مع عودة السوريين خلال عيد الفطر..هل نشهد تحركاً في الأسواق وتبدلاً بسعر الصرف؟
الاقتصاد اليوم ـ خاص:
بعد سنوات من الشتات، يتلهف الكثير من السوريين العودة إلى وطنهم، هذه العودة التي ستكون بمنزلة تحقيق حلم طويل وأمل جديد للعيش بحرية وكرامة، فالحنين يملأ قلوب السوريين، لبلد هاجروا منه نتيجة حرب دامت 14 عاماً، والعودة إليه يعتبر بالنسبة لهم لحظة تاريخية، رغم جراح الماضي ودمار الحرب، ولكن تبقى روحهم متعلقة في الوطن، الذي يبنى عليه الأمل في المستقبل.
الكثير من السوريين بدأوا بالتخطيط للعودة تزامناً مع اقتراب عيد الفطر، وهناك الكثير من العائلات عادت فعلاً، حيث ارتفعت حجوزات السفر إلى سوريا من مختلف دول العالم، وهذه العودة للعائلات فقد يتبعها عودة أكبر بحسب مراقبين وذلك مع قدوم الصيف وانتهاء المدارس والتزامات المغتربين السوريين في مختلف الدول.
في إحصائيات تم نشرها مؤخراً، بينت أن عدد اللاجئين السوريين العائدين من الأردن إلى وطنهم طوعاً، منذ الإطاحة بنظام بشار الأسد، 48 ألفا و844 لاجئاً، وذلك وفقا لبيانات مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، كما أعلنت الأمم المتحدة، أن 1.2 مليون لاجئ سوري عادوا إلى سوريا منذ ديسمبر 2024، أيضاً أعلنت هيئة المنافذ السورية، أن ما يزيد على 100 ألف مواطن عادوا بشكل نهائي من تركيا.
هذه الأرقام طبعاً ليست نهائية كون الأعداد في تزايد مع قدوم الأيام، وخاصة خلال فترة الأعياد، فهناك الكثير من المسافرين عادوا عن طريق المطارات، وهنا لا بد من ذكر أثر هذه العودة اقتصادياً على الأسواق السورية، وعلى سعر صرف الليرة، وحجم الحوالات الواردة إلى سوريا والتي قدرها البنك الدولي عام 2022 بنحو 1.05 مليار دولار، وهناك بعض التقديرات في الأعوام الماضية ذكرت أنها وصلت إلى عشرة ملايين دولار يومياً، أي أن حجمها خلال شهر رمضان كان يتراوح بين 300 و350 مليون دولار، بما في ذلك أيام العيد.
سوريا تنتظر العودة الأكبر لأبنائها في الصيف
التاجر محمد حلاق، نائب رئيس غرفة تجارة دمشق سابقا، أكد في تصريحه لموقع الاقتصاد اليوم، أنه هناك فعلاً كثافة في العائدين إلى سوريا خلال فترة العيد، وذلك على نطاق دائرة معارفه الشخصية، فالكثير من الأسر قررت العودة لقضاء العيد في سوريا، وهناك عائلات قامت بالحجز للإقامة في سوريا بمدد مختلفة تصل حتى شهر كامل، ليؤكد الأمر ذاته مدير غرفة تجارة دمشق والمحاضر في ريادة الأعمال الدكتور عامر خربوطلي، مبيناً أن هذا العيد هو الأول بعد التحرير، ومن المتوقع على مستوى كامل الجغرافيا السورية أن يكون هناك زوار من السوريين لعطلة طويلة في سوريا، مشيراً إلى أن العودة الأكبر ستكون في مرحلة الصيف، فهناك حجوزات كبيرة جداً من المغتربين السوريين والمهاجرين والمقيمين في دول الخليج ومصر، وفي كل دول العالم للمجيء إلى سوريا وخاصة شريحة الشباب.
الخبير الاقتصادي أنس الفيومي اختلف برأيه عن سابقيه، حيث بين في تصريحه لموقع الاقتصاد اليوم، أن حركة الزائرين السوريين بدأت بعد مباشرة الحكومة الجديدة أعمالها، وزيادة حركة الزائرين أثناء فترة العيد لن تكون بمعدلات أعلى عن ما شهدناه منذ بداية العام، لذلك أرجح أن زيادة المعدل سيكون أغلبها من دول الخليج.
نشاط الأسواق بنسبة 40%
وعن تأثير هذه العودة على الأسواق السورية، بين حلاق أنها ستحقق وفورات مالية وحجم إنفاق كبير في الأسواق، ومن شأنه تحريك الأسواق، كون الاقتصاد مترابط، وأي فعالية تعمل سينعكس ذلك على بقية الفعاليات الأخرى، وهذا من شأنه أن يوفر كتلة نقدية معدة للإنفاق تؤدي بشكل إيجابي إلى تقوية الاقتصاد وتخفيض التضخم بشكل أو اخر، لان المصاريف تخف عندما يزيد البيع، وبالتالي سينعكس ذلك على الأسعار بكل تأكيد.
خربوطلي بين في تصريحه لموقع الاقتصاد اليوم، أن هذه العودة ستؤدي إلى صرف كميات من الأموال غالبها من القطع الأجنبي في السوق السورية على الاحتياجات المختلفة سواء الغذائية أو السياحية وهذا يؤثر مباشرة في دعم الاقتصاد السوري، وسيؤدي إلى زيادة الطلب على المرافق من خدمات الإطعام والفندقة والمنتجعات والمناطق السياحية.
الدكتور عبد المعين مفتاح، الخبير والاستشاري في الإدارة والاقتصاد، أكد في تصريحه لموقع الاقتصاد اليوم، أن الأسواق السورية تعتمد بشكل كبير على حركة المغتربين خلال الأعياد، خاصة في قطاعات مثل الألبسة، المطاعم، والفنادق، لكنها أيضًا تخلق طلبًا مرتفعًا على بعض السلع والخدمات، مما قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ، ففي كل عام نشهد هذه الظاهرة، وهي سيف ذو حدين، صحيح أن المغتربين يضخون سيولة في السوق، لكن هذا التدفق السريع قد يؤدي إلى تقلبات في سعر الصرف، خاصة مع زيادة الطلب على الليرة السورية في قطاعات مثل السياحة والنقل.
وتوقع مفتاح أن تنشط الأسواق بنسبة 40% خلال العيد، إلا أن هذه الزيادة في حركة الأسواق لا تعني تحسنًا دائمًا، بل هي مجرد فورة قصيرة، مشيراً إلى أن المشكلة الأساسية هي ضعف القدرة الشرائية للمواطنين، فلا يمكن للاقتصاد أن يعتمد على مواسم الأعياد فقط، بل نحتاج لاستراتيجيات طويلة الأمد تحول هذه السيولة إلى استثمارات مستدامة، فعند انتهاء العيد، تهدأ الحركة، تنخفض السيولة، وتعود الأسواق إلى وضعها السابق، وهذا السيناريو يتكرر كل عام، مما يجعل الانتعاش الاقتصادي موسميًا، وليس مستدامًا.
تنشيف السيولة.. والإنفاق بالدولار
وحول تأثير نقص السيولة السورية في السوق نتيجة سياسية تنشيف السيولة، وتأثير ذلك على العائدين السوريين وعلى سعر الصرف، بين حلاق، أن هذا الأمر سيدفع بالعائدين أن يكون إنفاقهم بالدولار، وليس بالليرة السورية، فقد تكون شركات الصرافة مغلقة خلال فترة العيد، وبالتالي الاعتماد على الصرافين المنتشرين في أطراف المدينة، وهذا الأمر له سلبية على الليرة السورية، وعلى من يقوم بشراء الخدمة، فعندما يدفع الشخص سعر خدمته بالدولار، فإن الكثير من الفعاليات الخدمية كالمطاعم والمناطق السياحية سيقومون باحتساب سعر صرف الدولار بسعر أقل من سعره في السوق السوداء وحتى بأقل من سعره الرسمي، حيث أن سعره في السوق حاليا نحو 10 آلاف ليرة، وهنا ستقوم هذه الفعاليات الخدمية من مطاعم وغيرها باحتساب الدولار بـ 8 آلاف ليرة أو 9 آلاف، بأحسن حالاته، وهنا سيشعر الشخص بالغبن، ولتلافي هذه المشكلة يجب أن يكون هناك مراكز صرافة تعمل خلال فترة العيد، أو بعض أفرع البنوك الخاصة، وذلك لبيع وشراء الدولار بسعره الحقيقي وبشكل معلن.
وأكد على أهمية أن يقوم المصرف المركزي بتزويد السوق بالليرة السورية خلال فترة العيد، وأن تكون مراكز الصرافة المرخصة قادرة على تلبية احتياجات الأشخاص من الليرة السورية، وأن يكون سعر الدولار في كل الأماكن موحد مع فروقات بسيطة بين البيع والشراء، وهذه الإجراءات يجب أن تكون حصراً عن طريق مصرف سوريا المركزي.
انخفاض نسبة الحوالات وتأثر سعر الصرف
وعن حجم الحوالات وتأثرها بعودة السوريين من الخارج، أثناء فترة العيد وخاصة بعد أن قام مصرف سوريا المركزي مؤخرا برفع قيمة الليرة السورية على 12 ألف ليرة بعد أن كانت 13300 ليرة، ذكر الفيومي، أن هناك غياب للشفافية حول حجم التحويلات الخارجية القادمة إلى سوريا، وبالتالي إمكانية دراسة تأثير الحوالات أو أموال الزائرين على سعر الصرف يعتبر صعب جداً، هذا إذا أضفنا العوامل الأخرى المتعلقة بسعر الصرف ولاسيما قلة السيولة وعدم وجود حركة مصرفية حقيقية ووجود بعض المستفيدين من فوضى سوق النقد، كما أن حرية تداول الدولار أتاحت أيضاً إجراء تحويلات بطرق فردية بعيداً عن المكاتب المرخصة أو المصارف مما يصعب حصر نسبتها إلى مبلغ الحوالات النظامية.
الدكتور مفتاح، بين أن عودة المغتربين تؤثر على سعر الصرف، حيث يزيد الطلب على الليرة السورية مؤقتًا، ما يؤدي أحيانًا إلى ارتفاع سعر الليرة مقابل الدولار، لكنه سرعان ما يعاود الانخفاض بعد انتهاء العيد، والمشكلة الاخرى هي شح وندرة عملة الليرة السورية وخاصة بالقنوات الرسمية مثل البنك المركزي والبنوك العامة والخاصة، وهذه التقلبات لا تؤدي إلى تغييرات جذرية، كما يؤكد الدكتور مفتاح، فما يحصل مجرد دورة اقتصادية مؤقتة، فالتأثير الحقيقي يأتي من استثمار هذه الأموال في مشاريع دائمة بدلًا من صرفها على أمور استهلاكية سريعة.
وعن إمكانية تراجع تحويلات المغتربين خلال العيد، قال مفتاح: لطالما كانت حوالات المغتربين مصدر دعم أساسي للاقتصاد السوري، حيث تشير التقديرات إلى أن السوريين في الخارج يرسلون سنويًا حوالي 3 مليارات دولار عبر القنوات الرسمية وغير الرسمية، لكن مع عودتهم لقضاء العيد داخل البلاد، هل يعني ذلك تراجعًا في هذه الحوالات، ففي فترة العيد، من الطبيعي ان نرى تراجعاً بسيطاً في الحوالات، لأن المغتربين يجلبون معهم المال نقدًا بدلًا من إرساله عبر المصارف، لكن هذا التراجع مؤقت، وسرعان ما تعود الحوالات إلى طبيعتها بعد انتهاء العيد.
نهاية القول، سوريا الآن بحاجة إلى شبابها للعودة إليها، فهي تنتظر منهم بناء البيوت المدمرة والمدارس والمستشفيات، سوريا التي كانت عبر سنوات الحرب القاتمة مصدراً للاجئين، الآن فتحت ذراعيها لأبنائها ليضعوا بصمتهم في إعادة البناء وإصلاح ما أفسدته الحرب.
وسيم إبراهيم
الاقتصاد اليوم
تعليقات الزوار
|
|