الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

ميالة يحثّ الحكومتين على التفاهم بشأن استعادة الأرصدة السورية المجمدة في المصارف اللبنانية

الاقتصاد اليوم:

بين الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي الدكتور أديب ميالة بأن السوريين قادرين على إعادة الإعمار مشيراً إلى أنه كان قد التقى مستثمرين سوريين لهم أرصدة في لبنان تجمّدت كما تجمّدت أرصدة الآخرين، وقد أكدوا له أن هذه الأموال كانت مهيّأة لإعادة الإعمار، بدوافع معينة.. فما هي هذه الدوافع ..؟ وعلى سيرة لبنان والأرصدة السورية في بنوكها ما مصيرها ..؟ وما هي آثار الأزمة اللبنانية على سورية بشكلٍ عام أيضاً ..؟ ثم ألا من حل يلوح في الأفق لتلك الأزمة ..؟ تلك ستكون تكملة الحديث مع الحاكم الأسبق للبنك المركزي .. وأشياء أخرى كرأيه بأداء المركزي اليوم، لنختم بذلك هذه السلسلة .

لمن مردود إعادة الإعمار..؟

يرى الحاكم الأسبق أن ما لمسه عند رجال الأعمال الذين التقاهم هو الدافع الوطني الكبير باتجاه إعادة الإعمار، ولكنه يرى أيضاً بأن المساهمة بإعادة الإعمار له مردودية عالية جداً، وهذه المردودية تكون للجميع للتجار والمستثمرين والصناعيين .. وكل الناس.

وحول مدى أثر الأحداث اللبنانية على سورية، أو على ارتفاع الأسعار، لفتَ ميالة إلى ما كان قد ذكره سابقاً حول تأثر الاقتصاد الألماني بالحرب التجارية الصينية الأمريكية، ليقول : فكيف الأمر بالنسبة لسورية ولبنان ..؟ في الحقيقة هناك ارتباط وثيق بين سورية ولبنان، وبين الاقتصادين، هناك سوريون في لبنان، ولبنانيون في سورية، واستثمارات سورية في لبنان، واستثمارات لبنانية في سورية، أغلب المصارف السورية الخاصة لبنانية الأصل، فهناك أرصدة سورية في لبنان، ولكن هناك أرصدة لبنانية في سورية أيضاً، فالارتباط وثيق بين البلدين، وأحياناً تُغيّم في سورية .. لتُمطر في لبنان .. وهكذا.

فالذي حصل هو أن الأزمة اللبنانية – وللأسف – أثّرت تأثيراً كبيراً على سورية، وهذه الأزمة هي أزمة أرصدة، فالأرصدة السورية في لبنان كان السوري يستخدمها لفتح اعتمادات عن طريق المصارف اللبنانية باعتباره لا يستطيع أن يفعل ذلك عبر المصارف السورية المحاصرة، فهناك تشابك كبير جداً مصرفي سوري لبناني، وتشابك كبير جداً بين الاقتصادين، فآثار الأزمة اللبنانية ليست على لبنان فقط، وإنما على سورية أيضاً، وبمجالات عديدة، وليس فقط على صعيد الأرصدة السورية المجمّدة في لبنان حالياً، فاليوم من له أرصدة في لبنان لا يستطيع تحريكها بحكم الأزمة، وبالتالي لم يعد بالإمكان – حتى على المدى المتوسط – تسخير هذه الأرصدة لإعادة الإعمار في سورية، ولذلك أرى من الضروري جداً إيجاد حلول معينة لهذه المشكلة، وهذه الحلول تتم بين الدول حتى نستطيع تحرير هذه الأرصدة من المصارف اللبنانية.

وفيما إن كان الاحتمال وارداً لخسارة هذه الأموال ..؟ اعتبر الدكتور أديب أنّ هذه الأموال اليوم تخسر وهي مجمّدة، لأنها لم تعد قابلة للاستثمار، وليس فقط كذلك بل هناك مستثمرين سوريين يضطرون للتنازل عن نسبٍ معينة من أرصدتهم حتى يتمكنوا من سحب هذه الأرصدة كي يستأنف هؤلاء المستثمرين أعمالهم.

والحقيقة – يقول الدكتور ميالة – إن الأزمة في لبنان ليست وليدة اليوم، وإنما هي نتيجة تراكمات وسياساتٍ قديمة، فمن زمان عندما كان الدَّين العام / 30 – 40 / مليار دولار، كانت هذه أزمة خطيرة، اليوم نتحدث عن / 70 / مليار وأكثر، والسؤال الآن : هل لدى مصرف لبنان كتلة من القطع الأجنبي تعادل هذه الأرصدة ..؟ لا أتصور أنها موجودة، ولو أنها موجودة ما كان للأزمة أن تحصل، صارت هناك أزمة ثقة ليست محلية فقط، وإنما أزمة ثقة عالمية أيضاً، فلبنان اليوم توقف عن الدفع لسندات مستحقة عالمياً وهذا أدى وبشكل كبير إلى فقدان الثقة بالنظام المصرفي اللبناني، وكذلك داخلياً، فالمواطنون والمودعون الذين لا يستطيعون سحب أموالهم من المصارف هؤلاء أيضاً فقدوا الثقة بالقطاع المصرفي اللبناني، الذي صار وكأنه غير كوجود، فلا أحد يعرف هل يستطيع أن يسترجع أمواله أم لا يستطيع ..؟

كما أنّ الكتلة المالية اللبنانية الكبيرة الموجودة في الخارج ليست ملكاً لمصرف لبنان، هي ملك لأشخاصٍ أثروا من هذا النظام المصرفي اللبناني، فهناك عدد من الأشخاص تسلموا مناصب في لبنان وصار عندهم بالمليارات.

ولكن ما هو الحل برأي الحاكم الأسبق ..؟ فلنا في مصارف لبنان المليارات المجمدة أيضاً ..؟

يعتقد الدكتور ميالة أن الحل المصرفي يمكن أن يأتي من عدة جوانب، أهمها جانبان :

الأول : زيادة رؤوس أموال المصارف، لتزداد السيولة في المصرف، وبالتالي يستطيع أن يتحكّم أكثر بالسداد، وتلبية طلبات المودعين عندما يطلبون السحب.

الثاني : يمكن للأثرياء في لبنان أن يقوموا بشراء بعض الحصص من المصارف، وهذا يزيد السيولة ويساهم بحل الأزمة اللبنانية.

هاتين طريقتين مباشرتين وواضحتين، فالمشكلة أن المصارف اللبنانية وظّفت أموالها في المصرف المركزي، والمودعون وظفوا أموالهم في المصارف، لا المركزي يعطي المصارف أموالها لأنه لا يمتلكها .. ولا المصارف تستطيع إعطاء المودعين .. لأن أموالها في المركزي.

ماذا يعني إصدار فئة نقدية أعلى .. ؟ ولماذا لا تُشطب الأصفار مثلاً ..؟ وهل يمكن إلغاء فئة نقدية معينة في ظرف من الظروف ..؟ وهل هناك نيّة لإصدار فئات نقدية أعلى مستقبلاً ..؟

يوضح الدكتور ميالة هذه المسألة بالقول : بكل بساطة تصدر مثل هذه الفئات بسبب انخفاض قيمة العملة بكل صراحة، وهذا ليس سرّاً، وهذا ما دعانا لإصدار فئة ألــ / 2000 / ليرة، هذا شيء طبيعي، بل كان ضرورياً لإعطاء إمكانية لتسهيل تداول العملة، ولكن هذا ليس حلاً، سننتظر إلى انتهاء الحرب، وعندها توجد الحلول وهناك إمكانيات كبيرة جداً لإيجاد مثل هذه الحلول.

أما بالنسبة للأصفار وشطبها من العملة فإن هذا وارد، ولكنه يحتاج إلى تحسّن في الاقتصاد، وزيادة الناتج القومي، وزيادة الإنتاج، زيادة الاستثمارات أيضاً، وزيادة الصادرات، عندها يمكن شطب الأصفار، أو يمكن إيجاد حلول كثيرة أخرى .. والأمر ليس صعباً.

أما بالنسبة لإلغاء فئة نقدية معينة فإن هذا أمر وارد أيضاً، وهناك الكثير من دول العالم تقوم بذلك، وهذه من القواعد .. وليست مشكلة، في تركيا – مثلاً – حصلت، وفي إيران وكذلك في ألمانيا.

وبالنسبة لنيّة إصدار فئات نقدية أعلى ففي الواقع ليس عندي أي معطيات حول ذلك، سواء كان هناك نية، أم لا توجد نية، وبدون معطيات أكون أتحدث ( شو ما كان )

كيف يتوقع الدكتور أديب ميالة الوضع الاقتصادي في سورية بعد خمس سنوات ..؟ هل يمكن أن يتحسّن ..؟

قال : يمكن أن أجيب بكلمة واحدة على هذا السؤال، وأقولها ( نعم ) فإذا توقفت العقوبات والوضع الأمني تحسّن .. الخ ... سيتحسن الاقتصاد ويعود كما كان وأفضل، ولكن هذه العودة تكون تدريجية حتماً.

لقد رأينا أول ما خفّ الضغط عن حلب ماذا حصل ..المصانع أقلعت من جديد، وكذلك الأمر في ريف دمشق، فكيف إذا انتهت الحرب وتم طرد كل دخيل لا علاقة له بسورية، إن كان أميركياً أم تركياً، أو قطرياً، أم داعشياً، أو سعودياً ..؟ عندها حتماً ترجع سورية بشكل تدريجي، ولكن بأسرع مما هو متوقع، فالصناعة التي هي المكنة الأهم بدأت ترجع في حلب، يرجّعها صناعيو حلب، والحكومة تعطي قرارات لتيسير الأعمال، ونرى كيف أن الأمور تتحسّن بزمن قياسي، وأنا برأيي أنّ هذا بالأساس يعود إلى رغبة الشعب، الشعب السوري ( شغّيل ) يخلق الأموال من تحت التراب، يعمل ويَجِد موارد بأي شكل، فهو شعبٌ مبدع، وهذا هو الأمل .. بالشعب .. وليس فقط برؤوس الأموال، فهناك بلدان كثيرة عندها رؤوس أموال طائلة ولكن ليس عندها شعب وهي ليست بعيدة عنّا، والكل يراها أين هي، هي مجرد مستعمرات لأمريكا أو لأوروبا.. هي عبارة عن مستعمرات .. إنهم يستعمرونها اقتصادياً .. واجتماعياً .. ونفسياً .. ومعهم أموال .. ولكن بلا شعب.

بيــئة القـــرار

كان الملاحظ أثناء تولّي الدكتور ميالة حاكمية مصرف سورية المركزي صدور العديد من القرارات المتضاربة، فما السرّ في ذلك يا ترى ..؟

يوضح الدكتور أديب أنّ كل قرار يُتّخذ حسب الزمن والمعطيات والظروف، وبالفعل كانوا يقولون ( الحاكم يأخذ كل يوم قرار شكل ) ولكن الأمر لم يكن كذلك، الحاكم كان يتّخذ القرارات بما يتناسب مع الظروف الراهنة، فكل ظرف له قراره، وليست كل القرارات تصلح لكل الظروف، ولا كل الظروف تنطبق عليها كل القرارات.

ولكن في الختام .. يا ترى كيف يرى الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي قرارات حاكم مصرف سورية المركزي الآن ..؟ وكيف يُقيّمها ..؟

الحاكم الأسبق قال بوضوح : أنا بصراحة تامة بعيد اليوم عن مصرف سورية المركزي، ولا معطيات لديّ، فحاكم المصرف تكون أمامه معطيات كثيرة حتى يتخذ بموجبها القرار.

أنا عندما كنت بحاكمية مصرف سورية المركزي كان عليّ أن أعرف أدقّ التفاصيل والإحصائيات، كم طن قمح أنتجنا ..؟ وكم طن شعير صدّرنا ..؟ وكم طن ذرة نحتاج .. الخ ... فللقرار معطيات، وإمكانية للوصول إلى المعلومة، وليس بوسعي اليوم أن أطلب مثل هذه المعلومات ( فعدم المؤاخذة ) من أكون الآن بالنسبة للجهات صاحبة المعلومات ..؟ لذلك لا يمكنني اليوم معرفة القرار المناسب واللازم اتخاذه من البنك المركزي فعلاً، فأنا بعيدٌ عنه وعن معطياته.

وفي الختام ننتظر الكثير

هكذا يكون اللقاء مع الدكتور أديب ميالة الحاكم الأسبق لمصرف سورية المركزي، ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السابق، عبر إذاعة نينار قد انتهى ..

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك