هجرة الكوادر..كارثة اقتصادية بتشجيع حكومي
الاقتصاد اليوم:
بات واضحاً، أن الإهمال الحكومي الكبير، في تقديم الخدمات المطلوبة للناس، أدى إلى تفاقم ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وما يرافقها من خطورة بالغة على صعيد خسارة البلاد لما تبقى من كوادرها المميزة والكفوءة. ولايمكن استبعاد الدور الذي تؤديه بعض الجهات في هذا الشأن، بقصد أو دونه، إلا أن تزايد أعداد المهاجرين نتيجة النقص الكبير في الخدمات، وغياب العدالة في تقديمها، وتوزيعها بأساليب تثير التساؤل، سيجعل من ارتباط الناس بأرضهم في أدنى مستوياته، لتكون الفرصة المتاحة للهجرة الآن، دافعاً قوياً لجيل الشباب الذي تتلقفه الدول الأخرى بمغريات كثيرة.
من الصعب تقدير عدد السوريين المهاجرين في الفترة القليلة المنصرمة، فمئات آلاف السوريين أيقنوا أن دول أوربا الغربية ستكون لهم الملجأ الآمن، والواحة المنتظرة، ومعظم المعطيات المتداولة تجسد هذا الموقف، برغم أن كثيرين من المهاجرين الآن هم من الذين لايمكن الاستغناء عنهم في المرحلة الراهنة، أو في المرحلة القادمة لحظة توقف إطلاق الرصاص، وعمليات القتل والتدمير، وسكوت أصوات المدافع. ولا نذيع سراً في كشف أن النسبة الغالبة من المهاجرين هم من المتعلمين، إذ تشير دائرة الهجرة الألمانية إلى أن 35% من المهاجرين السوريين حتى منتصف العام الجاري يحملون الشهادة الثانوية، أي وفق مقاييسنا هم من طلبة الجامعات، كما أن 15% من المهاجرين لألمانيا فقط هم من حملة الشهادات الجامعية، فيما يتوزع الباقون إلى مستويات علمية مختلفة، وهؤلاء لايقلّون أهمية عن الذين قبلهم، لأنهم ببساطة شديدة يشكلون النسبة الغالبة من المهنيين بمختلف الاختصاصات (كهرباء، بناء، حدادة، ميكانيك، تمديدات صحية،..الخ)، هؤلاء الذين أمضوا حياتهم في تعلم وإتقانها تدر عليهم دخلاً، أتت الفرصة السانحة ليكون الاغتراب وجهتهم، بعد فقدانهم لفرص عملهم ولورشهم.
حتى الآن لايمكن تقدير الخسائر الاقتصادية لفقدان البلاد كوادرها المذكورة، وتبدو الأرقام التي يمكن وضعها هزيلة أمام مهن هي على حافة الاندثار، واشتهرت بها سورية على مر العقود الطويلة الماضية ومنها البروكار الدمشقي، وصناع الذهب، وما يتعلق بمهنة الموبيليا وغيرها. فهذه الأيدي الماهرة التي تشكل ثروة وطنية، تُهدر اليوم في أصقاع العالم، وتُباع وتُشترى، للاستفادة منها واستثمارها في الميادين المختلفة.
بلا شك، تتحمل الحرب الدائرة منذ ،2011 المسؤولية الكبرى، في رسم هذا الواقع، وإعادة تشكيله، وفقاً لقوانينها الرهيبة، لكن لابد من الاعتراف أن موجة الهجرة الأخيرة، كان لها الكثير من المعطيات والأسباب التي تحاول الحكومة تجاهلها. وأبرزها حالة الثقة المعدومة بين المواطن وحكومته، وعدم التعامل بشفافية في أكثر الملفات الاقتصادية سخونة، وحالة الترف التي يعيشها عدد كبير من المسؤولين وأبنائهم، مقابل الفقر المدقع الذي يعاني منه غالبية الشعب السوري، والإجراءات الحكومية غير الشعبية التي أدت إلى سحق غالبية الشرائح التي كانت تحافظ على توازنها المعيشي، وغيرها من الأسباب التي لم تعد خافية على أحد.
هل تظن الحكومة، أن تصريحات وزرائها تقنع الناس؟ ما معنى أن يُذل رب أسرة للحصول على 40 ليتر مازوت للتدفئة، فيما يتفاخر مسؤول حكومي بتأمين المادة للناس؟ هل القرارات التي تتناول الخبز كافية لضبط الهدر وتقديم مادة بمواصفات جيدة؟ من يستطيع أن يتحكم بالمواد المدرجة في مجال المقنن التمويني؟ وبالمسطرة ذاتها يمكن القياس على طريقة التعاطي الحكومي مع قضايا الناس، وابتعاد المسؤولين عن هموم المواطنين، واكتفائهم بالحد الأدنى من العمل المطلوب.
الحرب أنهكت الاقتصاد السوري، وتأتي الإجراءات الحكومية وقراراتها، لتضيف عاملاً مساعداً على تهجير العمالة الوطنية، التي لابد من التعاطي معها على أنها ثروة حقيقية، أما ما يجري من هدر لهذه الثشروة فهو بالدليل القاطع، يعد الكارثة الإضافية التي تدمر ما تبقى من الاقتصاد السوري.
المصدر: صحيفة "النور" المحلية
تعليقات الزوار
|
|