاستقرار ودعم التحولات السياسية. وفي هذا السياق، يجب أن تستند الحكومة السورية إلى الأسس القانونية الدولية المعتبرة للمطالبة برفع العقوبات، مع تقديم التزامات سياسية واقتصادية ملائمة، مما يساعد على تسريع عملية الانتقال إلى مرحلة ما بعد الصراع وتحقيق التنمية المستدامة.

المراجع:

1. ميثاق الأمم المتحدة (1945).

2. العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966).

3. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969).

4. القرار الصادر عن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضية Kadi v. Council of the European Union.

5. الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (1965).

6. قرار مجلس الأمن رقم 688 (1991).

7. قرار مجلس الأمن رقم 1559 (2004).

8. تقرير الأمم المتحدة حول العقوبات الاقتصادية وآثارها الإنسانية.

9. تقرير الاتحاد الأوروبي حول العقوبات المفروضة على سوريا.

10. قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا (2019).

11. التجارب الدولية: العراق (2003)، جنوب أفريقيا (1994)، ليبيا (2011).

12. ميثاق الأمم المتحدة، المادة 2.

13. المواد 41 و42 و103 من ميثاق الأمم المتحدة.

14. اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (1969).

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك