الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

مواقف حكومية لا تكفي للتفاؤل بالموسم الزراعي!

الاقتصاد اليوم:

تقف البلاد على مشارف الموسم الزراعي الشتوي، وتستعد بشيء من التفاؤل لإطلاق هذا الموسم، الذي يمكن وصفه بأنه أحد ضمانات الأمن الغذائي، والركيزة الأساسية للزراعة السورية. إلا أن المؤشرات الأولية تعكس حالة من اللامبالاة الحكومية، إذ تغيب الرؤية الفعلية لمواجهة التحديات التي حالت دون زراعة المحاصيل الموسم الماضي أو جنيها، وعلى رأسها ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج.

تقف الحكومة على مسافة بعيدة من المزارعين، لا تلبي مطالبهم، ولا تسعى لحل مشكلاتهم المتكررة سنوياً، وتتركهم عرضة لحالات الابتزاز والاحتكار، إذ يتعرضون للغبن والظلم على مرأى من أعينها، وعلى مسمع منها. فالتجار الذي يلتقطون اللحظة المناسبة، وهي التراجع الحكومي عن دعم المزارعين بمستلزمات الإنتاج من بذور ومحروقات وأسمدة وغيرها، يدخلون بصفة منقذين للمزارعين الذين يرضخون لشروط مذلة. فتخلي المصرف الزراعي التعاوني عن ممارسة دوره المعتاد، ووضع شروط قاسية لجهة تمويل الفلاحين بمستلزمات الإنتاج، تفرض على الفلاحين الذهاب إما إلى التجار والسماسرة، أو إلى الطريق الآخر المظلم وهو ترك أراضيهم بوراً.

ومن تجربة الموسم الزراعي الماضي، نستند إلى مواقف معلنة لمعظم الوزراء والتنظيم الفلاحي، التي عبرت مراراً عن دعمها للفلاح، وسمعنا كلاماً معسولاً، وعبارات رنانة كان لها وقع طيب في نفوسنا، إلا أنها كانت هباء منثوراً، ولم تتجسد على شكل أفعال حقيقية، ولم ترتق لمصاف المواقف الوطنية. ومع كل التأكيدات التي حسمت موقف الحكومة وعزمها المطلق على تزويد الفلاحين بالمحروقات، أتت أزمة المحروقات العاصفة الشتاء الماضي، والتخبط الحكومي الهائل تجاه إمكانية حلها، والفشل الذريع المرافق لمواجهة النقص الحاد في كميات المازوت اللازمة للزراعة فضلاً عن القطاعات الأخرى، أتى ذلك كأبرز عوامل الضغط المباشر على الفلاحين المتمسكين بمهنتهم، وبأرضهم، وإصرارهم على زراعتها.

ويمكن وصف ذلك المشهد بأنه ترك المزارع أمام لجّة التحديات، فيما المطلوب منه، عجزت عن مواجهته الحكومة. بيع ليتر المازوت ما بين 200 إلى 250 ليرة سورية، وارتفعت أجور الفلاحة، وحلقت أسعار البذار، في الوقت الذي أبدى المصرف الزراعي تشدداً واضحاً في تمويل الفلاحين بمستلزمات الإنتاج، وتعامل كمصرف بحت يعمل بعقلية المصارف الربحية، متجاهلاً دوره الأساسي في الوقوف إلى جانب الفلاح. وبعيداً عن جلد الذات، لابد من النظر إلى المستقبل، و وضع التصورات المطلوبة لموسم قادم، مازال الغموض يكتنفه، والمراوحة في المكان هي سيدة الموقف.

ماذا ستقدم "وزارة الزراعة" لفلاحينا؟ هذا سؤال ترفي بالنسبة للمسؤولين الزراعيين والتنظيم الفلاحي، إذ أنهم يضعون خططاً، لا تختلف كثيراً عن الخطط السابقة قبل سنوات، بمعنى آخر لم تؤثر الأزمة الراهنة وهذه الحرب الطاحنة، على تغيير الخطط الزراعية، ووضع خطط تناسب زمن الحرب، واقتصاد الحرب الذي تزعم الحكومة أنها تطبقه، وتديره، بصفتها حكومة حرب. فما زلنا نسمع من مخططي الزراعة الكلام ذاته، ونقرأ عن الخطط عينها، ونشهد المواقف نفسها، وكأن لا متغيرات هائلة تعرض لها الاقتصاد الوطني. لم تؤخذ بالحسبان الانزياحات السكانية من الريف إلى المدينة بسبب ما يجري من أحداث، وعن ترك المزارعين لمحاصيلهم رغماً عنهم، لا هم قادرون على جنيها، ولا ثمة من يساعدهم في ذلك لتعويض خسائرهم الكبيرة. تُركت عشرات الهكتارات في كل محافظة بلا حصاد، وبلا جني المحصول، بينما "وزارة الزراعة" و"اتحاد الفلاحين" لم يحركوا ساكناً لمساعدة الفلاحين، أو تعويضهم عن الخسائر. إذ يبلغ مجموع الأراضي القابلة للزراعة في البلاد ستة ملايين هكتار، مستثمر منها 5,7 ملايين هكتار، وتصل مساحة الأراضي المروية 1,4 مليون هكتار، والبعلية 3,3 ملايين هكتار، فيما يعمل في الزراعة أكثر من 19% من القوى العاملة، وفقاً لإحصاءات 2007.

تتبرأ الحكومة من التزاماتها تجاه الفلاحين، وتقف بعيدة عنهم، ولا تلبي طموحاتهم. تحاول أن تُظهر موقفاً داعماً لهم، لكن أفعالها تفضحها، وتعري ما تبقى من حياء لديها. ومع بدء الموسم الزراعي الشتوي، الذي يتصدر القمح محاصيله، وهو المحصول الأساس في تحقيق الأمن الغذائي، هل ستغير الحكومة من مواقفها، وتدخل كداعم قوي للمزارعين؟ هل ستؤمن لهم جزءاً من احتياجاتهم، وتحثهم انطلاقاً من دورها على مزيد من الجهد لزراعة أراضيهم، وكسر طوق الحصار الاقتصادي؟ المشكلة الحقيقية حتى الآن، أن الحكومة تقف على الضفة الثانية، ولا ترى بنفسها معنية بهذا الشأن، ولا تنغمس مع الفلاح بمشكلاته، وتحدي كل ما يعوق زراعة أرضه، فتحولت البلاد التي كانت تتصدر دول العالم بالأمن الغذائي إلى بلد فيه جوع حقيقي، وهذا قبل الأزمة الراهنة، فما بالنا الآن وحربنا المديدة أفقدتنا أهراء القمح، ومئات ملايين أطنان القطن والحمضيات والشوندر السكري، وغيرها من المحاصيل التي تحمل رائحة التراب السوري ومياهها، بينما مايزال تعامل الحكومة بعقل مالي وليس استثمارياً اقتصادياً تنموياً.

المصدر: صحيفة "النور" المحلية

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك