الاقتصاد اليوم ـ تغطية شاملة للأخبار الاقتصادية على مدار اليوم

 

نبيل سكر يكتب عن التشاركية: مخاطر مشروعاتها وطرق التمويل

 

الاقتصاد اليوم:

التشاركية بين القطاع العام والخاص بهدف تحقيق أهداف اقتصادية واجتماعية هو مفهوم قديم أخذ أشكالاً متعددة عبر الزمن وفي مختلف البلدان، دون أن يكون لها تعريف واحد متعارف عليه بين الدول. لكن من المتفق عليه أن مفهوم التشاركية يقوم على مشاركة القطاعين في تنفيذ وتشغيل مشروعات تنموية تحتاج إلى خبرة فنية واسعة لتشغيلها وإدارتها تفوق قدرة المشغّل العام. ولا يشمل مفهوم التشاركية عقود مقاولات تنفيذ الأشغال العامة أو توريد السلع والخدمات من القطاع الخاص إلى القطاع العام.

وكان من أهم تجارب التشاركية في الماضي هي عقود الامتياز وعقود البناء والتشغيل واسترداد الأصول BOT الهادفة إلى الربح. والأولى هي عقود بين جهة عامة وجهة خاصة تمنح الجهة العامة بموجبها إلى الجهة الخاصة حقاً حصرياً باستثمار موارد زراعية أو معدنية أو صناعية في منطقة جغرافية محددة (مثال مزارع المطاط في ماليزيا ومناجم الفحم في ليبيريا) أو باستثمار مرفق عام بحري أو تجاري أو عسكري أو ترفيهي (مثال قناة السويس في مصر قبل عام 1956) لمدة طويلة قد تمتد إلى 99 سنة مقابل مبالغ تدفعها الجهة الخاصة دورياً إلى الجهة العامة، والثانية هي عقود بين جهة عامة وجهة خاصة تمول بموجبها الجهة الخاصة مشروع مقترح من الجهة العامة وتشغله وتديره طوال مدة العقد مقابل مبالغ مالية يدفعها المتعاقد الخاص إلى الجهة العامة. وفي الحالتين لا تنتقل الملكية إلى القطاع الخاص، بل يعود المشروع، سواء كان قطعة أرض أم مرفقاً عاماً أو مؤسسة إنتاجية، في نهاية المدة مع الأصول التي أضيفت إليها إلى حضن الجهة العامة. ويقل إشراف الدولة في الصيغة الأولى لهذه المشروعات وقد ينعدم، على حين يكون الإشراف في الصيغة الثانية (BOT) ولكن ضمن حدود معينة.

إضافة إلى هذين النموذجين هناك عقود التشاركية بين القطاعين في الملكية والإدارة معاً في مشروعات إنتاجية أو خدمية (مثال القطاع المشترك)، ويختلف هذا النموذج عن النموذجين السابقين في أنه لا يتضمن فترة زمنية محددة (إلا بما يتطلبه قانون الشركات) ولا تعود أصول المشروع إلى القطاع العام بعد انتهاء مدته، بل يعود ما تبقى من أصول المشروع إلى الطرفين كل حسب مساهمته في رأس المال.

ثم هناك التشاركية في عقود الإدارة دون الملكية، التي تعطي الجهة العامة بموجبه حق إدارة شركة عامة أو مرفق عام إلى جهة خاصة لفترة متوسطة المدة لقاء مبلغ معين، وهناك شراكة الوصاية الإيجابية بين الدولة وقطاع الأعمال التي سادت في كوريا الجنوبية في السبعينيات من القرن الماضي، وغيرها من أنواع العقود.

لكن مفهوم التشاركية بدأ بأخذ أهمية متزايدة في الأربعين سنة الماضية مع ظهور الليبرالية الجديدة التي سادت العالم منذ أوائل الثمانينيات، والتي تضمنت تعاظم التوجه نحو اقتصاد السوق وتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاديات الوطنية. وقد شمل هذا التوجه دخول القطاع الخاص مجال البنى التحتية والمرافق العامة مشاركة مع الدولة، وهو مجال كان في السابق حكراً على الدولة. وقد جاء التوجه لمشاركة القطاع الخاص في هذه المشروعات إلى ثلاثة أسباب رئيسية هي، أولاً: لتخفيف الأعباء المالية عن الدولة وتقليص اضطرارها للجوء إلى زيادة الضرائب أو إلى المديونية الداخلية أو الخارجية، وثانياً: لإفساح المجال للدولة لزيادة إنفاقها على المتطلبات الاجتماعية، وثالثاً: للاستفادة من خبرات القطاع الخاص وقدراته التقنية والإدارية والمالية في تنفيذ المشروعات، بما فيه تقليص كلفة ومدة التنفيذ وتحسين صيانة المرفق العام خلال التشغيل، وتوفير خدمة عامة ذات نوعية أفضل وأكثر مردودية للتكلفة.

وبالنظر إلى الطبيعة الخدمية لهذه المشروعات وإلى تعارض أهداف الطرفين العام والخاص من حيث المبدأ وإلى كثافة رأسمالها وطول مدتها ومن ثم تعدد مخاطرها، فقد أعدت قوانين لتنظيم العلاقة في هذه المشروعات بين جهة تهدف إلى المصلحة العامة (الدولة) وأخرى تهدف إلى الربح (القطاع الخاص)، وذلك لتحقيق التوليفة المناسبة بين الجانب التنموي للمشروع والربحية التجارية المشروعة للفريق الخاص المتعاقد. وقد تضمنت هذه القوانين أساليب طرح المشروعات والإشراف على تنفيذها، كما تضمنت ضمانات لحفظ حقوق الدولة والمصلحة العامة من جهة، وحوافز للقطاع الخاص ليقوم باستثمارات طويلة الأجل، عالية المخاطر ما كان ليقدم عليها، من جهة أخرى.

اختلاف مفهوم التشاركية عن الخصخصة

تتضمن التشاركية في مشروعات البنى التحتية والمرافق العامة إشراك القطاع الخاص في تمويل وتشغيل وإدارة مرفق عام في ظل عقد بين جهة عامة وشريك خاص لمدة زمنية محددة، وإعادة المرفق العام إلى ملكية الدولة في نهاية المشروع، وتكون هذه الإعادة مثبتة في عقد التشاركية. ومن ثم فالتشاركية ليست خصخصة، لأن الخصخصة في مفهومها الأساسي هي نقل الملكية العامة في مشروع إنتاجي أو خدمي إلى القطاع الخاص.

وللحفاظ على المصلحة العامة فإن مشروعات التشاركية تنفذ وتشغل تحت إشراف الدولة، حيث تعتبر الدولة هي المسؤولة عن توفير المرفق العام للمواطن بالجودة اللازمة والسعر العادل، كما أن عقود التشاركية تتضمن دائماً بنوداً تحمي المصلحة العامة.

ومن جهة أخرى فإن اعتماد التشاركية لا يعني بالضرورة اعتماد مفهوم «الليبرالية الجديدة» بالمطلق، بل هي ضرورة تقنية للمصلحة العامة وللأسباب الثلاثة التي تم ذكرها. والجدير بالذكر أن القانون المدني السوري أتاح للدولة في مادته رقم 634 التعاقد مع القطاع الخاص لإدارة مرفق عام بموجب عقد يسمى عقد التزام المرافق العامة وهو «عقد الغرض منه إدارة مرفق عام ذي صيغة اقتصادية، ويكون هذا العقد بين جهة الإدارة المختصة بتنظيم هذا المرفق وفرد أو شركة يعهد إليها باستغلال المرفق فترة معينة من الزمن».

مخاطر مشروعات التشاركية

هناك مخاطر متنوعة يمكن أن تتعرض لها مشروعات التشاركية خلال التنفيذ كما خلال التشغيل، نظراً لضخامة هذه المشروعات وتعقيداتها وطول مدتها. فالنسبة للجهة العامة هناك بشكل خاص مخاطر سوء الإنشاء من القطاع الخاص أثناء التنفيذ، ومخاطر تدني جودة الخدمة التي يقدمها خلال التشغيل. أما القطاع الخاص فهناك مخاطر البلد السياسية والأمنية، كتغير الحكومات وتغير القوانين والتشريعات. وهناك مخاطر التشغيل كتأخر المقاول الذي اختاره المستثمر الخاص للتنفيذ وارتفاع كلفة التنفيذ وهبوط سعر الصرف، ثم هناك مخاطر تغير عادات الاستهلاك أثناء التشغيل، ومن ثم تغير حجم الطلب أو نوعيته، ما يؤثر في التدفقات النقدية للمشروع ومن ثم على قدرة المستثمر على التسديد للدولة والمصارف والممولين.

ومن المفترض أن تحدد دراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع مخاطره للأطراف كافة، وأن يوزع عقد المشروع المخاطر بين الأطراف بحسب الالتزامات المترتبة على كل طرف وأن يمنح الحوافز للأطراف بشكل يتناسب مع المخاطر التي تتحملها.

دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروعات التشاركية

تعتبر دراسة الجدوى الاقتصادية في مشروعات البنى التحتية والمرافق العامة أكثر تعقيداً وصعوبة من دراسة الجدوى الاقتصادية في حال المشروعات الربحية. وتحتل دراسة الجدوى الاقتصادية موقعاً متميزاً في هذه المشروعات فهي تقيّم تقنيات المشروع، وتقدر حجم ونوع الطلب على خدماته، وتحدد مخاطره أثناء التنفيذ كما أثناء التشغيل، وتقيّم مدى الحاجة للحوافز للمستثمر وكلفة هذه الحوافز، وتأخذ بالحسبان حماية المصلحة العامة، كما تقدر كلفة المشروع الاستثمارية وكلفته التشغيلية. ويؤثر تقييم هذه المكونات في مسؤولية كل واحد من الأطراف في المشروع وعلى تسعير الخدمة التي سيقدمها المشروع للمستهلك النهائي (مثل سعر الكهرباء أو سعر استخدام الطريق السريع)، ومن ثم إذا ما كان هناك حاجة للتسعير الاجتماعي بدلاً من التسعير الاقتصادي، والحاجة لأي دعم آخر من الدولة وقيمة هذا الدعم.

لذلك من الضروري إعداد دراسة الجدوى الاقتصادية لمشروعات التشاركية من جهات ذات خبرة دولية، خارجية كانت أو داخلية، لتشمل جميع النواحي الفنية والإدارية والمالية للمشروع. وقد يكون من المفيد تكليف أكثر من جهة واحدة بإعداد دراسة الجدوى للاستفادة من تعدد الخبرات.

تمويل مشروعات التشاركية

عادة ما تكون مشروعات التشاركية من الحجم الذي يفوق قدرة القطاع الخاص المستثمر على تمويلها من موارده الذاتية، ما يتطلب أحياناً تشكيل اتحاد مالي بين عدة مستثمرين لتنفيذ المشروع، ويتطلب غالباً لجوء المستثمر أو مجموعة المستثمرين إما إلى الاقتراض المباشر طويل الأجل من المصارف أو إلى طرح سندات طويلة الأجل في السوق. وتسدد عادة أقساط القرض أو قيمة السندات المطروحة مع الفوائد من التدفقات النقدية لشركة المشروع. وفي حال التمويل المصرفي تقدم المصارف هذا التمويل بضمانة المشروع وأصوله وتدفقاته المالية حصراً من دون أي عودة إلى الأموال الخاصة العائدة للجهات المستثمرة في المشروع أو الراعية له، ولكن يتم أحياناً الاتفاق على عودة محدودة إلى الأموال الخاصة مثل تقديم كفالات شخصية من بعض المساهمين في المشروع أو من الجهة العامة المتعاقدة أو من الدولة. أما عن القرض نفسه فقد يكون من الداخل أو من الخارج أو من كلاهما، وقد يكون من مجموعة من المصارف بصيغة القروض المجمعة.

د. نبيل سكر

المصدر: الوطن

تعليقات الزوار
  1. تعليقك
  2. أخبرنا قليلاً عن نفسك