الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مركز مداد: من حق جميع المواطنين أن يكونو شركاء في موارد الحكومة وإمكانياتها..وهذا ما فعله رجال اقتصاد الظلّ!!

الاقتصاد اليوم ـ خاص:

مركز دمشق للأبحاث والدراسات مِداد

د.مدين علي

ليس من حقّ المواطن في زمن الحرب، أو في ظروف الأزمات الاستثنائية الكبـرى، أن يحصل على كلِّ ما يريد، لأنَّ الموارد والإمكانيات بالتأكيد لا تسمح بذلك، ولأن الأولويات والبـرامج يجب أن تكون مرتبة ومبرمجة، بصورة مختلفة، لا تتلاءَم غالباً مع الأولويات والطموحات في زمن الرفاه، بل من الواجب على المواطن أن يلتـزم بخطط الحكومة التقشفية. ومن حق الدولة أن تطالب المواطن بواجبه بضرورة التحلّي بالصبر والتحمل والتضحية لأجل المصلحة الوطنية العليا.  لكن في مقابل ذلك يُعَدُّ حقّاً للمواطن أن يكون شريكاً في الحصول على ما يحصل عليه أيّ مواطن آخر في الوطن. وينبغي علينا أن نعلم بداهةً أن من أهم مبادئ المواطنة، ومن أبرز متطلبات تعزيز الشعور بالانتماء، كمدخل للارتقاء إلى مستوى شرط التكوين الجمعي للأمة، وتحييد مفاعيل تأثير الانتماء إلى الهويات الصغرى، والانتقال إلى الهويات الجامعة الكبرى: هو أن يكون جميع المواطنين شركاء في الغُرم والغُنم، وبخلاف ذلك، يصبح نسيج المجتمع  مفخخاً وقابلاً للانفجار والتشظي، وتصبح فرص تنفيذ المشاريع الخارجية ممكنة وقائمة، كما تصبح عملية استنزاف الدولة، وإطالة أمد الحرب، وزعزعة الاستقرار، وضرب حوامل الاستقرار الاستراتيجية للدّول والمجتمع، عملية ممكنة وسهلة، بحسبان أنَّ البنية جاهزةٌ ومفخخةٌ، ولا تحتاج إلى أكثر من شرارة لإشعال الفتيل.

ربما لا يكون من حقّ المواطن في سوريّة، أن يحصل على احتياجاته كلّها من البنـزين والمازوت، بسبب عدم كفاية القطع الأجنبـيّ والموارد، ولكن من حقّه أن يحصل على إجابات عن سؤال هو: كيف تتوافر الإمكانية في السوق دون عناء للحصول على آخر موديلات السيارات في العالم، وكيف تتوافر إمكانية الحصول على آخر المعروضات من الأزياء والماكياجات والوجبات؟ ومن حقه أن يسأل عن حجم القيمة المضافة في صناعة السيارات في سورية. ومن حقه أن يحصل على إجابات عن البضائع الأجنبية الموجودة في الأسواق، لا سيما التركية التـي تقدر بملايين الدولارات التـي لا تعد من الأولويات الاستراتيجية في زمن الحرب، ويمكن للمواطن السوري أن يستغني عنها، ومن حقه أن يعرف مصدر الثـروات الهائلة لمُحْدَثي النعم، ومن حقه أن يتساءل عن طبيعة مستقبل الكثيـر من الأطراف التـي باتت تسيطر بصورة شبه مطلقة على أرصدة القطع الأجنبـي، وأرصدة العملة السورية، ومن حقه أن يتساءل عن دور السياسة الاقتصادية التـي أسهمت في إعطاء الفرصة للقوى الاقتصادية غيـر المنظمة للاستحواذ على أرصدة النقد السوري والقطع الأجنبـي، ومن حقه أن يتساءل: كيف تجاوزت هذه القوى بإمكاناتها قدرات الدولة السورية الاقتصادية والتمويلية، وكيف أصبح بإمكانها أن تتحكم بالتشريعات والقوانين، وتستبيح المصالح العليا للدولة والمجتمع؟ ومن حقه أن يحصل على أجوبة عن التساؤلات المتعلقة بالكثير من السوريين الذين يمضون عطلة نهاية الأسبوع في دبي وبيـروت والقاهرة وأنقرة، ليعودوا مع بداية الأسبوع الذي يليه إلى سورية، كأبطال قادمين من ميادين القتال، ليحدثونا عما فعلوه في الخارج لصالح الدَّولة السورية والشعب السوريّ، والجميع يعلم أنهم عائدون لاستنزاف رصيد آخر، لتمويل عطلة نهاية أسبوع آخر من جديد، في بيـروت أو القاهرة أو دبي وأنقرة. ومن حقه أن يعرف مصدر الأموال للكثيـر من الصفقات الكبـرى التـي تُعقد بعشرات المليارات.

لقد استنزفت الحرب الدائرة في سورية الكثيـر من مقدرات الدولة السورية، وأنهكتها واستهلكت كثيـراً من رصيدها المادي والمعنوي، ما أثّر بصورة سلبية في المرتكزات التاريخية لبنية الدولة الاقتصادية والسياسية والثقافية والتعليمية والاجتماعية، وأسهم بقوة في زيادة العجز في موارد الدولة، وعدم قدرتها على تأمين الكثيـر من المتطلبات، عبـر قنوات التجارة الخارجية التقليدية، ما دفعها للاعتماد بقوة على الأسواق غيـر النظامية التـي تتحكم بها عادة شركات اقتصاد الظلّ التـي تجيد استغلال ظروف الأزمات، وتستثمرها بقوة، مقابل تقديم بعض الخدمات والتسهيلات التمويلية والإمدادية، وهذا ما أثّر بصورة سلبية في موارد الدولة وإيراداتها الطبيعية، في الوقت الذي تسبب فيه بإلحاق المزيد من الخسائر في خزينة الدولة، كما أدّى إلى انخفاض سعر الصرف، وتراجع القوة الشرائية لليـرة السورية، جراء عمليات التحويل من وإلى الدولار (المضاربة) في الأسواق غير النظامية.

إن تزايد مساحة السّوق السّوداء والاقتصاد غيـر المنظم في الاقتصاد السوريّ على حساب السوق النظاميّة، وارتفاع وتيـرة دور رجال اقتصاد الظلّ على حساب مؤسسات الدولة التقليديّة ومقدراتها، كان لهما دور كبيـر في إعادة توزيع الدَّخل والثـروة في سورية، بطريقة مخلّة بالقواعد المتعارف عليها، ما سهّل إلى حدٍّ كبيـر عملية الاستقطاب والتركُّز الشديد للثـروة والمال، في أيدي قلة قليلة من تجار سوق السوداء وتجار القطع والسماسرة والمضاربين، إضافة لإثراء الكثيـرين من المغتـربين ومن غادر سورية جراء الانخفاض الشديد في سعر صرف الليـرة السورية، ما يعنـي أن آليات السياسة الاقتصادية طوال سنوات الحرب، أسهمت بقوة  في إعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية الاجتماعية، وبالتالي السياسية لسورية، بصورة مختلفة، على حساب شرائح معينة ومكونات مجتمعية باتت أكثـر تهميشاً وهامشية، اضطلعت بتسديد القسم الأعظم من فاتورة الحرب، إذ قدمت الشهداء لمواجهة الإرهاب، ودفعت الكثيـر من مدخراتها ومستوى معيشتها وكرامتها، لتمويل الأثرياء القدامى، ومن ثم الأثرياء الجدد الذين أنتجتهم الحرب، وعززت دورهم قوانين السوق السوداء، والرهانات المتزايدة على دور القطاع غير المنظم وخدماته؟!
هذا، وفي الأحوال كافةً لا يحقّ لأحد مهما بلغ شأنه في قطاع الأعمال غيـر المنظم داخل سورية وخارجها أن يتمنن على الدَّولة السوريّة، ولا على الشعب السوري، بتأمين بعض المواد أو المستلزمات. فمعظم ثرواتهم المالية، وإمبراطورياتهم الاقتصادية المترامية الأطراف في الداخل والخارج، هي من مال الشعب السوريّ، وليست من عبقرياتهم الاستثمارية، ولا من رياداتهم في قطاع الأعمال، أو عالم الابتكار والاستثمار.

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك