الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مهام صعبة أبطالها رجال أعادوا النور إلى منازل السوريين

الاقتصاد اليوم:

ثمة حرب أخرى تدور رحاها على الأرض السورية. حرب يجهد فيها سوريون بسطاء للمحافظة على بعض من النور الذي يضيء لهم منازلهم وعقولهم، لكن لكل ثمنه: قتل، خطف، إصابة، وغيرها

على مدار ثلاثة أيام متتالية من شهر كانون الأول المنصرم، كانت جبال القلمون مقصداً لورش الصيانة الآتية من ثلاث محافظات، بغية إصلاح عطلين كبيرين تسببا بإغراق محافظات المنطقة الجنوبية في ظلام دامس.

لم تكن المهمة سهلة لاعتبارات عديدة، لكنها ليست الأولى بصعوبتها وخطورتها، فكثيراً ما كان عمال الكهرباء عرضة خلال السنوات الخمس الماضية لشتى أنواع الأخطار المرافقة للحروب، بدءاً من الاستهداف المباشر بالرصاص، وصولاً إلى القنص، فالألغام الأرضية، التي ترمى كـ«مصيدة» بجوار الأبراج الكهربائية عند تخريبها.

عند أول حاجز للجيش، تقدم رئيس إحدى الورش، التي وصلت باكراً إلى المنطقة، لإعلام الضابط المسؤول بمهمة الورش ومساحة تحركها، كان رد الضابط بالرفض حفاظاً على سلامة العاملين، ولا سيما أن الليل كان قد انتصف تماماً، والمنطقة المراد التوجه نحوها مليئة بالألغام. هنا تدخل وزير الكهرباء الموجود في مركز التنسيق المركزي بالوزارة، واتصل هاتفياً بالضابط شارحاً له ضرورة تمكين الورش من البحث عن مكان العطل، والمباشرة بإصلاحه لإعادة النور إلى منازل المواطنين في كامل محافظات المنطقة الجنوبية، فما كان من الضابط إلا أن وجه بمرافقة مصفحة عسكرية وبضعة جنود لورش الصيانة للبحث عن العطل في أعالي جبال القلمون، حيث كانت درجة الحرارة في ذلك اليوم تنخفض إلى ما دون العشر درجات تحت الصفر.

يروي المهندس معتصم بيروتي، الذي كان على رأس إحدى الورش الثلاث، بعضاً من معاناتهم في إصلاح ذلك العطل، فيقول: «العطل كان في منطقة جبلية وعرة جداً، الأمر الذي كان يعيق استخدام أي من الآليات، فضلاً عن درجات الحرارة المتدنية جداً، التي جعلت حديد الأبراج يبدو متجمداً»، مضيفاً أنه لولا «تدخل أحد عناصر الجيش في الوقت المناسب لانفجر بي لغم أرضي»، لكن بعد تجارب مريرة خلال الفترة، التي مرت من عمر الحرب حتى الآن، فإن العامل حسين المضحي يرى أن «مخاوف عمال الكهرباء لم يعد مصدرها الألغام الأرضية، فالتجارب وفرت لهم بعض الخبرة في التعامل معها، إنما الخوف اليوم يتأتى من عمليات القنص، ولاسيما عند محاولة إصلاح خطوط التوتر العالي».

تحت النار

عمال ورش الصيانة والإصلاح حكايات كثيرة صنعتها ظروف العمل خلال فترة الأزمة، فهذا يفتخر بأنه كان أول عامل من وزارة الكهرباء يتعرض للخطف عندما كان يشارك في إصلاح عطل مركزي في منطقة سهل الغاب، وذاك خطف في منطقة بالقابون في دمشق، والثالث حوصر في منطقة ما، وعندما استطاع أن يخرج سحب معه جثة شهيد من الجيش كان يحمل ثلاث بنادق. وبحسب ما يؤكده وزير الكهرباء المهندس عماد خميس لـ«الأخبار» فإنه، و«لغاية شهر أيلول الماضي، استشهد 266 عاملاً أثناء أداء واجبهم في إصلاح الأعطال، وإيصال الكهرباء إلى منازل السوريين، فيما بلغ عدد المصابين نحو 183، وبعضهم أصبح معاقاً، إضافة إلى 49 عاملاً لا يزالون مخطوفين».

عن أخطر وقت مر على عمال الورش، يجيب المهندس بيروتي أنه كان «خلال محاولة إصلاح أحد الخطوط المغذي لكهرباء محافظات المنطقة الجنوبية الثلاث: درعا والسويداء والقنيطرة، وذلك في منطقة غباغب في ريف درعا، آنذاك تعرضت الورش لإطلاق رصاص كثيف، وقذائف هاون على يد المجموعات المسلحة لمدة تزيد على خمس ساعات، ولم تتمكن الورش من الخروج إلا بعد تدخل وحدات المدفعية في الجيش السوري، وعندما عادت الورش من جديد لإتمام عملها، كان المسلحون قد فخخوا البرج، وفجّروا الرافعة التي يزيد ثمنها على 150 مليون ليرة».

ومع ذلك، فإن تلك الحادثة وغيرها، لم تكن لتثني العامل جميل جبه جي عن الاستمرار في تسلق الأبراج الحديدية، التي تحمل خطوط التوتر العالي في منطقة القلمون وغيرها، فجل ما يزعجه «ألا يجري إصلاح العطل»، وكثيراً ما كان يعود من مهمته الشاقة و«المميتة» ليجد أن الكهرباء مقطوعة عن منزله بسبب التقنين، ويكشف في حديثه لـ«الأخبار» أنه «عندما يخرج في مهمة، فإنه يكتفي بإعلام عائلته دون أن يعطي تفاصيل عنها، وأحياناً يوصي أولاده ببعضهم بعضا».

المصدر: صحيفة "الأخبار"

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك