مليارات كادت تضيع بموافقة وزير التجارة الداخلية واللجنة الاقتصادية! فساد القمح إلى متى ؟
الاقتصاد اليوم:
منذ العام 2013، وملف القمح يدار بطريقة أقرب ما تكون إلى العشوائية تارة، وعدم الحكمة والتبصر تارة ثانية، والفساد تارة ثالثة.
ونتيجة لذلك تحولت البلاد إلى مستورد للقمح، وما يعنيه ذلك من إنفاق كميات كبيرة من القطع الأجنبي لتمويل الكميات المستوردة سنوياً، والتي وصلت إلى نحو 1.5 مليون طن سنوياً.
هنا نتناول بعض المعلومات الموثقة التي وصلت إلى “الأيام”، والمتعلقة ببيع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك لنحو 250 ألف طن لإحدى الشركات الخاصة، وهي القضية التي أثارها أعضاء مجلس الشعب وردت الحكومة بتأكيد أنها كانت قانونية ولمصلحة الدولة.
الجديد لدينا ليس في حيثيات هذا العقد وكيف تم التوقيع عليه، وإنما فيما سبق هذا العقد من عروض شراء للكمية نفسها، والضغوط التي مورست على مؤسسة الحبوب للموافقة على البيع بأسعار كانت تعني خسارة خزينة الدولة لأكثر 5.174 مليارات ليرة، مقارنة بالسعر الذي بيعت فيه الكمية المذكورة أخيراً، وبنحو 13 مليار ليرة مقارنة بسعر التكلفة الصادر بقرار من وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، والبالغ نحو 134221 ليرة للطن الواحد.
مع الإشارة إلى أن رفض المؤسسة البيع بأسعار متدنية دفع ثمنه مدير عام مؤسسة الحبوب الذي تم إعفاؤه بناء على اقتراح من وزير التجارة الداخلية.
فقط خمسة مليارات!
قبل البدء بسرد تفاصيل ما حصلت عليه “الأيام” والذي نضعه بين أيدي رئاسة مجلس الوزراء والجهات الرقابية للتحقيق، نشير هنا إلى أننا لا نتهم أحداً، وحق الرد والتوضيح والنقاش سيكون مفتوحاً أمام الجميع، كما أننا سنحتفظ بأسماء الشركات والتجار الذين تقدموا بطلبات شراء، لأن غايتنا تهدف إلى تسليط الضوء على الآلية التي يجري التعامل فيها مع هذا المحصول الاستراتيجي.
بدأت القصة مع ورود طلبات إلى وزير التجارة الداخلية ومؤسسة الحبوب لشراء الفائض من محصول القمح في محافظة الحسكة، والمقدر بنحو 250 ألف طن، والذي تعذر نقله إلى المحافظات المستهلكة، فضلاً عن المخاوف من تعرضه للسرقة والنهب نتيجة الظروف الراهنة.
جميع عروض الشراء التي وصلت إلى المؤسسة بشكل مباشر أو عبر وزير التجارة الداخلية كانت أسعارها أقل من سعر التكلفة، وأقل من الأسعار العالمية التي تستورد بها المؤسسة، حيث وردت في البداية عروض شراء بسعر 165 دولاراً للطن الواحد، 189.5 دولاراً، و193.26 دولاراً.
وكانت جميع ردود المؤسسة على طلبات الشراء، المقدمة من أفراد وشركات، تتضمن اقتراحاً واحداً يقوم على “استدراج عروض أسعار أصولاً لخلق مزيد من المنافسة بين المتقدمين والحصول على أفضل سعر ممكن، ولاسيما أن البيع بسعر أقل من التكاليف يحتاج إلى موافقة الجهات الوصائية لتغطية العجز الحاصل، إلّا أن وزير التجارة الداخلية فضل اللجوء إلى اللجنة الاقتصادية واستطاع الحصول منها على توصية خاصة لبيع 250 ألف طن بسعر 165 دولاراً للطن الواحد، و10 آلاف طن بسعر 189.5 دولاراً للطن الواحد، شريطة قيام العارضين بتسديد المبلغ خلال عشرة أيام سلفاً قبل الاستجرار.
توصية تحفظت المؤسسة على تنفيذها، نظراً لأن الأسعار الموافق عليها أقل من سعر التكلفة، لكن المؤسسة أكدت أنه يمكن البيع في حال تعذر نقل المخزون إلى المحافظات المستهلكة، والسبب الثاني لتحفظ المؤسسة كان في أن التوصية لم تشر بوضوح إلى موافقة صريحة على تغطية العجز التجاري نتيجة البيع بأقل من سعر التكلفة وضمه للعجز التمويني لعام 2017، مشيرة إلى أن العجز المترتب على تنفيذ توصية اللجنة الاقتصادية يبلغ نحو 12.211 مليار ليرة لكمية 250 ألفاً على أساس سعر الطن 48847 ليرة، و362 مليون ليرة لكمية 10 آلاف طن على أساس سعر 36221 ليرة للطن الواحد.
وأوضحت المؤسسة في معرض جوابها أنها تلقت عروض شراء وصل سعر الأخير منها إلى 100 ألف ليرة للطن الواحد، وهذا ما دعاها إلى الاقتراح مجدداً دعوة العارضين ومن يرغب بشراء كميات القمح الفائض من مخزون فرع القامشلي إلى جلسة مزايدة علنية للتعاقد بالتراضي لتقديم آخر أسعارهم، أو الموافقة للمؤسسة على إجراء استدراج عروض أسعار للبيع بالعقد المباشر للكميات المشار إليها، مع الموافقة على تغطية العجز الناجم عن هذا البيع وضمه للعجز التمويني لعام 2017.
مرة أخرى لم يأخذ وزير التجارة الداخلية بتلك التحفظات التي تقدمت بها مؤسسة الحبوب، لا بل إنه طلب من المؤسسة المباشرة ببيع أحد العارضين 5 آلاف طن من إجمالي الكمية البالغة 250 ألف طن وبسعر 165 دولاراً للطن الواحد، ومرة أخرى لم تنفذ المؤسسة موافقة الوزير باعتبارها مخالفة لتوصية اللجنة الاقتصادية نفسها، والتي اشترطت تسديد ثمن 250 ألف طن كاملاً قبل التسليم، أي نحو 41 مليون دولار وخلال عشرة أيام، وقد مضت الفترة ولم يسدد العارض المبلغ المذكور، علماً أنه خلال هذه الفترة وردت عروض شراء بسعر أعلى، وصل إلى 198 دولاراً، و203 دولارات.
إلى أن تم بيع الكمية “250 طناً” لإحدى الشركات بزيادة قدرها 40 دولاراً للطن الواحد، أي إن الأخذ والرد بين الوزارة والمؤسسة، وتفشيل جهود البيع السابقة حقق للخزينة العامة زيادة قدرها 5 مليارات ليرة!.
للنقاش
الوثائق والمستندات التي حصلت عليها “الأيام” تثير جملة من القضايا والنقاط التي تحتاج إلى نقاش عميق، وأهمها ما يلي:
-ما مدى صحة وموضوعية الأسباب التي قدمت لتبرير عملية بيع الفائض من مخزون محصول القمح في فرع القامشلي؟ هل فعلاً مستوى المخاطر بسرقة ونهب المحصول كانت مرتفعة إلى هذه الدرجة؟.
-لماذا الإصرار على البيع بناء على طلبات قدمت مباشرة لوزير التجارة الداخلية؟ في حين أن المنطق ومصلحة الدولة يقتضيان العمل على استدراج عروض أسعار من جميع الراغبين بالشراء، الأمر الذي من شأنه الحصول على أفضل سعر ممكن، وبالتالي إبعاد أي شبهة أو شك حول الأسعار المباع بها لاحقاً؟ ولاسيما أن هناك عروض شراء بأسعار أعلى مما كان يراد به البيع وردت للمؤسسة أو وزارة التجارة الداخلية؟.
-كيف يمكن للجنة الاقتصادية أن توافق على البيع بسعرين؟ وما المبررات التي قدمها وزير التجارة الداخلية واستندت عليها اللجنة الاقتصادية في تبرير توصيتها كما جاء في الكتاب الرسمي؟.
-تؤكد مصادر في مؤسسة الحبوب أن موقف المؤسسة من عروض الشراء التي كانت تصل للمؤسسة أو الوزارة واقتراحاتها لم تكن تصل إلى رئاسة الوزراء، التي لايمكنها أن توافق على البيع بسعر أقل طالما هناك إمكانية للحصول على سعر أفضل، بدليل عندما طرحت شركة الشراء بسعر 205 دولارات للطن الواحد وافق مجلس الوزراء وتجاوز توصية اللجنة الاقتصادية!.
-يلاحظ زيادة ظاهرة عروض الشراء والبيع التي تقدم مباشرة لبعض الوزراء، والذين يتولون تحويلها إلى المؤسسات المعنية، والمضحك أن بعض الوزراء يرسلون عروض أسعار إلى مديريهم عبر الواتس آب، والسؤال: لماذا لا تقدم هذه العروض مباشرة إلى المؤسسات المعنية وتسجل بشكل قانوني وتناقش من اللجان المختصة، وعندما تهمل يمكن الشكوى للجهات الوصائية للتحقيق ومحاسبة المخالفين؟.
المصدر صحيفة الأيام السورية
تعليقات الزوار
|
|