هل يجرؤ السيد الوزير على أفضل حلّ لأعقد مشكلة ..بما أن التصريحات المرحة لا تسمن ولا تغني
الاقتصاد اليوم:
مثير للدهشة كان حديث وزير المالية واعترافاته أمام مجلس الشعب بـ”اهتراء” التشريع الضريبي في سورية، الطاعن في السنّ ذو “مواليد العام 1945″…فالرجل صمت كأستاذ جامعي وكوزير طويلاً..حتى لم يرد ولم يعلّق على انتقادان زملائه أساتذة الاقتصاد – وتحديداً المحاسبة – في جامعة دمشق، بل كان دوماً بارعاً في إشغال الرأي العام من موقع منصبه، بتصريحات إما تدغدغ و إما تخدش مشاعر المأزمين من لفح الظرف الراهن بكل ثقل وطأته ، تارة عن زيادة الرواتب و أخرى عن الدعم وثالثة عن الجوع، و كلّها في الحقيقة كانت عبارة عمّا يشبه “الغناء في مجالس العزاء” أي حيث المقام لا يسمح بالظرافة وخفّة الدّم.
لابأس فلنعد إلى صلب اختصاص وزارة المالية و بالتحديد “سيرة الضرائب المملّة والممضّة، التي كانت موضوع الاعتراف المفاجئ الذي نطقه الدكتور حمدان..
والواقع لن يكون واهماً من يزعم أن خللاً ما بلور لدينا، من حيث الشكل، ما يشبه “الجنّة الضريبيّة”، ليس بالتشريع ومعدلات التكليف، بل بالممارسة والتهرّب وبما تنتجه مكنة الجباية سنوياً من غلّة متواضعة إلى حدود استفزاز نزعة الاتهام، التي تكاد لا تستثني إلّا قلّة داخل الدائرة الواسعة نسبياً، التي يتحرّك فيها المعنيون بما ينطوي عليه هذا الملف.
فإن كانت التساؤلات الدارجة حالياً تستفسر عن أسباب فشل كافة حكوماتنا في محاولات مكافحة التهرب الضريبي، سنطرح نحن سؤالاً أصعب وأكثر إحراجاً، يتحرّى عمّا إذا كان في أرشيف وزارة المالية، ما يؤكّد أن ثمة محاولات معالجة فعليّة حقيقيّة جرت في هذا الاتجاه يوماً.. خصوصاً أننا من البلدان النادرة في هذا العالم التي تغيب عن تشريعاتها العقوبات الجزائيّة الرّادعة للتهرّب.. كعقوبة السجن مثلاً؟!.
وإن كان التوجّه “الفانتازي” الكمالي وفي غير وقته المناسب، الذي أفصح عنه الوزير منذ أشهر، بخصوص ضريبة المبيعات، يحمل في مؤدّاه المفترض حلّاً جذرياً لمشكلة التهرب، فهو ضربٌ من الخيال حالياً وفي المدى المنظور، بسبب التكاليف الباهظة التي يتطلبها توطين البنية التقنية اللازمة للتحصيل، فالفوترة الالكترونية ممر إجباري لاعتماد هذا النوع من الضرائب، ومن العسير جداً علينا تحمّل، أو حتى التفكير بتحمّل الكلفة المالية التي يرتبها المشروع في سياق استحقاقات أخرى أكثر إلحاحاً بكثير.
الموضوع يبدو شائكاً في الحقيقة، وبالوقت ذاته تبدو معالجته ضرورة قصوى في زمن عوزنا المالي على مستوى الخزينة المركزية، نتيجة للأزمة وما رتّبته الحرب القذرة علينا من استنزاف للموجودات والموارد.. فما الحلّ إذاً؟.
من المؤكّد أن الإجراءات شبه البوليسية التي تلجأ إليها وزارة المالية أحياناً ليست ناجعة، وعلى كل حال غالباً ما تكون بشكل استعراضي أو ذات مرامٍ في اتجاه آخر، كما أنه لا يمكن التعويل على ضمير المكلّف و”الصحوات الوطنية” في تحقيق معدلات التزام عالية، وأيضاً لا يجوز الاسترخاء للآلية الراهنة في الاستعلام والتكليف، لأن ما يعتريها من فساد بات أكبر من طاقة البلد لتحمّله.
خيارات صعبة تتطلب معالجات جراحية عميقة، لا ترميمية، ولا تجميلية كتلك التي اجتهد عليها وزراء مالنا منذ حوالي عقدين من الزمن وحتى الآن، وكانت مقصودة لذاتها.. أي ليست ذات معنى وجدوى.
هنا سنقترح حلّاً قد يكون صادماً للوهلة الأولى، إلا أنه ربما يكون الأنجع على الإطلاق في مثل ظرفنا وحالنا، وهو تخفيض نسب التكليف إلى الصفر % أو معدلات قريبة من الصفر، أي 2 أو3 % وفي الحد الأقصى 5%، وتعويض النسبة “الضائعة” برسوم وتكاليف إدارية ثابتة، بعيداً عن تقديرات موظف المالية، في كافة مفاصل ومسارات حركة أموال وأعمال الصناعي أو التاجر.
ونحن على يقين من أن العائد على الخزينة العامة سيكون أضعاف العائد الحالي سنوياً، لأننا نكون قد نقلنا المطارح أولاً، ووزعنا مهمة التحصيل على طيف واسع جداً من موظفي الدولة ثانياً، ونسفنا مسارات التعاطي المشبوه بين “المالية” والمكلّف، ونعلم جميعاً أن التهرب من الرسوم الثابتة صعب للغاية.
هو خيار يحتاج إلى دراسة متأنية ليمسي قراراً، لكنه يضمن تحقيق العدالة في التكليف وعدالة التحصيل، ويحقق عائدات يمكن أن تكون مجزية، كما نكون به قد قطعنا سلسلة مزاعم مزمنة بشأن قسوة التشريع الضريبي لدينا وقلّة مرونته أو انعدامها على الإطلاق.
الخبير السوري
تعليقات الزوار
|
|