هندسة بناء الطبقة الوسطى..(الجزء الأول)
الاقتصاد اليوم:
كتب الدكتور سنان علي ديب رئيس فرع جمعية العلوم الاقتصادية في اللاذقية
الطبقة الوسطى أساس استقرار وتطور البلدان ولا يمكن أن يحصل أي تغيير أو إصلاح حقيقي فاعل مستمر من دون المرور عبرها فهي عنوان لقوة وصلابة البلد المعني ضد أي محاولة تدمير وتهديم وكلما اتسعت الطبقة الوسطى خفت التناقضات الاجتماعية و خف تأثير المافيات الاقتصادية وبالأساس هي الطبقة الوسيطة بين فئتي الفقراء و الأثرياء وبالتالي هي تأخذ من ناحية المنظور المالي ويجب هنا الانتباه أن المعيار هو مداخيل الأسرة كاملة سواءاً أجر شهري أو مداخيل إضافية عقارات , زراعة, تجارة, معونات و لا يأخذ الدخل فقط من الناحية المادية وإنما كذلك الإنفاق بحجمه ونوعه بحيث من يؤمن الحاجات الأساسية من الأغذية والسلع والخدمات الترفيهية يعد منتمي لها وإن المنظور المالي هو ضرورة لتوصيف الطبقة الوسطى و لكن يجب ملازمته للمعايير الاجتماعية و القيمية و الأخلاقية بالتالي السلوكية.
فالفساد المسرطن قد يصنع فئات تنتمي للمنطقة الوسطى ولكنها لن تكون ذات انتماء و عقلية محصنة وسلوكية بناءة منضبطة ,ومن دون تجانس الطبقة الوسطى و فاعليتها الاجتماعية لن يحصل تطور مالي ومعرفي وانضباطي متراكم بنّاء لقوى اقتصادية قادرة على المشاركة في عملية التنمية وأخذ دورها المتوجب في حمل جزء من المهمة التنموية بإدارة الحكومة وبما يتوافق مع حاجة البلد وهو ما يطلق عليه البرجوازية الوطنية من أصحاب رؤوس الأموال الوطنية المشاركة في بناء وتنمية الاقتصاد عكس حيتان الفساد و الافساد بأموالهم الجاهزة للهروب بأي لحظة او للمساهمة في تخريب وتدمير الاقتصاد وهي تحت الطلب, و الطبقة الوسطى تحوي الموظفين و الفنانيين و المثقفين و رجال الدين الحقيقي و رجال المؤسسات الحكومية مدنية وعسكرية ,
وإن كبر و اتساع الطبقة الوسطى تفريغ لأي صراع طبقي ومؤجل له , هذا الصراع الذي تخشاه البرجوازيات من أصحاب رؤوس الأموال السوداء وحيتان الفساد فيعملوا لحرفه ليصبح عمودي عبر تضليلات و عبر استثمار الفقر و الحاجة وإن الطبقة الوسطى في سورية لم تكن متجانسة و ذات مشروع تعمل لذاتها ,فجزء منها بالسلوك و الانفاق أقرب لطبقة الفقر العادي وجزء آخر يتماهى مع طبقة الأثرياء , فقد تلعب مناطق السكن بين الريف والمدينة دوراً في عدم انسجامها وكذلك باختلاف المدن بحسب سكنها من ناحية العادات و التقاليد وأسلوب الحياة ,ومن حيث المعايير المالية فإن الأمم المتحدة وضعت معيار الانفاق دولاريين يومياً للفقر العادي و دولار يومياً للشخص لدخول دائرة الفقر المدقع وبالنسبة لسورية فإنه حسب إحصائيات المكتب المركزي للإحصاء الأسرة المؤلفة من 5 أشخاص أب وأم و 3 أولاد بحاجة لحوالي 30 ألف ليرة شهرياً,وفي الوقت الحالي بلغت نسبة التضخم حوالي 1100 عن تلك الفترة وقد كان متوسط الأجور بسورية حوالي 13 ألف ليرة سورية و بالنسبة لحجم الطبقة الوسطى فقد شهدت في سورية تحولات خطيرة فمن طبقة مسيطرة حوالي 80 % لغاية 2002 وهذا طبيعي لأن سورية و تونس أعدتا من أهم دول المنطقة تطبيقاً لمعايير التنمية البشرية و الأقدر على تطبيق معايير الألفية و هذا ناجم عن سياسات اقتصادية واجتماعية منبثقة من الواقع ورافعة له في ظل تواجد مؤسسات ومنظمات وأحزاب قادرة على مواجهة أي انقلاب على إنجازات الحكومة اتجاه العمال و الفلاحين وباقي فئات الشعب وسط مؤشرات اقتصادية مميزة من حيث انعدام الديون و تراكم احتياطات نقدية و بنى تحتية مميزة أنعشت المؤشرات الاقتصادية فقطاع عام رائد وفر أغلب الصناعات الغذائية و النسيجية و التحويلية و الدوائية و أمن غذائي قلما وصلت له أي بلدان عبر دعم الفلاحيين بالارشاد و الأدواتو البذار و شراء المحاصيل من قبل الحكومة وتوفير الخدمات التعليمية و الصحية و المالية لأغلب فئات الشعب و توصيل مياه الشرب و الصرف الصحي لأغلب السكان ما نجم عنه تنمية متوازنة مستقرة مستمرة ,
ولكن فرض سياسات مفرغة لهذه الطبقة و سالبة لما حصلت عليه عبر برامج مضللة غير واقعية حابت البعض و عرقلت توازن التنمية وسلبت قيادة المجتمع من القطاع العام لصالح البعض مع شراهة لتفريغ أغلب المؤسسات الحكومية من خدماتها لإقحام شرائح من القطاع الخاص على حساب قوة و صلابة هذه الطبقة لتصبح هذه الطبقة بحدود 60 % قبل الأزمة مع تزايد أعداد الفقر و البطالة وهجرة مئات الآلاف خارج أراضيهم و استقرارهم بمحيط المدن الكبرى بسبب رفع أسعار المحروقات و اللعب بالخطط الزراعية و من ثم بعد الأزمة المدمرة الخانقة التي كان تهشيم الطبقة الوسطى مدخلها اندثرت ولم يبق منها شيء 10 % ممن يستطيعوا تأمين الدخل الكافي المقدر بحوالي 250 ألف ليرة سورية قد تنقص وتزيد حسب أماكن السكن و الاستقرار ما بين قاطن ونازح أو بين ريف ومدينة هذه الـــــ250 ألف تتوزع بين غذاء يؤمن ال2400 حريرة اللازمة للفرد مضافاً لها الزيوت و الشاي و البن و هذا ما يأخذ أغلب المطلوب حوالي 110 آلاف شهرياً ويضاف لها أجور النقل التي تتراوح بين 10/15 ألف للأسرة و السكن بين 25/50 ألف لمن لا يملك منزل إضافة لتكاليف التعليم و الصحة و اللباس و الاتصالات و الانترنيت.
ولن نتكلم بالترفيه كل ذلك في ظل وسطي أجور 26000 ليرة سورية و أكيدانعكاسات العقوبات و الحصار الاقتصادي و انعكاسات الآزمة و التي نجم عنها 7 مليون نازح ضمن البلد وأكثر من حوالي 5 مليون خارج البلد ومئات آلاف من الدم السوري الطاهر و خروج حوالي نصف البلد عن السيطرة وما نجم عنها من خروج أراضي زراعية ومناجم ثروات عن سيطرة وملكية وعائدية الحكومةوتهريب الأموال الأجنبية وسرقة المعامل و تدمير حوالي 40 معمل قطاع عام و 41 محطة صرف صحي و أكثر من مليون ونصف شقة سكنية و مئات الالاف من المهمن و الحرف و مئات المشافي و آلاف المدارس بحرب هدفها التدمير و الاستنزاف, كل هذا أدى لخسائر تقدر بحوالي 300 مليار دولار وكذلك أدى لنزيف الطبقة الوسطى عبر هجرة الكفاءات و أصحاب المهن و عبر الموت و عبر الفقر و البطالة و تدمير وترك ,
للأسف خلال الحرب المدمرة لم يتغيير النهج الاقتصادي والاجتماعي وإنما استمر بنفس العقلية عبر قبعات مختلفة , فاستمر التعيين حسب المحسوبية و لا ينظر للكفاءة وقد تكون ظروف الأزمة وعمقها وكبرى قد أدى لقبول أمور لا يمكن تجاوزها وسط احتمالات الحفاظ على الكيان وسط قناعة الأهداف الكبرى قد تجعلك تقبل ببعض الأمور الصغرى ووفق ابداع من دواعش الداخل و ارهابي الاقتصاد في فرض هكذا ابتزازات ما جعل الفساد يتضاعف و بشكل مسرطن ومخيف و استمر السير بتقوية رؤوس الأموال على حساب المؤسسات و لعب بالاحتياطي النقدي بشكل خطير أخسر الليرة قيمتها و الشعب الكثير من احتياطاتهم مع العمل على وضع سياسات نقدية بلا هوية و تعاكس الواقع هدفها عدم تقوية الليرة والتي نعد مصدر ثقة بالاقتصاد الوطني و حتى مصدر ثقة عن قوة و صلابة الدلوة مما انعكس بشكل خطير على الأسعار التي كانت ترتفع بنسب أكبر من نسبة ارتفاع الدولار مع تفشيل سياسات التدخل لوزارة حماية المستهلك و التي أسست خلال الأزمة بتصرف سليم و ضروري ولكنها لم تستطع ضبط الأسعار أو أن تتدخل بشكل يسيطر على السوق وكيف ذلك وأغلب توريداتها من قبل نفس تجار الاحتكار بالسوق وكذلك أغلب عقوباتها غايتها الأساسية عدم الردع ولم تستطع فرض نظام الفوترة ولم تستطع تطوير أدائها عبر تجديد أغلب أدواتها حاملي عقلية الارث الطفيلي الارتزاقي القديم الذي أوصلنا لما نحن عليه وكذلك لم يعمل على إصلاح القطاع العام واستمروا بتخسيره لتظل ملفات اصلاحه في الخزانات أسوة بما كان تفعله حكومة ما قبل الأزمة من قتل علني لهذا القطاع من أجل إرضاء البنك الدولي و أتباعه من مافيات الاقتصاد وإنما سدد الارهاب ذخيرته نحو المعامل التي كانت ذات انتاجية عالية كمعامل الأدوية و الأسمدة و البيرة و غيرها ليترك السوق فقط لمن يريد الاستيراد من محتكري المواد وكذلك نفذت سياسة تحرير المحروقات ما أسفر عن تضخم كبير و ارتفاع أجار النقل و التنقل وتكلفة لإضعاف تحكم القطاع العام بالعملية التنموية و إقحام الخاص لجعل قيادة الدولة و الاقتصاد لمرتكزات قوى مالية تتحاصص فيما بينها ثروات البلد و تبقى للحكومة دور جباية الرسوم و الضرائب التي تضاعفت عشرات المرات خلال الأزمة على حساب الطبقات الفقيرة ولكي تملأ خزينة الدولة بدلاً من تهرب الأثرياء الجدد من الضرائب و الالتزامات المنتجات , هناك محاولات لتمرير ما عجزت عنه حكومة ما قبل الأزمة و العمل وكأنها موجودة.
سينسيريا
تعليقات الزوار
|
|