لماذا تنعكس القرارات التموينية سلباً على أسواقنا؟...احتكار وارتفاع بالأسعار وتلاعب بجودة السلع
الاقتصاد اليوم:
حروب استهلاكية تشن من قبل وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك على تجار بعض السلع الأساسية وذلك عبر إصدار قرارات تلزمهم بتخفيض أسعار منتجاتهم، ففي العام الماضي شهدنا حرب البطاطا والبندورة والتي نخشى أن تستعر هذا العام أيضاً، وخاصة أن أسعار البطاطا بدأت بالارتفاع التدريجي لها، وحاليا نشهد حرب المتة التي أعلنها وزير التجارة مؤخراً، بقوله: “زمن الاحتكار ولى وسنستورد المتة”، لتنتهي مؤخراً، بالتعهد من قبل الشركة الموردة للمتة بطرح 40 طن بشكل يومي، في الأسواق وذلك بعد أن فقدت هذه المادة من الأسواق، التي تعتبر أساسية بشكل نسبي عند شريحة واسعة من المستهلكين، وتخوف الكثير من المتابعين من أن تلجئ الشركة إلى طرح أنواع جديدة من المتة ذو جودة متدنية أو بأوزان أقل كنوع من التهرب من التسعيرة التي فرضتها وزارة التجارة عليها، كما حدث في الألبسة عندما هدد وزير التجارة بأنه سيقوم باستيراد الألبسة وطرحها بأسعار منافسة في حال لم تنخفض أسعارها، لنجد أن الواقع استجاب بصورة معاكسة لهذه التهديدات حيث بات الكثير من أنواع الألبسة بجودة ضعيفة، وفي حال سألت عن سبب ذلك يرجع الصناعي السبب إلى أسعار مدخلات الإنتاج وضعف القدرة الشرائية وانهم مضطرون لجعل الجودة متدنية ليصبح سعر القطعة مناسبا ودخل المستهلكين!.
التفاف مبتكر من التجار
في السياق ذاته، رأى متابعون أن إطلاق التهديدات من قبل وزارة التجارة، يعتبر أمراً ناجعاً نوعا ما في تنفيذ القرارات، ولكن من ناحية أخرى دفعت هذه التهديدات إلى ابتكار أساليب للالتفاف عليها من قبل بعض التجار والصناعيين كتخفيض الجودة أو الوزن أو الكمية كما ذكرنا سابقا، كما أن هذه التهديدات في كثير من الأحيان تبقى حبراً على ورق، وتصريحات إعلامية فقط، كما هو الحال في الكثير من أسعار السلع التي خفضت أسعارها على الورق ولا تزال متداولة بأسعارها المرتفعة ضمن الكثير من الأسواق…وبالتالي يحصل المستهلك على سلعة بجودة منخفضة وبسعر ليس مناسباً..وهكذا تطلق التصريحات لتنعكس على الأسواق وبالتالي على المستهلك، ليتساءل الكثير من المتابعين عن مدى قدرة تنفيذ هذه التصريحات أولاً وثانيا عن دور وزارة التجارة الذي تحول إلى تاجر مضارب في الأسواق، وهل هذا التصرف يعتبر سليم اقتصاديا؟.ولماذا لم يهدد وزير التجارة باستيراد السلع الغذائية الأساسية الأكثر أهمية كالسكر واللحوم والأرز وغيرها..عند ارتفاعها لأسعار نارية سابقا واقتصر على المتة والالبسة؟. وهل يعقل أن نصرف القطع الأجنبي لكي نستورد المتة، في حين أن معظم المستهلكين يشتهون أن يتذوقوا اللحوم على موائدهم؟.
رقابي على الكماليات وتدخلي في الأزمات
التاجر والصناعي فيصل العطري لفت، إلى أن دور الحكومة يجب أن يكون أكثر مرونة من أن يوضع ضمن قالب معين، أي لا يجوز حصر دور الحكومة بالرقابي أو التدخلي، بل يجب أن ينسحب ليكون رقابيا فقط حين تكون الأوضاع مستقرة ويتقدم ليصبح تدخليا عند الأزمات والبضائع الاستراتيجية التي تؤثر على حياة الشعب بشكل عام كالسكر والرز واللحوم، أما البضائع الكمالية فلا يجوز أن يكون دور الحكومة إلا رقابياً.
وعن كون المتة تعتبر سلعة أساسية لكي تقدم وزارة التجارة على طلب استيرادها، رأى العطري أن اعتبار السلع اساسية أمر نسبي فمثلا الصين تعتبر أن الدوريان “فاكهة استوائية مستوردة” مادة استراتيجية، ويمكن اعتبار المتة سلعة أساسية إذا كانت مهمة لعموم الناس “كالدخان مثلا.
منحدر
وعن طرق الالتفاف على قرارات خفض الأسعار، بخفض الجودة أو الكمية أو الوزن حسب طبيعة السلعة، بين العطري، أن النقطة الأخطر التي أفرزتها الأزمة في سورية هي المنحدر الذي نُساق له دون أن ندري، وأعني انخفاض سوية البضائع والمنتجات بسبب ضعف القوة الشرائية، وهذا ما سيدخلنا بأتون الصراع مع المنتجات الرخيصة وسيفقد المنتج السوري “خاصة الألبسة وبعض المنتجات التي تميز بها السوريون” أهم ميزاته التنافسية.
حظر الاستيراد
وبين العطري أنه يتجه لهذا الأمر لسببين: ضعف القوة الشرائية وانعدام المنافسة، لذلك موضوع حظر الاستيراد يؤدي بالتالي وعلى المدى البعيد لارتفاع الاسعار ونقص الجودة، فحين ننظر للمستقبل علينا أن نقرأ التاريخ، ولو عدنا لتاريخنا الحديث نجد أن شركة سيرونكس حين بدأت كانت تنتج 80% من الجهاز وبجودة ممتازة ولكن مع الوقت وبسبب انعدام المنافسة بدأت تتهاوى حتى ضعفت كسوية وأداء، بينما نجد أن الألبسة مثلاً قد ازدهرت لأعلى مستوى حين دخل المنتج المستورد الذي تسبب بانهيار بعض المصانع الصغيرة بينما اضطرت المصانع الكبرى للبحث والعمل الدؤوب للمنافسة حتى أصبحت القطعة السورية مميزة تتفوق على المنتج المستورد ومنافس حقيقي للمنتج الصيني.
وبين العطري أن الإشكالية كانت هي مقارنة المنتجات الصينية الرخيصة بالمنتج السوري الجيد، فالمقارنة الصحيحة يجب أن تكون مقارنة بين منتجين بنفس السوية ولو فعلنا لوجدنا أن المنتج السوري غالباً ما يكون بنفس سعر أو أقل بقليل من المنتج الصيني من نفس السوية ولكنه يتميز عنه بأنه أقرب لذوق اهل المنطقة ولا يعاني من مشاكل اختلاف القياسات.
هامش: لنا في الأزمات المعيشية عبرة..أفلم نعتبر بعد؟
للأسف كل القرارات التي تصدر بما يخص الأسعار، استطاع الكثير من التجار الالتفاف عليها، وعلى وزارة التجارة، أن تعلم طرق الالتفاف هذه وأن ترى ما حدث في قضية الأدوية وخاصة بعد أن لجأت الكثير من الشركات إلى رفع أسعارها وخفض الجودة والكمية…وهذا ما حدث أيضا في الألبان، وإلى الآن، تلاعب بحجم عبوات الألبان فالكيلو يباع 900 غرام ونصف كيلو يباع 400 غرام، وبسعر مرتفع، ما يستدعي من وزارة التجارة، أن تعي أن لكل قرار ستطرحه سيكون له منعكس مباشر على الأسواق، وعليها أن تبعد هذه المنعكسات، كفقدان السلعة، أو ارتفاع أسعارها أو التلاعب بجودتها ووزنها، وهذا يتطلب رقابة شديدة ودوريات دائمة وضبط لأي تلاعب بالمواصفات، فليس المهم أن نخفض السعر فقط، بل الأهم أن نحصل على سلعة ذات جودة مناسبة لأن خفض الجودة يعني غبن المستهلك، الذي دفع أمواله ولم يحصل على السلعة التي تدوم له وفق عمرها الافتراضي.
ومن ناحية أخرى نستغرب نمو مصطلح احتكار القلة الذي أكدته هيئة المنافسة ومنع الاحتكار، فمثلا سلع غذائية معينة عدد مستورديها يعد على أصابع اليد الواحد، وبالطبع هذا الأمر يمنع المنافسة وبالتالي خفض الأسعار، ويعرض الأسواق للخطر، وخاصة إذا صدر قرار ما يناهض ومصالح هؤلاء التجار، الذين قد يحتكروا السلعة أو يمنعوها في الأسواق، ولنا في الأزمات المعيشية عبرة، أفلم نعتبر بعد…ألم يحن الوقت لكسر هذا المصطلح، وكسر احتكار القلة؟ وتحقيق المنافسة العادلة في الأسواق والتي ستنعكس على المستهلك خيراً في النهاية.. يسأل متابعون؟.
سينسيريا
تعليقات الزوار
|
|